سلبوا الأرض.. هتكوا العرض.. واعتقدوا أن أسلحتهم.. وذخيرتهم تحول بين »قبلته«.. و»صلاته«.. ونسوا أنه إنسان مقاتل عنيد اعتاد الحياة تحت الرصاص.. فلم يعد يرهبه.. بل زاده قوة وإصرارا علي الحياة.. الفلسطيني الذي أمسك بالحجر وتراب الأرض فرواها بدمائه الذكية الطاهرة.. واليوم يسعون جاهدين لمنع صلاته وهدم الأقصي وسط سكون عربي.. وعالمي مخز يجلب العار علي كل الصامتين من أولي أمر الشعوب، وإن كان العوض أن هذه الشعوب رغم أنه لا حيلة بالتأكيد لها إلا أنه لا قوة لا توافق علي هذا الصمت ليأخذ الرفض أشكالا متعددة. إن »الرصاص« والتدمير والإزالة لم يمنعوا الفلسطينيين أن يعيشوا حياتهم فوسط اللحظات المرة هناك لحظات سعيدة وجميلة وحلوة بطعم الرمان ومزازته.. وهو ما يتعرض له الفيلم الفلسطيني »المر والرمان« لمخرجته الشابة الواعدة »نجوي نجار« في أولي أفلامها الروائية الطويلة والذي يشارك في بطولته »هيام عباس«.. »ياسمين المصري« »علي سليمان« »أشرف فرح« عن فكرة وسيناريو »لنجوي« أيضا.. أما الموسيقي فهي لمايكل دانا.. »أوتيانير تاندر باكستر«. وأحداثه تدور في »رام الله« قمر فتاة جميلة شابة ترتبط بمن تحب في حفل زفاف جميل وإن كان ما يوجع القلب فيه مرور السيارات علي نقاط التفتيش وهو ما يحدث كل يوم في هذه الأرض التي اغتصب »طينها« لكن لم تغتصب أرواح أبنائها بقدرتهم علي الصمود.. وبينما هذه الأسرة الطيبة المسيحية تحتفل بجني ثمار الزيتون مع جيرانها المسلمين.. وهي صورة جميلة للحياة في الأراضي المحتلة بينما نحن نفتقد إليها أحيانا في المحروسة.. التي انطلقت فيها الخلافات الطائفية التي لم نكن نسمع عنها شيئا علي الإطلاق. يأتي الجنود ليحاصروا الأرض ويقتلعوا الزرع بحجة أن هذه الأرض للمصادرة ولما يرفض الزوج الشاب يختطفونه من وسط داره ليضعوه في السجن وتصبح »قمر« زوجة سجين وهي في أيام عرسها الأولي.. وبمرور الوقت وتعيين محامية له تقرر معاودة دروس الرقص لتلتقي »بقيس« المدرب الجديد.. وتنشأ بينهما علاقة إنسانية أحب أن أطلق علها لحظات ضعف.. تجعل هناك تقاربا تجعل المتشددين ينظرون إليه أقرب للخيانة الزوجية.. وفي نفس الوقت يرفض الزوج في محبسه أن يتخلي عن الأرض ويوقع عقد التنازل عليها.. مسيرة الفن وتدريبات الرقص تجعل الأسرة مستاءة من قمر لأنها تأتي متأخرة.. خاصة أنه يبدو أن زوجة السجين ممنوع الاقتراب منها حتي أنها تبدو أقرب للصورة المقدسة علي أحد ألا يقترب منها وها هي »نجوي« تأتي لتصورها إنسانة عادية بكل ضعفها وقوتها.. وعندما يفرج عن الزوج.. تقرر أن تتخلي عن الرقص.. ربما لكي تبتعد عن »قيس« أو عن المشاعر المضطربة.. إلا أنه في النهاية تنتصر لحبها للرقص وزوجها الذي يحضر الحفل لتشجيعها.. وكأنه يعلن علي الملأ كله إيمانه بها وبما تحبه.. وإننا عندما نحب نتقبل الشخص الذي نحبه بكل قوته.. وضعفه. أجمل ما في فيلم »نجوي« أنه يأخذنا داخل الأرض المحتلة لنعيش واقع هذا الشعب الذي رغم كل المعاناة التي يعاني منها والضغوط التي تمارس عليه إلا أن تيار الحياة والرغبة فيها أقوي من كل شيء.. وهذا الصمود المعنوي الكبير هو الذي سيؤدي بهم في النهاية لاسترداد كل شيء. الجميل أن فيلم نجوي سوف يعرض في القاهرة تجاريا وبذلك تكون أيضا خرقت المتعارف عليه بأن لا سوق للفيلم العربي.. ولذلك أتمني لها التوفيق وأن يستمتع جمهورنا بهذا الفيلم الواعي الجيد.
المشاركة العربية في مهرجان الحب كانت لفلسطين والمغرب وتونس وهي مشاركة ضعيفة بالمقارنة بالسنوات الماضية.. وإن كان هذا لم يمنع أن تقام الليلة العربية والسهرة المغربية والتي باتت من معالم المهرجان في كل دوراته التالية، والمعروف أن هناك جالية مغربية كبيرة في بروكسل وبالتحديد في مدينة »مونز« المختارة عاصمة للثقافة الأوربية سنة 2015. لذا كان هناك أعداد كبيرة حرصت علي مشاهدة الفيلم المغربي »وينك ها لأيام« أو »أين هذه الأيام« للمخرج »دريس شويخ« وبطولة كل من »عبداللطيف شويخ« ياسمينا بيناني.. كاريما شمس« ومحمد عياد. أما الموسيقي فهي »لسيس المغربي« والخلفية كلها علي أغاني »الشيخ إمام« الذي أعاد إلينا ذكريات نهاية الستينات وبدايات السبعينات الخ.. وهي نفس الفترة الزمنية التي يتذكرها أبطال الفيلم.. ثلاثة أزواج وزوجاتهم كانوا زملاء في الجامعة من قبل.. انقطعت بهم سبل اللقاء بعد التخرج والزواج.. وفي أحد الأيام يتلقون دعوة للقاء في فيللا أحدهم وزوجته، يحضرون جميعا إلا صديقة لنكتشف أنها صاحبة الدعوة لكنها لم تحضر.. بعدما فقدت البصر وأصبحت ضريرة، وتقوم بوضع كتاب عن تلك الفترة التي كانت من أجمل فترات حياتهم أيام الجامعة.. ومن خلال صوت »الشيخ إمام« وكل عناصر الرفض والثورة للطلاب ومظاهراتهم تعود بنا الأيام، لكل الأحلام التي من أجلها نحيا كلنا لكن البعض منا فقط هو المستعد للموت من أجلها.
حرية.. ومساواة صرخة انطلقت من جنوب أفريقيا بعد سنوات طويلة من الاحتلال دون حقوق للسود أهالي البلاد.. حتي نالت استقلالها وعادت من جديد الحقوق لأصحابها وليظل »مانديلا« رمزا لكل ما هو حامل للقيم ورمزا ومعني لكل ما هو كرامة.. وحرية. في فيلم »لا شيء سوي الحقيقة« للمخرج »جون كاني« وهو أيضا ممثل سينمائي ومسرحي.. ويقدم في فيلمه الذي يقوم ببطولته مع »روزي موتيني« وواروناسيني.. »سيفو« مواطن ظل طيلة حياته يعاني من الاضطهاد العنصري فبسبب اللون لم يترق أبدا ليصبح مدير المكتبة الوطنية مع أنه هو الذي ساعد وساهم في تأسيسها. واليوم وبعد الاستقلال أصبح أمله كبيرا بعد رحيل المديرة البيضاء.. كان شبه متأكد أنه سيتولي هذا المنصب. لكن للأسف الشديد لم يحصل عليه ليقرر أن يبدأ بتقديم مشروع لمكتبة وطنية خاصة بالتراث الأفريقي.. تكفيرا ربما عن كلمات أطلقها وهو غاضب بأنه سيقوم بإحراق الكتب الأفريقية كلها.. »الهم« الوظيفي كان يرافقه هم شخصي آخر.. عندما يصله خطاب من ابنة أخيه المهاجر منذ زمن إلي أمريكا، بأنها ستعود بجثمان والدها لتدفنه في موطن رأسه.. ليقوم هو بكل الاستعدادات.. لكنه يفاجأ وهو يستقبلها هو وابنته أنها تحمل »جرة« بها رماد والدها الذي تم حرق جثمانه.. ليثور ثورة شديدة عليها.. فقد تم شراء تابوت غالي الثمن.. ومراسم الدفن وطقوسها الأفريقية، حلقة مفرغة تماما عليه أن يرسمها وبالتالي يدعو الشيوخ من أعمامه.. ويتصل بالكاهن ليحصل علي تأييدهم أنه بما أن الإنسان من طين فإنه يعود إليه »ترابا«. لعل أجمل ما في هذا الفيلم أنه من خلال حكاية درامية يقودك لرؤية عادات وتقاليد لم تندثر حتي اليوم.. ومازالت تمارس إلي اليوم في المدن الصغيرة.. وبعض المدن الكبيرة أيضا. ورغم أن »سيفو« كان باردا في لقاء ابنة أخيه في البداية.. وكشف لها عن أنانية أبيها في أشياء كثيرة.. إلا أنه انتهي به الأمر باحتضانها وتقبلها فهي في النهاية مثل ابنته.
»إيرين الأخري« للمخرج الروماني »أندريه جروزنسكي« والذي شارك أيضا في كتابة السيناريو الخاص به.. وهو يعد أول فيلم روائي طويل له.. وقد أخذ فكرته من حادثة واقعية نشرت بإحدي الجرائد وهي عن زوج وزوجة يعيشان حياة بسيطة، لكن الزوجة تقرر أن تجرب حظها وتسافر للقاهرة لتعمل كموديل ومندوبة مبيعات.. لكنه في النهاية يتم قتلها في ظروف غامضة.. وعندما يخبرون زوجها بذلك يرفض تصديق ذلك لأنها كانت قد اتصلت به لتخبره بعودتها.. الزوج يكاد يجن.. دون أن يدري أنه قبل سفرها ذهبت إلي محام لتطلب الطلاق.. وأنه كان مخدوعا طوال هذا الوقت.. والغريب أن هناك أناسا كثيرين يظلون مخدوعين بآخرين يعيشون معهم دون أن يدركوا أو يتداركوا أمورهم.