بعد صراع مع المرض، رحل في صمت الشاعر الدكتور كمال نشأت (1923-2010)، أحد أبرز رموز التجديد في الشعر العربي الحديث، الذي بدأ في الخمسينيات من القرن الماضي، ضمن كوكبة من الرواد ضمت كلا من: صلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، وعبد المنعم عواد يوسف، وفوزي العنتيل، ومحمد الفيتوري، ونازك الملائكة. تعتبر قصيدته الشهيرة «نات نهاد» علامة بارزة في تاريخ التجديد الشعري، ونشر ديوانه الأول «رياح وشموع» 1951، وهو أول من قدم فن «الإبيجراما» (القصيدة القصيرة التي تتميز بتركيز العبارة وإيجازها، وكثافة المعني فيها، فضلا عن اشتمالها علي مفارقة، وتكون مدحا أو هجاء أو حكمة) في ديوان »كلمات مهاجرة« 1969، وقد حصل علي درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس عام 1956، وكان موضوعها «أبو شادي: حياته وشعره»، ثم عمل بأكاديمية الفنون والجامعة المستنصرية بالعراق، وجامعة الكويت. يقول الشاعر فاروق شوشة: إن ميزة الإبيجراما في شعر كمال نشأت أنها تقول الكثير في أقل قدر من الكلمات، وتتسع علي الرغم من ضيق المساحة لدلالات واستنتاجات وقراءات عديدة، وتهزنا في خواتيمها بالنهايات المحكمة، التي تردنا إلي بداياتها وسياقاتها، لتكتشف المغزي، ونظفر بالخلاصة التي هي لون من الحكمة الساحرة أو التعليق الحاد أو الرأي القاطع أو الفكرة الصادمة. أما الشاعر حسن فتح الباب فقال: لقد حفلت دواوين كمال نشأت بلهيب إحساس بالاغتراب، حين فارق بلاده للخليج للعمل أستاذا جامعيا، وكان كلما طالت رحلته زاد شجنه، وتضاعفت همومه، وكان لهذا التوتر النفسي أثره الكبير في صياغة تجربة الاغتراب.. ويقول الناقد صبحي شكري إن كمال نشأت ينتمي إلي المدرسة الرومانسية الواقعية، التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية، وهو من رواد التجديد الذين كتبوا أولا القصيدة العمودية وخرجوا عليها بكتابة قصيدة الشعر الحر، التي جابهت حربا عاتية، وكان هذا الشكل الشعري الجديد مرتبطا ببحور الشعر العربي، وكانت حركة الخروج علي القصيدة العمودية أشبه بحركة التجديد بالأندلس، التي تختلف عن الجزيرة العربية. وقد أصدر الراحل سبعة دواوين هي: «كلمات مهاجرة»، و«ماذا يقول الربيع»، و«أنشودة الطريق»، و«رياح وشموع»، و«أحلي أوقات العمر»، و«جراح تنبت الشجر»، و«النجوم متعبة»، و«الضحي في انتظار». ومن كتبه النقدية: «النقد الأدبي الحديث في مصر»، و«أبو شادي وحركة التجديد في الشعر العربي»، و«في النقد الأدبي»، و«في النقد القصصي»، و«شعر المهجر» وغيرها.