أزمة حزب «الوفد» أعرق الأحزاب الليبرالية في مصر، تفاعلها، قبل أيام من انعقاد الجمعية العمومية لانتخاب الهيئة العليا الجمعة المقبلة 15 مايو الجاري، في إطار المعركة الدائرة بين السيد البدوي، رئيس الحزب، وعدد من قيادات «الوفد» الذين تم تجميد عضويتهم وإحالتهم إلي التحقيق، في أزمة تهدد الحزب العريق بالتفكك، خاصة في ظل مساعي بعض الأعضاء للانشقاق وتأسيس حزب جديد باسم «الوفد المصري»، في وقت بدأت حملة توقيعات لسحب الثقة من البدوي. معارضو البدوي تحركوا علي أكثر من مستوي، فاجتمع عدد من قيادات الهيئة العليا والحزب بالشرقية، وقرروا سحب الثقة من البدوي، وعدم الاعتداد به رئيسا للحزب، وهو المؤتمر الذي فجر الصراع بين الفريقين، فريق السيد البدوي، وفريق فؤاد بدراوي ومعه سبعة من أعضاء الهيئة العليا للحزب، فيما دشن أعضاء «الوفد» في «الغربية» حملة ارحل لمطالبة البدوي بالاستقالة، يأتي ذلك فيما دشنت حملة لجمع التوقيعات من داخل الوفديين لإجبار البدوي علي الرحيل علي غرار استمارة حركة تمرد. مطالب بسحب الثقة من البدوي في المحافظات والمكتب التنفيذي يجددها وقال عصام شيحة، الذي تم تجميد عضويته في الحزب، إن حزب «الوفد» مقبل علي مرحلة خطيرة تستدعي تكاتف جميع أبناء الحزب لمنع هيمنة فرد واحد علي «الوفد»، محذرًا من تجرؤ أصحاب المصالح علي العمل الحزبي وسيطرة المال علي الأحزاب ما سيؤدي إلي اختفاء الأحزاب من الحياة السياسية بشكل كامل. وأكد شيحة ل«آخر ساعة» أن أزمة «الوفد» بدأت منذ عدة سنوات عندما سيطر رجال الأعمال علي الحياة السياسية، في مسعاهم لتدعيم نفوذهم عبر السيطرة علي الإعلام عبر إنشاء قنوات فضائية، والسيطرة علي الأحزاب لتدعيم نفوذهم الاقتصادي، وإيجاد وسائل ضغط علي الحكومة وهو ما حدث بعدما تحولت القنوات الفضائية المملوكة لرجال أعمال إلي أدوات ضغط علي الحكومة، وهو ما حدث مع الوفد الذي سقط في يد السيد البدوي. واتهم شيحة البدوي بتزوير الانتخابات الأخيرة التي جرت علي رئاسة الحزب بين البدوي وفؤاد بدراوي، كاشفا أن اللجنة القانونية التي أشرفت علي الانتخابات برئاسة المستشار إبراهيم درويش أثبتت تزوير الانتخابات الرئاسية للحزب، وعندما رفع بدراوي دعوي قضائية لإثبات حقه تمت ممارسة ضغوط عليه لسحب الدعوي القضائية، مؤكدًا أن «الشرعية الوحيدة حاليا داخل الحزب للجمعية العمومية التي بدأ أعضاؤها في جمع توكيلات علي غرار حركة تمرد لإقالة البدوي من منصبه، وتم بالفعل جمع 1200 توكيل، وجار استكمال المستهدف لنصل إلي 2000 توكيل». وحذر شيحة مما وصفه ب«اختطاف البدوي للجنة العليا» لحزب الوفد، عبر التخلص من كل الرموز الوفدية علي مدار عدة سنوات، مضيفاً: «البدوي أساء لنفسه وللحزب عندما استخدم جريدة الوفد لتصفية حساباته مع خصومه داخل الحزب وخارجه، لذلك لن يخرج الوفد من كبوته إلا عبر الإطاحة بالبدوي، والعمل علي إعادة بناء الحزب من جديد من الداخل». وأشار شيحة إلي أن البدوي تخلص من بعض قيادات الحزب المهمة علي مدار 5 سنوات مثل سامح مكرم عبيد ومارجريت عازر وعلاء عبد المنعم وغيرهم كثيرون، وأن هذه الشخصيات بدأت في اتخاذ خطوات جدية لتأسيس حزب الوفد المصري ليعبر عن أفكار الوفد بتاريخه العريق بعدما فقد الحزب الحالي الكثير من بريقه. من جهته، قال شريف طاهر، عضو الهيئة العليا المفصول، إن تنكيل البدوي بمعارضيه داخل «الوفد» ليس جديدًا، إذ دأب علي إقصاء معارضيه بطريقة ممنهجة، حتي بلغ عدد المفصولين طوال سنوات رئاسة البدوي، نحو 150 من قيادات الحزب، في ظل رفضه التام لدعوات الإصلاح داخل الحزب علي المستوي التنظيمي، لإعادة الحزب إلي الشارع وحصوله علي المكانة التي يستحقها وفقا لجماهيريته الواسعة في الشارع. وأكد طاهر ل«آخر ساعة» أن المجموعة الإصلاحية في الوفد تسعي إلي تنظيم جولات في مختلف المحافظات للحصول علي دعم اللجان الفرعية، وضمان التواصل مع القواعد الحزبية لشرح المخاطر التي تحيط بالحزب وتعصف باستقراره، في ظل هيمنة البدوي علي صنع القرار من خلال التغيير في تركيبة الهيئة الوفدية بإقصاء المعارضين له، وتعيين مجموعة من التابعين له محلهم لضمان الانفراد بالقرار داخل الحزب. في المقابل، رفض السيد البدوي، رئيس الحزب، الاتهامات التي تلاحقه قائلا إن ما تمت إثارته من البعض مجرد «فتنة» غرضها إفشال انتخابات الهيئة العليا للحزب، مشددا خلال مؤتمر صحفي له الجمعة الماضي، علي إجراء الانتخابات في موعدها 15 مايو الجاري، مؤكدًا وقوفه علي الحياد في انتخابات الهيئة العليا، نافيا تدخله بأي شكل من الأشكال لدعم مجموعة أفراد بعينهم لضمان نجاحهم، قائلاً: «لم تكن لي قائمة في انتخابات الهيئة العليا الماضية، ولن تكون لي قائمة في هذه الانتخابات أيضاً، ولا أتدخل بأي صورة من الصور بإرادة الوفديين». وفيما وصف بهجت الحسامي، المتحدث باسم «الوفد»، ما يحدث حاليا في الحزب «كزوبعة فنجان»، أكد أحمد عودة، مساعد رئيس حزب «الوفد»، ل«آخر ساعة» أن المكتب التنفيذي للحزب وعددا من أعضاء الهيئة العليا قرروا خلال اجتماعهم، الجمعة الماضي، تجديد الثقة في البدوي، في مواجهة دعوات البعض بسحب الثقة من رئيس الحزب، كاشفا عن موافقة المكتب التنفيذي علي التحقيق مع أعضاء الهيئة العليا الذين شاركوا في اجتماع لجنة الحزب في الشرقية لسحب الثقة من البدوي، والموافقة علي فصل 5 أعضاء، أبرزهم فؤاد بدراوي وعصام شيحة. وقال عودة إن الهيئة العليا للحزب قررت عدم السماح للأعضاء الذين تم إيقاف عضويتهم بدخول مقر الحزب، إلا لحضور التحقيقات معهم أمام اللجنة الخماسية المشكلة بقرار من الهيئة العليا للحزب، مشددا أن الحديث عن تزوير انتخابات الهيئة العليا لصالح مجموعة معينة «خرافة»، كاشفا عن مشاركة 40 حقوقيا من المجلس القومي لحقوق الإنسان، فضلا عن لجنة قانونية برئاسة الدكتور إبراهيم درويش، في الإشراف علي الانتخابات لضمان النزاهة في سير العملية الانتخابية، وأشار إلي أن أبناء الوفد هم من سيحددون من الأحق بتمثيلهم في الهيئة العليا، كاشفا عن أن الانتخابات ستجري بين 80 مرشحًا لاختيار 50 عضوًا بالهيئة العليا، كما سيتم انتخاب 5 أعضاء للسكرتارية العامة للحزب من بين 11 مرشحًا. في الأثناء، أصدر عدد من رؤساء لجان الوفد بالمحافظات بيانا أكدوا فيه تمسكهم برئيس الحزب، واتخاذ جميع الإجراءات ضد محاولات النيل من الوفد، وقال البيان الذي حصلت «آخر ساعة» علي نسخة منه «تعقيبا علي ما صدر من قلة من أعضاء الحزب من تصرفات غير مسئولة الهدف منها النيل من الوفد ووحدته: «في هذا الوقت الذي يستعد فيه الحزب لخوض الانتخابات البرلمانية، وإزاء هذا التصرف غير المسئول فإننا نعلن رفضه جملة وتفصيلا، والتمسك بالرئيس المنتخب الدكتور السيد البدوي شحاتة رئيسا للوفد، واتخاذ كافة الإجراءات ضد كل من ساهم في هذا العمل الذي ينال من وحدة الحزب، ويعد رفضا لقرار الجمعية العمومية للحزب التي انتخبت السيد البدوي رئيسا للوفد منذ أكثر من 10 شهور، وأسقطت منافسه فؤاد بدراوي الذي يقود هذه المؤامرة»، وحمل البيان توقيع ممثلين عن محافظاتأسوان، والمنوفية، والقليوبية، والشرقية، وبورسعيد، والفيوم، والبحيرة، والغربية، وسوهاج، وبني سويف، والأقصر، والإسماعيلية، والجيزة، وجنوب سيناء، والبحر الأحمر. وبحسب مراقبين تعيد الأزمة الأخيرة داخل حزب «الوفد» المخاوف من أن تضرب موجة جديدة من الانشقاقات الحزب العريق، أو أن تستعاد ذكري المواجهة الدامية بين أنصار نعمان جمعة ومحمود أباظة أثناء صراعهما علي رئاسة الحزب في سنة 2006 وهي المعركة التي استخدمت فيها الأسلحة النارية، وهو ما نتج عنه وقوع ضحايا بين قتيل ومصاب. ويعد «الوفد» أكثر الأحزاب المصرية الذي تعرض لانشقاقات متتالية، أولها انشقاق أحمد ماهر باشا مؤسس حزب «الهيئة السعدية»، ثم انشق مكرم عبيد مؤسس حزب «الكتلة الوفدية»، وبعد عودة الأحزاب إلي الحياة السياسية في نهاية السبعينات، أعيد تأسيس الوفد الجديد برئاسة فؤاد سراج الدين، وشهد الوفد في نسخته الثانية خروج أيمن نور من الحزب ليؤسس حزب «الغد» في مطلع الألفية الجديدة.