و(كانت.. الفرحة الكبري) عندما نودي علي اسم (يسري نصر الله) المخرج المصري القدير ليتسلم من رئيس وزراء بلجيكا (إيليودي ريبيو).. وهو أيضا رئيس ومؤسس مهرجان (مونز) لأفلام الحب.. جائزة خاصة باسم المدينة التي اختيرت العاصمة الثقافية لأوروبا عام 2015.. وذلك تقديرا لمشوار (يسري) الفني وعطائه الصادق.. ومواقفه المشرفة تجاه قضايا بلاده.. ومناصرته ودفاعه عن (الحرية).. وحرية التعبير.. والرأي.. والفن. إن تقدير رئيس وزراء بلجيكا.. واحتفاءه بيسري وحرصه علي تقديم الجائزة بنفسه.. هو تقدير من حكومة ودولة تقدر الفن والفنانين.. وتؤمن بقيمة الفنان وأثره علي المجتمع. وبقدر السعادة والفرحة.. والفخر الشديد كان هناك الإحساس بالألم الداخلي.. وشعور بالخزي والعار من حكومتنا التي لاتقدر الفن.. ولاتعطي الفنانين حق قدرهم.. بل تحاول بكل الطرق وأد الإبداع. الجدير بالذكر أن (يسري نصر الله) شارك بفيلمه (بعد الموقعة) في المسابقة الرسمية للمهرجان من بين أحد عشر فيلما من خمس عشرة دولة. وقد فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبري الفيلم الكرواتي السلوفاني الألماني الصربي (حليمة) للمخرج الصربي أرسون أنتون أوستوجيك عن سيناريو لفيديجيا إيزوفيك وبطولة آلما بريكا التي حصلت علي جائزة أفضل ممثلة عن دورها في هذا الفيلم.. كما حصل الفيلم أيضا علي جائزة لجنة تحكيم (المرأة) التي تمنحها إحدي المؤسسات المهتمة بقضايا المرأة والطفل.. والفيلم كان قد تم عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير.. ولاقي ترحيبا شديدا وأثار جدلا واسعا في مسابقة حقوق الإنسان. الفيلم يتناول بصورة إنسانية سينمائية جميلة كيف يحول الدين دون زواج المسلمة من مسيحي.. وبذلك تعيش بطلة الفيلم قصة حب مستحيلة في بلدين لايفرق بينهما الدين فقط لكن الحرب.. والكراهية.. وبات (الثأر) هو اللغة الوحيدة السائدة والمرادف لها (القتل). الفيلم مأخوذ عن رواية حقيقية وقعت أحداثها بعد الحرب.. عندما فقدت أم ابنها لكنها لم تستطع استلام رفاته لأن تحاليل ال (D.N.A) لم تكن متطابقة.. ليكون عليها الكشف عن سر قديم.. وهي أنها تسترت علي ابنة شقيقتها الحامل سفاحا.. وخبأتها حتي وضعت مولودها مدعية أنه ابنها وقامت بتربيته.. وبعد وفاته وجدت أنه عليها الذهاب لوالدته التي تقيم بعيدا كي تقنعها بالمجيء وإجراء التحاليل.. فهل تقدم الأم الحقيقية علي القيام بهذا الأمر.. أم تستمر في حياتها وكأنها لم تعلم شيئا. الفيلم يتناول علاقات كثيرة مثيرة للجدل.. لكنه يعالجها معالجة إنسانية.. لنكتشف مدي وعورة وصعوبة النفس الإنسانية وخباياها.. وإلي أي مدي هي معقدة.. لكن بالرضا والصفاء النفسي والروحي تستطيع أن تتغلب علي كل الأشياء. ويبقي الحب الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تجتاح العالم.. لم تنج منها المهرجانات وعلي الرغم من أن رئيس المهرجان هو رئيس الحكومة.. ومدير المهرجان أندريه سوتيريك هو ممثل عمدة مونز عن الثقافة والفنون إلا أن التوفير كان مطلوبا وبشدة والتوفير هنا ليس علي حساب جودة وقيمة الأفلام ونوعيتها.. بل في تخفيض عدد المدعوين وتخفيض ليالي الدعوة.. أما الرعاة والداعمون فإنهم علي موقفهم لم يتخلوا عن مهرجان يتحدث ويحمل قيمة الحب ويرفع من اسم مدينتهم خلال الثلاثين عاما الماضية.. في المبني الرئيسي الذي تعقد فيه الاجتماعات وتعمل فيه إدارات المهرجان.. وتقام فيه الاحتفالات المسائية التي تقدم ثقافة وفنون كل دولة أو بعض الدول مجتمعة أو إحدي القارات، أقيم معرض لأهم اللقطات السينمائية التي تمثل مشاهد الحب.. مشاهد راقية ليس بينها صورة ساخنة أو مسفة كما نقول بل كل صور جميلة معظمها بالأبيض والأسود عن أهم قصص الحب في تاريخ السينما.. ليظل الحب عالقا ليس في القلوب فقط بل محتلا مساحة كبيرة في العقل.. لأنه يعطيه مرونة في التفكير وهو المطلوب من كل إنسان عاقل. من عادة المهرجان أن تكون هناك فنانة كبيرة يطلق عليها (Lo marraine) أي الأم الروحية.. لتعلن افتتاح الدورة.. وكم كان جميلا أن يتم اختيار النجمة الإيطالية اللامعة (لورا مورنتي) التي شاركت في التمثيل فيما يزيد علي السبعين فيلما وفي دورة هذا العام تقدم أول فيلم من إخراجها وبطولتها.. عملت (لورا) مع المخرج الكبير (ناني مورتي) و(برناردو برتولوتشي).. و(لورا) التي بدأت حياتها الفنية في السينما عام 9791أمام الفرنسية الرائعة (أنوك إيميه) لتشاركها البطولة لتنطلق بعدها وتتعامل مع كبار المخرجين في إيطاليا وفرنسا.. ويمتد نشاطها الفني إلي المسرح حيث شاركت في بطولة العديد من المسرحيات الناجحة.. لتشارك في بعض المسلسلات التليفزيونية المميزة. وأخيرا تقدم فيلمها الروائي الأول (قطعة الكرز فوق الجاتوه).. الذي اختير ليكون فيلم الافتتاح وهو فيلم اجتماعي مليء بالمواقف الإنسانية بالإضافة إلي لمسة من الكوميديا التي تعكس روح هذه الفنانة المرحة المتواضعة وإن كانت صعبة المراس أيضا. (لورا) بسبب ظروف عملها جاءت إلي المهرجان لمدة ساعات قليلة لتغادره وهي تحمل ذكري جميلة للعرض الأول لفيلمها الذي قوبل بحفاوة شديدة للغاية.. وقد شارك (دانييال قسطنطين) (لورا مورتني) في كتابة السيناريو.. كما شارك في البطولة كل من (باسكال إلييه) (إيزابيل كاريه).. (سمير جسمي) أما الموسيقي الرائعة فكانت ل (نيكولا بيوفاني).. الفيلم يروي حكاية (أماندا) الناجحة في عملها وعلاقاتها الاجتماعية.. لكنها عاجزة عن التواصل مع زوجها أو أي رجل آخر دخل حياتها.. حيث يداهمها خوف شديد من الرجال.. ربما لأنها لم تعرف الحب الحقيقي بعد.. وفي إحدي الحفلات التي دعيت إليها يصل رجل وسيم وجذاب لكنه وحيد يجلس بجوارها تشعر في البداية بالتوتر لكنها سرعان ما تشعر بالراحة عندما تدرك أنه (مثلي) وبالمناسبة فإن في بلجيكا وفرنسا ومعظم الدول الأوروبية يصاغ قانون بالموافقة علي زواج (المثليين) بالطبع المدني والاعتراف به.. أما الذي يعد تحت المناقشة فهو حقهما في التبني وذلك من الناحية النفسية للطفل حيث يجد نفسه مع أب وأم من نفس النوع.. فهل يؤثر ذلك علي نفسيته أم أن في حبهما له مايكفيه ويشعره بالحماية. إنها مجتمعات الرفاهية الزائدة والحرية التي بلا حدود التي تصل إلي حد البلاء والشذوذ. (أماندا) تشعر بالراحة لصداقتها مع هذا الرجل حيث لاخوف بأن تكون بينهما يوما علاقة عاطفية.. لكنها دون أن تدري تكتشف أنها لاتستطيع الاستغناء عنه وأنها تشعر بحب حقيقي تجاهه.. وفي الوقت الذي تشعر فيه بالحزن والأسي والمرارة.. تكتشف أن كل ما فكرت فيه تجاه الرجل لم يكن صحيحا.. وبالتالي تستطيع أن تحيا حياة سعيدة.. بعد أن شفاها الحب الحقيقي من خوف مسيطر عليها متملك منها بلا سبب.. وحقيقي الحب يصنع المعجزات. صدام الحب.. والسياسة الصدام الشديد بين الحب والسياسة إلي من ستكون الغلبة فيه.. سؤال ليس بالبساطة الإجابة عليه.. لأن ممارسة السياسة ربما لاتكون عن اقتناع تام .. بل لتحقيق مصالح شخصية أو الوصول لمناصب عليا.. أما المبادئ فإن أحدا لايحيد عنها.. وأصحابها مستعدون للدفاع عنها لآخر نفس فيهم.. ولذلك فإن الكثير من أصحاب المبادئ تجدهم في السجون أو منفيين خارج بلادهم.. بينما المنافقون الراغبون والحالمون بالسلطة هم الذين يحصدون.. وإن كانت الزعامة الحقيقية لاتسجن ولاتنفي فإن تأثيرها في الناس يتخطي الأسوار.. والحدود. وفي إطار المسابقة الرسمية للمهرجان شاركت تونس بفيلم (الأستاذ) للمخرج الواعي القدير (محمود بن محمود) عن سيناريو قام بكتابته.. وشارك في البطولة كل من (أحمد الحفيان) (سندس بلحسن) (لبني مليكة) (رمزي عزيز) وقد حصل الفيلم علي جائزة أفضل سيناريو وهي جائزة يستحقها بالفعل. ومحمود بن محمود قدم من قبل ثلاثة أفلام.. والأستاذ فيلمه الرابع وأفلامه كلها تعكس حساسية شديدة لكل مشاكل المجتمع الذي تعيشه بلاده.. وتعكس اهتمامات ومعاناة المواطن البسيط.. و(محمود) هو صورة للفنان الصادق الواعي المثقف المهموم بحال بلده.. استطاع بذكاء شديد أن يصنع فيلما وإن جعل أحداثه تدور في عهد (بورقيبة) إلا أنها تحدث الآن ويعاني منها بصورة أو بأخري معظم المجتمعات العربية وحكوماتها الديكتاتورية. إن (محمود بن محمود) صاحب رؤية وترجمة حقيقية لمجتمعه تستشرف المستقبل وهذا هو أهمية وقيمة الفن الحقيقي. »خليل خلصاوي« أستاذ في جامعة تونس.. وينتمي للحزب الحاكم متزوج وله أسرة سعيدة.. زوجته من المعارضين للنظام.. وهو رغم استقرار أسرته إلا إنه يقع في حب إحدي طالباته ويلتقي بها سرا.. وفي أحد الأيام تخبره بأنها ذاهبة مع اثنين من الصحفيين الأجانب لتقوم بالترجمة لهما أثناء تحقيقات خاصة عن الصحراء والمدن التونسية.. وفي نفس الوقت تطالبه الحكومة التي سمحت لمجتمعات العمل المدني خاصة في مجال حقوق الإنسان.. أن يمثلها ويفند مزاعم هذه المنظمات.. إنه مثل حائط صد للحكومة حتي لا ترضخ لهذه المنظمات، ولكي لاتقوم أيضا هذه المنظمات بدورها الحقيقي في الدفاع عن الحريات. وعلي المستوي الشخصي يشعر خليل بالقلق لغياب حبيبته.. فيقرر السفر إلي الصحراء للبحث عنها.. وفي رحلة البحث يلتقي بعمال أحد المحاجر المعتصمين ويتعرف علي سوء أحوالهم وعدالة مطالبهم من الحكومة.. وعند عودته يفاجأ بأن (لبني) الحبيبة قد تم اعتقالها مع الصحفيين الأجانب بحجة التآمر علي أمن الوطن.. ويجد خليل نفسه في وضع شديد الإحراج أمام لجنة الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان.. التي من المفروض أن يعرقل أعمالها قانونيا وبين حبه الشديد لطالبته.. واكتشاف زوجته هذه العلاقة وتركها المنزل.. ولأنه كان يعلم الحقيقة بمشكلة عمال المناجم.. فإن ضميره هو الذي يتحرك متخطيا عواطفه وعقله، حيث إن السلطات قدمت له فيلما بأن حبيبته خانته مع أحد الصحفيين الأجانب.. وعندما يصدر حكم بالإفراج عن هذين الصحفيين حتي لا تحدث أزمة سياسية.. يترك منصبه بالجامعة ويتم نفيه بالصحراء لتضامنه مع طالبته ومدافعته عن حقوق الإنسان.. ليكون ذلك الواقع الظالم والحكم الديكتاتوري بداية لانطلاق ثورة.. امتدت شرارتها من تونس إلي أنحاء متفرقة في العالم العربي ومن بينها مصر .. ثورة كانت تبحث عن الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية لكن انقض عليها من حاولوا ومازالوا يحاولون الاستفادة منها.. وكان الله في عون الشعوب علي من يخونها .. ولايعترف بحقها في الحياة الكريمة.