بعد خلاف دام سنوات عديدة بين إيرانوأمريكا، تصالحت الدولتان علي حساب العرب، لم يكن الاتفاق الأخير بين إيران والدول الخمس + 1 بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وأمريكا وألمانيا، حول مراقبة البرنامج النووي الإيراني مقابل فك الحصار الاقتصادي علي طهران، ولكنه في حقيقة الأمر كان بين أمريكاوإيران، الأولي تضمن انفراد إسرائيل بامتلاك القنبلة النووية والسلاح النووي بصفة عامة في مقابل أن تغض أمريكا البصر عن عربدة إيران في المنطقة وبخاصة في العراق واليمن، وقد تضمنت المباحثات السرية بين البلدين أن الولاياتالمتحدة لن تشارك ولن تبارك أي خطوات ضد الحوثيين. وقد تنبهت أمريكا إلي سلبيات تسريب هذا الاتفاق السري علي علاقاتها مع دول الخليج الخمسة السعودية والإمارات والكويت وعمان والبحرين باستثناء سادستهم قطر لأنها تابعة لسيدتها أمريكا وتتحرك بالريموت كنترول الذي تمتلكه واشنطن، وأسرع وزير الخارجية جون كيري بإجراء اجتماع مشترك عبر الفيديو كونفرانس ليطمئن نظراءه في دول الخليج بأنه لا ضرر علي أمن الخليج من إيران، ولا من الاتفاق. وإذا كان التخوف الخليجي العربي من التقارب الأمريكي - الإيراني مشروعا، فإن التمثيلية التي تقوم بها إسرائيل من رفضها الاتفاق أضحت مفضوحة ومكشوفة، ولايمكن أن يبلعها أي قارئ للأحداث، ولا حتي ما تروج له وسائل الإعلام المخابراتية الأمريكية التي تقول إن أوباما مهندس الاتفاق سيتعرض لهجوم شرس من الجمهوريين الذين يسيطرون علي الكونجرس بسبب هذا الاتفاق!
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا، فلنعد بالذاكرة إلي أحداث حرب الخليج الأولي بين العراقوإيران عندما كانت أمريكا تدعم الأولي علنا وتهاجم الثانية، ولولا تدخل مصر تخطيطيا لكانت إيران هي الفائزة في معركة الفاو، وبعد انتهاء الحرب لصالح العراق، تم الكشف عن فضيحة الأسلحة الأمريكية التي كانت واشنطن تمد إيران بها، وأطلق عليها في هذا الوقت فضيحة إيران كونترا وأصدر بوب وود وورد صاحب سبق فضيحة ووترجيت كتابا يكشف هذه الفضيحة تحت عنوان «الحجاب» (the veil). وبعد عدة سنوات اخترعت الولاياتالمتحدة قصة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وأخذت تؤهل العالم وتحرضه علي ضرب العراق، وبعد أن دمرت العراق عن آخره، ولم يبق فيه جيش ولا سلاح تبين أنه لايوجد أي أسلحة لا دمار شامل ولا حتي محدود، في حين أنها عندما تأكدت من توصل إيران إلي تخصيب اليورانيوم المشع الذي يستخدم في تصنيع القنبلة النووية، اكتفت بإبرام اتفاق معها، ولم تتعامل معها عسكريا وقال أوباما معللا ذلك في خطابه الأسبوعي يوم السبت الماضي: «إنني كرئيس وقائد أعلي للقوات المسلحة، أعتقد وبقوة أن الخيار الدبلوماسي، عبر اتفاق شامل وطويل الأمد كهذا يقصد الاتفاق مع إيران هو بشكل كبير الخيار الأفضل» وطبعا هذا عكس الخطاب الذي ألقاه بوش قبل ضرب العراق وتخريبها حينما قال إن الضربة العسكرية هي الخيار الأمثل.
ولايمكن لعاقل أن يظن للحظة أن السياسة الأمريكية تتغير تجاه الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وإلا كانت قد حلت القضية الفلسطينية، ولكنها سياسة واحدة، هي حماية «إسرائيل» بأي طريقة ولم يكن هناك مفر من أن تعقد الإدارة الأمريكية هذه الصفقة التي تضمن بها انفراد تل أبيب بالسلاح النووي. ولعل هذا التقارب الأمريكي الإيراني والاتفاق الذي مازلت أصفه بأنه ثنائي وليس «سباعيا» قد جعل من إيران قوة عظمي، وأرسي دعائم بشار الأسد من جديد، وسيغير خريطة المنطقة التي ستشهد مزيدا من العنف العشوائي الممثل في الإرهاب والعنف المنظم الممثل في الحرب في اليمن ومحاولة الاستيلاء علي باب المندب، وإحباط ثورة الشعب السوري، واستمرار الفوضي في العراق وليبيا. ووسط هذا المشهد المظلم، ظهر بصيص من نور في الحلف العربي المشترك الذي وصفته الأسبوع الماضي بأنه ليس قوة عربية مشتركة ولكن هو حلف سيكون شبيها بحلف الناتو، لحماية المنطقة، وحتي لايتم أكل الدول العربية دولة بعد أخري. أمريكا دعت دول الخليج إلي اجتماع في كامب ديفيد لإطلاعها علي بنود الاتفاق المعلنة طبعا - ولطمأنتها ولكن علي دول الخليج الخمس دون سادستهم أن تتنبه إلي المؤامرة التي تحاك ضدها وضد كل الدول العربية، ولاسبيل لمواجهة هذه المؤامرة إلا من خلال الدعم غير المحدود للحلف العربي الذي أقرته القمة العربية في شرم الشيخ، لأن إيران ستكون مخلب أمريكا القادم في المنطقة - ولا داعي لأي تحرك إسرائيلي، فما تفعله وستفعله إيران يكفي ويزيد. أظن وليس كل الظن إثماً أن العمليات الإرهابية ستزيد خلال الفترة القادمة، وسيزيد التمويل، وسيزيد تدفق الأسلحة سواء في سيناء أو في ليبيا أو في العراق، وستواجه عاصفة الحزم المزيد من المقاومة من الحوثيين. وسنري ونسمع أصواتا في مصر تدعو إلي المصالحة مع الإخوان المحتلين بحجة عدم الإقصاء، وعدم التهميش وبحجج «فارغة» كثيرة، ولابد من مواجهة ذلك بكل قوة وحزم وحسم، وأن يتذكر كل من يواجهون المأجورين المتشدقين بشعار المصالحة الذي في ظاهره الرحمة وباطنه الإرهاب، ماقاله والد شهيد سطوح الإسكندرية بعد إعدام قاتل ابنه، عندما طرح عليه سؤال «هل يمكن» أن تصالح الإخوان بعد أن تم القصاص لابنك؟ فرد: لا مصالحة مع الإرهابيين، وهذا هو صاحب «الدم» الذي يقرر أن تكون هناك مصالحة أم لا، وليس هؤلاء المأجورين المتفلسفين الجالسين علي المقاعد الوثيرة في المكاتب والاستديوهات المكيفة - وجيوبهم عمرانة بالدولارات التي تدفعها قطروإيران بمباركة أمريكية. آخر كلمة لا تأمن لمن لا يخاف الله ولا تأمن لمن عقّ والديه