رحل عن دنيانا الشاعر الكبير الدكتور كمال نشأت بعد أن أثري المكتبة العربية بالعديد من دواوين الشعر الذي ترجم معظمها إلي الإنجليزية والفرنسية والروسية واليوغسلافية وكانت قصيدته (نامت) هي القاسم المشترك في كل هذه الترجمات. وكمال نشأت شاعر من شعراء الخمسينات، وهو الجيل الذي ارتبط بحركة الشعر الحر، وكانت نشأته وتعليمه الجامعي في الإسكندرية، وانتقل إلي القاهرة ليعمل بالتدريس في التعليم الثانوي، ثم كلية الألسن، ثم أكاديمية الفنون ثم أستاذا للنقد الأدبي بكلية الآداب بالجامعة المستنصرية ببغداد. وقد عرفت الشاعر عن قرب فهو شقيق الزميلة الراحلة عواطف نشأت التي كانت تعمل صحفية بآخر ساعة ومن أشهر دواوينه (رياح وشموع) وأنشودة الطريق، ماذا يقول الربيع، كلمات مهاجرة. وقد استطاع الشاعر أن يعبر عن هموم وطنه، وهموم الفلاح المصري في قصائد جميلة معبرة، وربما تكون أجمل قصائده هي تلك التي كتبها في العراق عندما كان يشده الحنين إلي الوطن، ويتذكر أيام طفولته وشبابه في مصر ويتجلي ذلك في قصيدته (القاهرة) يقول فيها: كم ارتجف الدمع حين يقول المذيع هنا القاهرة فتومض في القلب شمس وتهمي علي دفئها الذاكرة وتهدل ألف حمامة واذكر.. مسافر لترجع لي بالسلامة وآه من البعد عنك وعن أمسياتك.. وعن ذكرياتك. عن نفحة الود في كل عين وقلب وعن مشية في الأصيل علي النيل.. ياساحرة ومازالت أذكر زيارته لي عندما كان يحضر إلي القاهرة، ومازلت أذكره يوم أخذ يقرأ لي إحدي قصائده عن (ذكريات القرية).. إنه يتحدث فيها عن هموم الفلاح ا لمصري الذي كانت تلهب ظهره سياط الظلم والقهر، حتي حررته الثورة من الذل والهوان.. وكأني أسمع صوته عبر ضباب السنين: أنا لست أنسي تربتي السمراء والعصف الخصيبة عن موسم القطن، وركدة السوق العصيبة.. كان كمال نشأت شاعرا مرهف الحس والوجدان،. وقد رحل بجسده، ولا يبقي بعد الرحيل سوي رجع بكاء.