والأفكار التي تحلق بحرية في السماء ولا يعرفون اصطيادها.. فإنهم يحاولون سرقتها أو إرسال أفكار مضادة تحمل جرعات من «الشر» و«الكذب» لينخدع بها الكثير. وآلام البشر منذ الأزل لم يعرف لها أحد طريقا للخلاص.. وفي رؤية عصرية لواقع شديد القسوة لكل ما يحدث ويدور حولنا نجح الفنان الشاب القدير اللبناني «شادي حداد» في تقديم فيلم قصير لا يتجاوز من الزمن ثلاث عشرة دقيقة.. عبر فيها عن آلام السيد المسيح وجسد شخصيته وعذابه لما يحدث اليوم في كل بقاع الأرض وخاصة عالمنا العربي.. يبدأ الفيلم بصور لطفل صغير يائس يعيش بيننا لا يلتفت إليه أحد.. ثم شحاذ عجوز.. وآخرين بؤساء في الأرض. وتتوالي الصور لكل حالات التعذيب التي تحدث للاجئين الفلسطينيين.. والمجازر التي حدثت لهم.. من سجون وتعذيب مع مشهد يذكرنا بما حدث «لمحمد الدرة» وبعيون «كاميرا» واعية ترصد بواقعية وقسوة وجمال حالات الاغتصاب الجسدي.. والمادي للأشخاص والدول.. والفقر والفقراء الذي يبحثون عن لقمة العيش.. والدمار والحرب في أرجاء كثيرة من العالم.. والاختطاف والإرهاب.. والكوارث الطبيعية الناتجة من انعدام الضمير الإنساني في الكثير من المواقف. كل هذه الأشياء يرقبها (السيد المسيح).. وهو يجول في عالمنا اليوم.. يتألم بشدة وهو الذي كان يدعو للتسامح والرحمة.. الأمة تعيد الذكري لصلبه.. ومعاناة «الصلب» لاتكاد تذكر بالمعاناة التي يشعر بها تجاه البشر. إن في أداء «شادي حداد» لدور السيد المسيح.. هو شيء يحسب له.. وسوف ترتفع الأصوات لمنع عرضه لينضم إلي قائمة أفلام طويلة عن السيد المسيح.. لكن هذا الفيلم يختلف كثيرا.. فقد أضفي من المشاكل العصرية ما يجعلنا نحن نتألم مما يصير بهذا العالم. إن كل شيء في هذا الفيلم القصير الذي أخذ من عمر (شادي) أكثر من عامين في التحضير ليخرج بهذه الصورة الشعرية الراقية.. وقام بإخراجه «الأب شارل موايا» وهو صاحب كتاب «المسيح» الذي تعرض للكثير من تفاصيل حياته وخاصة أسبوع الآلام.. وبإشراف الأب بشارة بطرس. ولقد كان لمكياج «نبيل سلامة» الذي جاء من اليونان خصيصا.. بالإضافة لمصمم الشعر (كوافير) ميشال زيتون ما أضفي الكثير من الصدق علي شكل «شادي» والذي يقول إن هذا الدور يعد من أصعب الأدوار التي قام ببطولتها.. وإنه أثناء التصوير كان صائما.. وكان الأب «شارل» خائفا عليه من الإجهاد.. لكنه طمأنه.. ولهذا كان الإعياء والألم يبدوان علي وجهه.. وقد تم التصوير في منطقة «جبيل» بلبنان.. وبالمناسبة هي المنطقة الوحيدة تقريبا التي لم تعرف أي فتنة طائفية أو حروب أهلية في الحرب الأهلية اللبنانية. المستشار الفني هو الصديق العزيز انطوان خليفة.. وكما يقول «شادي» إن هذا الفيلم لم يكن ليري النور إلا بتدخل رجل الأعمال «رشيد رزق» وقد كان من المفروض في البداية أن يكون فيلما روائيا طويلا.. لكن التكلفة الشديدة حالت دون إكمال هذا المشروع. إن فيلم «من أجلكم» يستحق التحية والتقدير لفنان جاد.. ملتزم.. وواع يرصد حالات الظلم في العالم.. التي تجعل «المسيح» يصلب كل يوم ويعيش الألم في كل ثانية.. حزين علي «البؤساء».. من أبناء هذه الأرض.. الذين زرعوا التعاسة وجعلوا غيرهم من إخوانهم في البشرية يحصدوننا. ومع الموسيقي التصويرية والأنغام والإنشاد ل «عبير نعمة» و«شارل خليفة» والصورة الرائعة التي شاهدناها.. تبقي كلمات الأبنودي.. بصوت عبدالحليم حافظ وألحان بليغ حمدي عن المسيح: يا كلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها.. وفتحي عيون البشر للي حصل علي أرضها.. علي أرضها طبع المسيح قدم.. علي أرضها نزف المسيح ألم.. في القدس في طريق الآلام وفي الخليل رنت تراتيل الكنايس.. وفي الخلا صبح الوجود إنجيل.. تفضل تضيع فيك الحقوق لأمتي لإمتي.. يا طريق الآلام.. وينطفي النور وتنطفي نجوم السلام.. ياطريق الآلام ولإمتي فيك يمشي جريح.. ولإمتي فيك يفضل يصيح.. مسيح وراه مسيح وراه مسيح.. علي أرضها.. تاج الشوق فوق جبينه وفوق كتفه صليب.. دلوقت ياقدس إبنك زي المسيح غريب.. تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب.. خانوه نفس اليهود.. ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود.. علي أرضها.