إليودى ربيو رئيس المهرجان يحرص على تحية الجماهير فى الميدان الرئيسى للمدينة كلمات راقية معبرة مشجية لأمير الشعراء أحمد شوقي لخص فيها حالة من حالات الحب والهجر.. تنطبق علي محبوب أو صديق، وعلي كل من تربطنا به علاقة كانت يوما جميلة.. فتسيطر عليها ولم يعرف قيمتها مفضلا مكاسب مادية صغيرة متسترا تحت بند مبادئ.. في حين ماهي إلا مصالح شخصية.. تضيع مع الأيام.. ولايبقي إلا الندم علي فقدان من أحبونا بصدق وأخلصوا لنا.. وهكذا فضلنا أن نجعلهم في مصاف الأموات المفقودين بينما هم «أحياء» قبورهم في القلب. هذه الحقيقة القاسية علي النفس أن تفقد صديقا تحبه.. وتحن إليه وإلي ذكريات وحكايات قديمة مشتركة لأنه باعك ببساطة منخدعا بمن فرشوا له طريقا مليئا بالورود ما أكثر أشواكها وللأسف أيضا زهورها صناعية. وإذا كانت السينما نجحت في تقديم أجمل قصص الحب.. فإنها عكست الهجر والخيانة باعتبارهما أيضا صورة من صور الحب الأناني.. وإحدي تراجم المشاعر الإنسانية والعاطفية. ولقد كان من حسن حظي أن رافقني في السيارة التي أقلتني من مطار شارل ديجول بباريس إلي مدينة مونز البلجيكية التي تبعد عن الحدود خمسة عشر كيلومترا.. المخرج الإيراني الأصل الذي يحمل الجنسية البريطانية «ج.ج. علاني» مخرج فيلم «الجانب الآخر من الجنة»، الذي شارك به في المسابقة الرسمية.. وقبل الحديث عن الفيلم لابد أن أعترف أن الرجل يتمتع بحس فكاهي عال.. وهو قارئ ومثقف لكنه كالعديد ممن غادروا أوطانهم لم يعد لديهم جذور حقيقية وباتوا بعيدين عن دينهم وعاداتهم حتي إنها تحولت بالنسبة إليهم «كفلكلور».. كان طبيعيا أن يدور حوارنا حول «الإسلام» والجماعات المتطرفة.. ووضع المرأة والأقليات في الدين.. وهالني حجم عدم المعرفة الحقيقية بحقوق المرأة في الإسلام وأن يقف الرجل عند نقطة تعدد الزوجات.. والميراث دون أن يبحث ولو قليلا في أسبابها. إن من أسوأ الأشياء التي تحدث للنفس علي الإطلاق.. عندما يضع المغترب العربي المسلم عينه علي الغرب.. ويحاول أن يقدم نفسه بصورة مغايرة لدينه و«عروبته» أو «إسلامه» أقول عندما يقدم صورة غير صحيحة لكي يرضي الغرب فقط. حواري مع «علاني» هو صورة بالكربون لحوارات أخري لمغتربين يبحثون عن الشهرة في عالم الغرب.. فحاولوا طمس هويتهم الحقيقية أو انتقادها لكي ينالوا نظرة إعجاب «مصطنعة».. تحت بند «الحرية»، وفي مهرجان «مونز» منذ ثلاث سنوات شاهدت «لعلاني» فيلما جميلا رغم الكثير من التحفظات عليه وهو «دافيد» و«ليلي» عن شاب يهودي وفتاة مسلمة أحبا بعضهما ووقفت الأسرتان في طريق زواجهما.. إلا إنه أشهر إسلامه وتخطيا كل الحواجز وتزوجا.. والقصة مأخوذة عن واقعة حقيقية يعيش أصحابها في سعادة في «نيويورك». ويبدو أن هذا النجاح جعل «علاني» يستثمره في فيلمه الثاني «الجانب الآخر من الجنة».. حيث اختار اسم «شهر زاد» لبطلته القادمة من «إيران» لتتزوج من أحد أقاربها الذين يعيشون في لوس أنجلوس ويعمل ممثلا مسرحيا يقدم «الاسكتشات» والفقرات الكوميدية.. هذا الزواج المنظم أنقذها من وضع مؤلم في بلادها.. لكنه لم ينقذها من نفسها.. فالفتاة القادمة من مجتمع شديد التزمت تستمتع بحريتها مع زوج من المفترض إنه لطيف المعشر.. وهي تعيش مع حماتها وشقيق زوجها الصغير.. الجميع يحاول إرضاءها.. ولكي تخفف من وحشتها وغربتها تطلب من زوجها أن تتلقي دروسا في البيانو لدي معلمة تقطن في الفيللا المجاورة لها.. لكنها سرعان ما تقع في غرام البستاني الشاب.. تحت بند إنه الحب الحقيقي الذي تبحث عنه. إن شهر زاد «الأسطورة الجميلة» مع شهريار علي العكس تماما من هذه القصة الساذجة.. لأن ذكاء شهر زاد نجح في أن تجعل مليكها يتخلي عن عادة قتل النساء بعد ما خدعته زوجته.. كما إنها أعادته إلي حكم البلاد وأن يوليها اهتمامه. بينما شهر زاد «علاني» حطمت حياتها وحياة كل من اقتربوا منها بحثا عن «متع رخيصة».. حتي لو كان تحت اسم «الحب». الفيلم أظهر براعة المخرج خاصة أنه استعان بمجموعة من الوجوه الجديدة من المكسيك لكنه يبقي مجرد حدوتة بلا أي عمق.. أو منطق.. وإن كان رده أن الحب لايعرف المنطق. ومن منطلق أن الحب لا يعرف «المنطق».. ولا يخضع لأي «قواعد».. «فالهجر» كذلك أحيانا تكون له أسبابه.. وأحيانا أخري يأتي مثل الريح مقتلعا أقوي العلاقات وأمتنها.. ليذهب كل شيء في مهب الريح.. وفي فيلم «كابريس» للمخرج «إيمانويل موريه الفرنسي».. الذي يعتبر سابع فيلم له.. ومعظمها إن لم يكن جميعها يدور حول قصص الحب والعلاقات المتشعبة. «كابريس» هو اسم بطلة الفيلم.. وهو أيضا يعني «عند».. ولأن للأسماء من حظ صاحبها فبطلة الفيلم «عنيدة» للغاية. «كليمان» مدرس بسيط لكنه عاشق للمسرح.. وخاصة للممثلة المسرحية «اليسيا» التي يحرص علي مشاهدة كل أعمالها.. وتشاركه عشق المسرح فتاة شابة يلتقي بها صدفة.. لكن ما أكثر ما تلعب «الصدفة» الكثير في حياتنا.. وتشقلبها رأسا علي عقب.. ففي أحد الأيام يفاجأ بالممثلة الشهيرة في المدرسة لكي تبحث عن مدرس يساعد ابن شقيقها الصغير الذي يقيم لديها ويحتاج لتقوية في الفرنسية.. المدير يختاره ليجد نفسه أمام حلم حياته.. وبمرور الأيام تشعر بمحبة تجاهه.. لكن «كابريس» الفتاة العنيدة لا تتركه في حاله.. وتجبره علي إقامة علاقة معها.. تضطرب حياته كلها وتكاد تدمر.. إلا أن أحيانا كثيرة القدرة علي التسامح تعدل من مسار القارب في النهر لتصبح الحياة أكثر بساطة وسهولة.. إن مجتمع «الحريات» التي يقولون إننا لا نعترف بها كثيرا ما يكون صعبا علينا تقبل حكايات الهجر والخيانة بين الأحباء والأصدقاء بصورة بعيدة تماما عن عاداتنا.. وهي العادات السوية.. الفيلم قام ببطولته «أنياس ديموتيه».. و«فيرجين فيرا».. و«لوران ستوكي».. و«إيمانويل موريه» الذي شارك أيضا في كتابة السيناريو.
أحيانا تطحننا الأقدار.. ولا نملك من ضعفنا البشري منها شيئا سوي الرضوخ أو الاستسلام.. لكن هناك أناس مهما بدا ضعفهم إلا أنهم يملكون قوة خافية داخل أنفسهم تجعلهم قادرين بفعل الإرادة والتحدي علي أن يقاوموا ويبتعدوا عن الرقم «صفر» الذي لا يساوي شيئا إلي دائرة الضوء لتكون لهم ولحياتهم قيمة ومعني. وفي الفيلم الفرنسي «دانبي.. الرأس المرفوع» للمخرج «يوريم أنارجيروس» عن سيناريو وضعه مع «بييرلينهارت» قدم من خلاله فيلما شديد الجمال.. وهو عن «آية» الطفلة السوداء ذات الثمانية أعوام التي تشاهد احتراق «أبيها» وشقيقتها الوحيدة الصغيرة أثناء احتراق شقتهما السكنية بأحد الأحياء في باريس تنجو «آية» الصغيرة ووالدتها، إلا أن الأخيرة لا تكف أبدا عن ضربها وإيذائها بقسوة.. لكن «آية» بدلا من أن تنغمس في طرق الانحراف.. فإنها تنفس عن نفسها وغضبها بلعبة «البوكس» «الملاكمة» رياضة عنيفة بالنسبة للفتيات إلا أنها تنجح بمساعدة مدربها وتصبح إحدي بطلات هذه اللعبة.. لتجد نفسها وقد أصبحت في دائرة الضوء والشهرة.. يتمني الجميع الاقتراب منها.. وهذه هي الإرادة الحقيقية التي ترفع الإنسان من الحضيض إلي التربع فوق القمة.