كثيرون أن الحياة في منطقة "المطرية" بالقاهرة توقفت خلال الأيام الماضية، بعد أن سعت جماعة "الإخوان" لتحويلها إلي بؤرة إرهابية جديدة تشكل صداعاً في رأس النظام علي غرار ما حدث إبان اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في ساحتي "رابعة العدوية" و"نهضة مصر"، لكن زيارة سريعة إلي المطرية تكشف أن الأمور هناك تسير علي وتيرتها الاعتيادية، حتي الشوارع التي شهدت اشتباكات - في الذكري الرابعة لثورة يناير - سرعان ما عادت لطبيعتها، إذ فتح شارع الحرية مداخله أمام السيارات، بينما افترش الباعة أرصفة ميدان المطرية الخميس الماضي ليقام فيه أكثر الأسواق الشعبية شهرة. مختار نوح: الإخوان صاروا بديلاً للجهاديين في المطرية وعين شمس رئيس الحي: ما حدث انفلات جماهيري قاده عناصر من خارج حدودنا استمرار الحياة هناك، رسالة من السكان إلي الدولة، وإلي المناطق المجاورة التي ردد قاطنوها عبارة: "مش أحسن ما نبقي زي المطرية"، أنهم لا يصنعون إرهاباً، وأنهم مثل أي منطقة قد تضم عناصر متطرفة نتيجة للجهل، ليصبحوا فريسة سهلة للفكر الإرهابي، بالتحديد الأحياء المتاخمة لها والقريبة منها مثل عزبة النخل والمرج والحلمية والزيتون ومسطرد، والأخري البعيدة عنها جغرافياً مثل المنيرة وبولاق الدكرور وشبرا الخيمة وعزبة جرجس وحي العسال.. وغيرها. لن نذهب بعيداً، فيشهد حي عين شمس من فترة لأخري عمليات إرهابية تقودها جماعة الإخوان خصوصاً في شارع أحمد عصمت ومنطقة الألف مسكن وجسر السويس، لنجد فجأة أن المطرية انضمت لخارطة المناطق الأكثر قلقاً، بعد أن كانت تقتصر شوارعها علي مسيرات محدودة، تخرج دون تنظيم، وفي مناطق متعددة من ضمنها منطقة عرب الحصن ومنطقة المسلة ومنطقة التعاون وشارع الأربعين وشارع شجرة مريم وشارع الكابلات وشارع التروللي، وهي المناطق المتكدسة بعشرات العائلات التي تحكم قبضتها علي الحي بأكمله. عدد سكان الحي يصل إلي أكثر من مليون مواطن، يختلفون في التوجهات السياسية ويتدرجون في المستوي الاجتماعي والثقافي. لا يمكن حصر أعداد المنتمين للفكر الإخواني، لكن برجوعنا إلي الأصوات التي انتخبت الرئيس السابق محمد مرسي سنجد أنها حوالي 64 ألف صوت، وهو عدد ضئيل بالمقارنة لإجمالي عدد السكان، والذي دخل فيه اعتبارات أخري من بينها عدم رغبة المواطنين في انتخاب أي مرشح ينتمي لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وجود منتمين للفكر الإخواني لم يكن مفاجئاً، لأن الجماعة نشطت بعد ثورة يناير بشكل مكثف لتسحب البساط من السلفيين والجهاديين الذين كانوا يسيطرون علي المطرية وعين شمس منذ أربعين عاما.. تاريخ طويل من العنف سرده لنا الدكتور مختار نوح المتخصص في الجماعات الإسلامية، إذ قال إن الفكر التكفيري لا يزال يسيطر علي المنطقتين، فهي معقلهم الرئيسي؛ فقد شهدت سنوات الثمانينات وأوائل التسعينات أعمال عنف شنتها الجماعات الإرهابية، بعد أن بدأ نشاطهم في مسجدين اثنين؛ هما "مسجد آدم" في شارع آدم، ومسجد "الأنوار المحمدية" في شارع مصطفي حافظ. واستطاعوا حينها أن يجندوا من الشباب ستة آلاف، أما الآن فيصل عدد الذين يشكلون خطراً حقيقياً إلي حوالي 300 يتمركز بعضهم في منطقة الرشاح، شارع الحرية حالياً. لم يختلف أسلوب هذه الجماعات، والذي اختلف حسبما قال نوح هو تعامل الأجهزة الأمنية معهم، فقد كانت تخترقهم ما سهل من عملية تصفيتهم، ففي عام 1995 بدأت الشرطة عمليات اعتقال واسعة لأفراد الجماعة الإسلامية، وبدأت مراجعاتهم في عام 2000 لكن هذه المراجعات ثبت أنها لم تكن جادة، فلم يلتزم بها سوي الدكتور ناجح إبراهيم وفردين معه، فيما عاد بقية أفراد الجماعة لنشاطهم الإرهابي القديم، أما في هذه الفترة التي نمر بها لم تخترق الداخلية صفوفهم بعد. ربما يرجع السبب وراء ذلك، حالة الغياب الأمني الذي شهده الحي خلال الأربع سنوات الماضية، بعد حرق قسم المطرية القديم في أحداث ثورة يناير، والذي لا يزال موجوداً بحالته في شارع شجرة مريم، بينما يوجد القسم الجديد في شارع الكابلات، ويحيطه عدد كبير من سيارات قوات الأمن وأفراد الشرطة، الذين زاد وجودهم أمام القسم وفي محطة مترو المطرية وفي الشوارع التي تمر بها المدرعات لتستعرض قوتها وسيطرتها علي الحي. رغم التواجد الأمني الملحوظ، إلا أن الخوف يعتري سكان الحي، فلا تجد شارعاً إلا كُتبت علي جدران البيوت أو المساجد فيه عبارات ضد الجيش والسلطة، وهو الذي اعترضت عليه حنان محمد، (بائعة خبز)، قائلة إن المارة يترقبون حدوث أي انفجار ينهي حياتهم فجأة، والأمهات تمنعن بناتهن من النزول إلي الشارع، وأصحاب المحال التجارية خائفون من أي اعتداء عليهم. حنان التي يبدأ يومها من السادسة صباحاً لطبيعة عملها رصدت بعض المساجد التي تخرج منها التظاهرات، منها مسجد النور المحمدي بالمسلة، ومسجد التوحيد بشارع التروللي ومسجد السعادة. قائلة إنها تشعر بالتناقض عندما تنظر إليهم، خاصة عندما تجد النساء يرفعن من أصواتهن، وهن اللاتي مؤمنات أن صوت المرأة عورة، متسائلة: عايزين نعرف هما عايزين إيه؟ لا أحد يملك الإجابة. تفاعل البعض مع المسيرات، وغضب الراغبين في الاستقرار، يضع الحي في مأزق، خصوصاً أنه لا توجد أي دراسات اجتماعية للمطرية وللأحياء التي تشبهها، ما يعني أنها ستظل تعاني من تدهور خلال السنوات المقبلة، وفق تحليل الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمعات في جامعة حلوان، الذي أضاف أن التعامل الأمني وحده ليس كافياً لإصلاح وضع الحي، بل الدور الاجتماعي وتوفير الاحتياجات الأساسية وزيادة الوعي، فقد شهدت المطرية انحداراً خلال السنوات الماضية، بعد أن كانت حيا راقيا يسكنه المثقفون، وكانت ممتلئة بالفيلات التي تحول بعضها إلي مدارس، والباقي منه تم هدمه وشيد بدلاً منه أبراج شاهقة، وبالتحديد في المنطقة القريبة من المترو، التي كانت تضم أيضاً بيت الشاعر أحمد شوقي. ومع غياب الرقابة، زحف العمران عليها بسبب وجود أراض وشقق بأسعار رخيصة تناسب ذوي الدخول المنخفضة، وتحول الحي بمرور الوقت إلي مجتمع عشوائي، يضم عششا وبيوتا غير آدمية، وأزقة ضيقة ومتداخلة يصعب فيها التواجد الأمني، ما جعلها بيئة للخارجين علي القانون والمتطرفين والمهمشين، الأمر الذي أدي إلي غياب دور الدولة فيها. غياب الدولة يظهر جلياً في أكبر عملية سرقة آثار علي مستوي مصر، إذ أقيمت المطرية علي مدينة أون الأثرية أو مدينة الشمس (هليوبوليس) التي كانت عاصمة مصر في الدولة القديمة. ويقول الدكتور محمد إبراهيم بكر، رئيس هيئة الآثار الأسبق، إن "أون" كانت مركزاً للإشعاع الديني والعلمي، وضمت أكبر عدد من المعابد التي اختفت تحت البيوت، وكانت بقاياها موجودة لفترة قريبة، لكن الزحف السكاني المتزايد قضي عليها تماماً، وقد تم اكتشاف العديد من اللوحات الأثرية ومقابر للأسرة 26، ولا يبقي من أطلال المدينة سوي مسلة الملك سنوسرت الأول - أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة - التي يرجع تاريخها إلي عصر الدولة الوسطي. تشهد المسلة - التي تميّز حي المطرية - علي المافيا التي تقوم بالتنقيب عن الآثار يومياً، وعلي حالة التعدي الصارخة علي الأراضي الشاسعة، فتجاورها 45 ألف فدان تملكها وزارة الأوقاف، عُرفت باسم "مزرعة المساجين" أو "الأرض السوداء"، وقد تحول جزء منها إلي ملاه شعبية، وباقي الأرض صارت "خرابة" تضم تلالا من ردم المباني. الاعتداء علي الأراضي، كان من ضمن الملفات التي عرضها رئيس حي المطرية المهندس أحمد فوزي، علي رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب ومحافظ القاهرة الدكتور جلال السعيد، خلال لقائهم الأخير الذي أعقب الأحداث، إذ قال في تصريحات خاصة ل "آخر ساعة" إن المشاكل التي يعاني منها المطرية تنقسم إلي شقين؛ أمني واجتماعي، يتمثل الأول في عدم سيطرة الشرطة علي حدود الحي المتشعبة، خصوصاً تلك التي تربطنا بمحافظة القليوبية، فالأحداث الدموية الأخيرة حدث بها شيء من الانفلات الجماهيري، بعد أن دخلت أتوبيسات إلي الحي تقل عددا من المنتمين لفكر الإخوان يوم ذكري ثورة يناير، وقاموا بعمليات تخريب واشتبكوا مع الشرطة، مضيفاً: "مش أهالي المطرية اللي يعملوا كدا". وبرر رئيس حي المطرية قوله بأن العائلات تعرف بعضها البعض، وقد اندس بينهم خلال الأسابيع الماضية أناس يدعونهم في صلاة الجمعة للاعتصام ضد الدولة، إذ يضم الحي سبع مناطق علي مساحة 6 كيلو و300 متر، وهي: "المطرية القبلية، والمطرية البحرية، وشجرة مريم، وعين شمس الغربية، وعزبة شلبي، وعزبة العقاد والتروللي". يستكمل: "كل هذه المناطق تنقصها خدمات كثيرة، حتي لا نترك للإرهاب فرصة أن يستغل غضب السكان، وهو الشق الاجتماعي الذي تحدثت فيه مع المسئولين، فيفتقد الحي إلي نقطة مطافئ وإسعاف، كما تعاني المدارس من حالة تدهور والمستشفيات أيضاً، خصوصا مستشفي المطرية الذي يحتاج إلي تطوير، وقد طلبنا من المحافظ أن يتم استغلال الأراضي الشاسعة التي تحولت إلي مأوي للبلطجية كأن يتم استغلالها في بناء مشاريع استثمارية". يري المهندس أحمد فوزي أن توفير الخدمات والرقي بالحي، هو السلاح الوحيد لمحاربة التطرف، وهو ما عكف عليه منذ أن تولي المنصب من عام ونصف العام، إذ قام بتطوير ميدان المطرية بعد وضع تخطيط جديد له، قائلاً: "أنا واحد من أهالي الحي، وأدرك جيداً كم المشاكل الموجودة، وكان الميدان بمثابة البداية إذ به تقاطعات كثيرة تسبب أزمة مرورية.. لقد جلست مع خبراء طرق وتم العمل علي إزالة المشاكل، وسوف تصمم مسلة توضع في منتصف الميدان، وجزيرة خضراء تحاط بسور حديدي، بحيث يتم نقل الباعة الجائلين وتوفير سوق خميس جديد لهم.. كل ذلك لأجل أن يكون هناك قناعة لدي الناس عندما نحدثهم عن محاربة التطرف والإرهاب".