أسباب ارتفاع أسعار الشقق شتي ومتنوعة لكنها تتفق فيما بينها علي جعل حلم الحصول علي "شقة" من رابع المستحيلات، خاصة أن الحكومة ممثلة في وزارة الإسكان لا تزال غير قادرة علي ضبط الأسعار، تاركة أمر تحديدها لكبار المقاولين والشركات العقارية، التي تضع أسعاراً جزافية تخالف المنطق، فكيف لشقة لا تتجاوز ال65 مترا أن يبلغ ثمنها ما يقارب ربع مليون جنيه؟! وبدلا من مناقشة الأزمة التي تستفحل بعقلانية ووضع حلول واقعية لجأت الحكومة إلي الحلول المستوردة، ففتحي السباعي، رئيس بنك الإسكان والتعمير، اقترح علي الشباب تغيير ثقافاته السكنية، بالقبول بالسكن في شقة تبلغ مساحتها 35مترًا، وهو التصريح الذي تسبب في موجة من النقد اللاذع علي وسائل التواصل الاجتماعي، لأن المسؤول الحكومي اكتفي باستنساخ ما هو موجود في أمريكا دون وعي باختلاف نمط الحياة في مصر عن بلاد الغرب. وفيما لا يزال مشروع المليون وحدة في مرحلة التجهيزات، ضربت موجة من ارتفاع الأسعار سوق العقارات بصورة مبالغ فيها فتعدت أسعار المتر في الوحدة السكنية حاجز 2000 جنيه للمتر الواحد في معظم الأحياء ذات الإقبال الكبير، فيما يبدأ سعر المتر ب3500 في الأحياء الراقية، أما الأحياء الشعبية فضربتها موجة ارتفاع الأسعار، فوفقا لسماسرة بيع العقارات، تعاني مناطق مثل شبرا وإمبابة من ارتفاع قياسي في الأسعار نظرًا لقرب هذه المناطق من وسط القاهرة، يأتي ذلك فيما تضاعف ظاهرة "تسقيع" الوحدات السكنية من حدة الأزمة ففي تقرير أصدرته وزارة الإسكان مؤخرا هناك نحو 5.7 مليون وحدة سكنية مغلقة. من جهته، أكد عمر مخيمر، سمسار عقارات، أن أسباب ارتفاع أسعار الشقق متنوعة ومختلفة من مكان إلي آخر، لكن الزيادة الأخيرة في سوق العقارات جاءت مع زيادة معدل الاستقرار لأول مرة منذ ثورة 25 يناير 2011، ما جعل المواطنين يقبلون علي شراء الشقق والعقارات من جديد، كاشفا عن أن أحد أسباب الأزمة إقبال البعض علي شراء الشقق من أجل "تسقيعها" أي تركها لعدة سنوات ترتفع بثمنها إلي الضعف ثم يقبل علي بيعها ليحقق صاحب الشقة مكاسب من هذه العملية. وأشار مخيمر إلي أن أكثر منطقة شهدت ارتفاعا في الأسعار خلال السنوات القليلة الماضية، كانت منطقة "الشيخ زايد"، ما أدي إلي وصول سعر المتر فيها إلي 3500 جنيه، وجاءت أول زيادة في أسعار المنطقة بعد الاجتياح الأمريكي للعراق سنة 2003، ما أدي إلي هجرة العراقيين إلي مصر، والذين أقبلوا علي الشراء في منطقة "الشيخ زايد"، ثم تلقت المنطقة موجة جديدة من ارتفاع الأسعار مع وصول السوريين إلي مصر عقب تفجر الأزمة السورية سنة 2011، ومع إقبالهم علي شراء العقارات في "الشيخ زايد" وأحياء أكتوبر المختلفة ما أدي إلي زيادة جديدة في الأسعار. وذهب مخيمر إلي أن ارتفاع أسعار الشقق في منطقة "حدائق الأهرام" جاء بسبب إقبال أبناء الطبقة الوسطي خاصة من المهندسين والأطباء والصحفيين علي الشراء في هذه المنطقة، بالتوازي مع حملات محافظة الجيزة لإزالة الأدوار المخالفة، ما أدي إلي تحميل أصحاب العقارات لقيمة الأدوار المزالة علي بقية الوحدات السكنية، أي أن المواطن هو من يدفع ثمن مخالفة المقاول. وهو ما أكده محمد حسن، أحد العاملين في مجال التسويق العقاري، قائلا ل"آخر ساعة" إن موجة ارتفاع الأسعار ضربت الأحياء الجديدة في مدينة القاهرة، حيث وصل السعر في منطقة مثل القاهرة الجديدة إلي نحو 7 آلاف جنيه، أي أن الوحدة السكنية بمساحة 100 متر مربع تبلغ 700 ألف جنيه، علما بأن أقل وحدة سكنية في القاهرة الجديدة لا تقل مساحتها عن 150 مترا مربعا. وتوقع حسن زيادة قياسية في أسعار العقارات هذا العام نتيجة أن السوق لم يشهد أي طفرات في الأسعار نتيحة للأزمات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، لكن مع بوادر الاستقرار وزيادة معدل الاستثمارات في مجال العقارات وارتفاع الإقبال علي شراء الوحدات السكنية دفع هذا كله أصحاب العقارات إلي زيادة الأسعار لتعويض خسارتهم في سنوات التوقف والانكماش التي أعقبت ثورة 25 يناير، ملقيا بجزء من المسؤولية علي هيئة المجتمعات العمرانية التي طرحت أراضي الخدمات بأسعار مرتفعة للغاية، ما أدي إلي تحميل صاحب العقار لفرق الأسعار علي سعر الوحدة السكنية وهو أحد الأسباب المهمة في ارتفاع الأسعار مؤخرًا. بدوره قال المهندس طارق شكري، وكيل مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن توقعات الشعبة لزيادة الأسعار في سوق العقارات بلغت 20%، وهو ما حدث بالفعل بسبب ارتفاع أسعار خدمات البناء والإقبال الكبير علي شراء العقارات من قبل العملاء، وأشار إلي احتمالية تجاوز الارتفاع في أسعار العقارات لأكثر من تلك النسبة بسبب زيادة معدلات الاستقرار السياسي، إلا أنه توقع أن تعمل المشروعات السكانية التي تعرضها الحكومة في عدم ارتفاع أسعار بشكل قياسي، مطالبا بتوفير الإمكانات للشركات العاملة في مجال العقارات من أجل ضمان سرعة الإنجاز والدفع بوحدات سكنية تستطيع ان تلبي جزءًا من احتياجات السوق. في السياق، قال أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية، ل"آخر ساعة"، إن الارتفاع في أسعار مواد البناء أحد أسباب ارتفاع أسعار العقارات في الفترة الأخيرة، إلا أنه شدد علي ضرورة تكثيف الرقابة الحكومية لمتابعة زيادة الأسعار وفقا لقواعد ثابتة بعيدا عن تلاعب المقاولين والسماسرة، وأشار إلي أن ارتفاع أسعار الأراضي المطروحة بالمزايدات في الآونة الأخيرة أدي إلي ارتفاع تكلفة تنفيذ المشروعات وأسعار الوحدات السكنية، كاشفا عن أن زيادة أسعار مواد البناء بنسبة 30% في الأشهر الستة الأخيرة سيؤدي إلي ارتفاع قياسي في أسعار الوحدات السكنية". وألقي الزيني بالمسئولية علي انعدام الرقابة علي أسعار مواد البناء، مؤكداً أن أسعار الأخيرة في السوق المحلية أعلي من نظيرتها في السوق العالمية بنسبة 30%، ما يعني أن المستهلك يحصل علي السلعة بزيادة مضاعفة، مطالبا بتدخل الدولة لإحكام قبضتها علي الزيادة غير المنطقية في الأسعار، مشددا علي أن تفعيل الأجهزة الرقابية خطوة علي الطريق الصحيح للتحكم في الأسعار لصالح المستهلك. من جانبها، طالبت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، بضرورة وضع ضوابط حكومية للسيطرة علي سوق العقارات، مع الكشف عن التكلفة الفعلية لكل وحدة سكنية، لمنع المقاولين وأصحاب العقارات من التلاعب في الأسعار، قائلة ل"آخر ساعة": "الحكومة تمتلك الأرض لذلك عليها أن تضع المعايير الواضحة لمن يريد إقامة مشروعات سكانية، والاتفاق علي أسعار التكلفة لكي يتم الإعلان عنها بكل وضوح وشفافية". واعتبرت الحماقي الارتفاع في زيادة أسعار الوحدات السكنية طبيعيا نظرا إلي كثرة الطلب من جانب المواطنين علي اقتناء الوحدات السكنية نتيجة تخوفهم من انهيار أسعار الدولار، وانخفاض نسبة الفائدة في البنوك، فتحولت عملية شراء العقارات إلي استثمار طويل الأجل، فضلا عن ضعف الرقابة الحكومية لضبط الأسعار، محذرة من أن ارتفاع أسعار الدولار سيؤدي إلي ارتفاع أسعار المواد الخام الداخلة في عمليات البناء ما سيؤدي إلي موجة جديدة من ارتفاع أسعار العقارات.