عليوقع أزمة مكتومة بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف، تعالت الأصوات المطالبة بإخضاع الأوقاف لإشراف الأزهر الشريف، والعمل علي توحيد المؤسسات الدينية في الأزهر علي أن يكون للأخير حق الإشراف علي مختلف مناحي الحياة الدينية في مصر، عبر تحويل وزارة الأوقاف إلي هيئة تابعة للأزهر، بما يعني تمويل الأزهر ذاتيًا عبر الإشراف علي الأوقاف وسط تقديرات غير رسمية بأن قيمة أوقاف الأزهر تدر نحو 500 مليون جنيه سنوياً. المطالب الجديدة تأتي في إطار أزمة مكتومة بين الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة في الخروج إلي العلن، علي خلفية منح «جمعة» تصاريح خطابة لقادة السلفيين في مصر، مؤكدًا أن القرار كان بمعرفة شيخ الأزهر، إلا أن مكتب الأخير أصدر بيانًا الأسبوع الماضي، أكد أن شيخ الأزهر لا علاقة له بالأمر، البيان جاء ليفجر الأزمة التي حرص الجانبان علي أن تكون بعيدة عن الإعلام لفترة، وحاولا التقليل من آثارها بتبادل تصريحات تنفي وجودها. وفي ردّ فعل قوي نفي المركز الإعلامي بالأزهر الشريف، «جملة وتفصيلا» ما تداولته بعض وسائل الإعلام من أنّ إصدار وزارة الأوقاف تصاريح باعتلاء بعض القيادات السلفية لمنابر المساجد إنّما كان بتنسيق مع الأزهر، وأكد بيان المشيخة أنه «لا علم للأزهر مطلقًا بهذا الأمر، ولم يؤخذ رأي الأزهر فيه»، مشددًا علي أن الأزهر يستطيع لو أراد منح التراخيص دون وساطة بصفته «المنوط بالدعوة الإسلامية بنصّ الدستور». وتزامن بيان الأزهر مع غياب الإمام الأكبر عن حضور افتتاح المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للمجلس الأعلي للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف في سابقة هي الأولي، وشهدت وقائع افتتاح المؤتمر مشاركة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس الثاني، فيما تمثلت مشاركة الأزهر الرسمية في وكيل المشيخة عباس شومان، نائبًا عن الإمام الأكبر، الذي اعتذر بداعي الإصابة ب«نزلة برد»، علي الرغم من ذهابه إلي مقر المشيخة غداة افتتاح المؤتمر. في الأثناء، أكدت مصادر أزهرية مطلعة ل «آخر ساعة» أن الأزمة المكتومة بين الإمام الأكبر ووزير الأوقاف تعود إلي أسباب أخري أهمها الخلاف بين جمعة ومستشار شيخ الأزهر القانوني محمد عبد السلام، والذي يتهم علي نطاق واسع داخل مؤسسة الأزهر بميوله الإخوانية، وهو علي خلاف مع وزير الأوقاف في عدد من الملفات، فضلاً عن التضارب في الاختصاصات بين الأزهر والأوقاف في عمليات تسيير القوافل الدعوية في المحافظات المصرية. وتعد الأزمة بين مؤسستي الأزهر والأوقاف متكررة في ظل تنازع الاختصاصات بين الطرفين، إذ يعد الأزهر المؤسسة التعليمية الإسلامية الوحيدة في مصر، فيما تتولي وزارة «الأوقاف» الإشراف علي المساجد وتعيين الخطباء والأئمة لها، وتعد «الأوقاف» إحدي الحقائب الوزارية التي تخضع لإشراف رئيس الحكومة، بينما يقف شيخ الأزهر بدرجة رئيس حكومة وفقًا للدستور- علي رأس مؤسسة مستقلة، في وقت تتعالي الأصوات الأزهرية مطالبة بضرورة إلغاء منصب وزير الأوقاف وإخضاع الأوقاف لإشراف شيخ الأزهر المباشر. الأزمة بين المشيخة والوزارة جاءت لتعزز من المطالب المتكررة بضرورة ضم وزارة الأوقاف إلي مؤسسة «الأزهر»، وإلغاء الحقيبة الوزارية، مع تعيين وكيل للأزهر لشؤون الأوقاف، من أجل توحيد المؤسسات الدينية في كيان واحد، وأكد مصدر مسئول بمكتب شيخ الأزهر أن الاقتراح بضم الأوقاف إلي الأزهر قديم وتم عرضه أكثر من مرة سواء في مناقشات دستور 2012 أو دستور 2014 وكان الغرض وقتها أن يتم تدعيم استقلالية الأزهر الشريف بالاعتماد علي الأوقاف في تمويله ذاتيًا بعيدًا عن تحميل أعباء علي ميزانية الدولة، خاصة أن الأزهر يمتلك بالفعل أوقافا ضخمة، كما أن الأزهر سيتولي الإشراف علي أمور الدعوة بشكل حصري، وهو ما يتوافق مع الدستور الجديد الذي حصر الدعوة في مؤسسة الأرض، نافياً ل «آخر ساعة» أن يكون الأزهر طلب مؤخرًا ضم الأوقاف. في السياق، أكد الشيخ أحمد البهي، منسق حركة أئمة بلا قيود، أن ضم قطاع الدعوة بالأوقاف إلي مشيخة الأزهر يعد المطلب الأول لجميع الدعاة، لأن مشيخة الأزهر هي المعنية بأمور الدعوة وهي الأقدر علي مناقشة هذا الملف وإدارته بكفاءة بعيدًا عن بيروقراطية الدولة التي تعطل أحيانًا من طبيعة عمل، بينما طالب الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة «الأزهر»، بتبني اقتراح ضم وزارة الأوقاف ونقل اختصاصاتها إلي مشيخة الأزهر، لأن الأخيرة لها حق الإشراف علي الدعوة، كما أن ضم الأوقاف يعني تمويل الأزهر ذاتيًا من خلال الإشراف المباشر علي أوقاف الأزهر التي تدر مئات الملايين سنوياً ولا يوجد لها حصر كامل وشامل حتي يومنا هذا. من جهته، أكد أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين هلالي، ل «آخر ساعة»، أن تضارب الاختصاصات بين الازهر والأوقاف هو سبب الاختلاف الأخير، مطالبا بضرورة العمل علي تجنب هذا الأمر مسبقًا، معلنًا انحيازه لموقف الأزهر الشريف الرافض لإعطاء تصاريح «الأوقاف» خطابة لمشايخ السلفية علي اعتبار أن أفكار السلفية هي التي خرج من عباءتها الأفكار الأكثر تطرفًا لتنظيمات القاعدة وداعش، مطالبًا بالعودة إلي القرار السابق والصادر عقب ثورة «30 يونيو» بمنع غير خريجي الأزهر باعتلاء المنابر. وأشار هلالي إلي ضرورة إعادة النظر في طبيعة دور الأوقاف وكيفية الاستفادة منها، بشكل يضمن توفير عائد مالي يشارك في الارتقاء بشأن المصريين جميعًا، مؤكدًا أن مطالب ضمها إلي الأزهر مفهومة في إطار مساعي البعض لتوحيد المؤسسات الإسلامية في كيان واحد، داعياً المطالبين بتقديم تصور شامل لهذه الفكرة. هلالي: مطالب الضم مفهومة وقرار عودة السلف للمنابر مثير للريبة كريمة: لابد من استقلال الأزهر ماليًا وضمان تمويله من الأوقاف