طفل -عضه الفقر- خمسة أرغفة فيحال فورًا إلي المحاكمة، لكن أن تسرق وطنا، وتفسد ضمير أمة، وتغتال مستقبل بلد، وتدمر أحلام شعب، فلن تجد من يحاكمك، وإذا حوكمت فالبراءة في انتظارك، فلا قانون يدينك ولا قضاء يحاسبك، لأن البعض يتعلل بقلة حيلة منظومة القانون عن ملاحقة الفساد السياسي الذي تحول إلي صندوق تخرج من تحت عباءته أشكال الفساد المختلفة، الرئيس الأسبق حسني مبارك حصل علي البراءة لأن أحدًا لم يحاكمه علي جرائم نظامه السياسية علي مدار ثلاثين عامًا، في ظل غياب قانون الإفساد السياسي، الذي أصبح الحديث عنه في صدارة المشهد حاليا، عله يوقف سيل جرائم من تلاعب بالسياسة لزيادة رصيده البنكي في سويسرا. سياسيون يطالبون بمحاكمات سياسية لمبارك ونظامه.. و"كفاية" تدشن حملة "حاكموهم" حامد جبر: لسنا بحاجة لقوانين جديدة ويكفي تفعيل "الغدر" و"حماية الثورة" ثروت عبد العال: لا موانع دستورية من محاكمات سياسية محمد زارع: الفساد السياسي جريمة "وهمية" جريمة إفساد الحياة السياسية، تبدو معروفة للجميع ويمكن ببساطة أن تشير الأصابع إلي مجموعة من كبار رجال مبارك بهذه التهمة، بداية من زكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الأسابق، وصاحب الشعار الشهير تحت قبة البرلمان "الفساد وصل للركب"، لكنه يحاكم حاليا في قضايا فساد وكسب غير مشروع، مرورًا بصفوت الشريف، رئيس مجلس الشوري الأسبق، وليس انتهاء برجل الأعمال أحمد عز، الذي استغل نفوذه السياسي بصفته أمين التنظيم في الحزب الوطني الحاكم، تحت قبة البرلمان لإسقاط قانون "منع الاحتكار" في 2008 حماية لاحتكاره صناعة الحديد في مصر، الطريف أن انتصار عزّ كان علي حساب وزير الصناعة -وقتها- رشيد محمد رشيد. ولم يسلم عزّ من اتهامات بالفساد السياسي كونه جمع بين منصب قيادي في الحزب الحاكم للبلاد وعضوية البرلمان وكونه صاحب الشركة المهيمنة علي صناعة الحديد في مصر، ما جعله عرضة لاتهامات قوي سياسية وشخصيات عامة وجمعيات حقوقية باستغلال نفوذه السياسي لتحقيق أرباح طائلة لتكوين ثروة تقدر بالمليارات، لكن للأسف لم تستطع تلك الجهات إثبات التهمة لعدم وجود تهمة بإفساد الحياة السياسية، وهو ما تكرر مع مبارك ذاته الذي لم يحاكم هو أو نجله جمال (أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني)، علي جرائم إفساد الحياة السياسية، والتي كان آخرها تزوير نتائج انتخابات برلمان 2010 بصورة فجة، لكن حتي الآن تظل جرائم فساد نظام دام لثلاثين عاما معلقة في الهواء لا تجد من يحاسب عليها. قائمة الفساد والمفسدين سياسيًا طويلة تضم العشرات ممن استغلوا نفوذهم السياسي لتحقيق مصالح شخصية، بداية من مبارك نفسه مرورًا بنواب الكيف والقروض وسميحة وأكياس الدم، ممن تاجروا بأرزاق المصريين وأرواحهم، وليس انتهاء بأعضاء في برلمان 2012 الذي تحول إلي ساحة لتكريس نفوذ جماعة "الإخوان المسلمين" وتحقيق مخططها في إخضاع دولة وشعب لإرادة مكتب الإرشاد. ورغم أن مصر تمتلك قوانين عدة لمواجهة ظاهرة الفساد السياسي، إلا أنها لم تفعّل وتخرج إلي أرض الواقع بداية من قانون "الغدر" الصادر في سنة 1952 والمعدل في سنة 1953 وحوكم علي أساسه قيادات حزب "الوفد" وفي مقدمتهم فؤاد سراج الدين، ثم عاد القانون إلي الحياة السياسية بمرسوم من المجلس العسكري الذي عدّل في أحكام قانون الغدر ليصبح قانون إفساد الحياة السياسية، ثم صدر قانون حماية الثورة في عام 2012 لكن هذه الحزمة من القوانين لم تفعّل بالشكل الكافي، بما فيها منع دستور سنة 2012 لقيادات نظام مبارك والحزب الوطني من العمل السياسي لمدة 10 سنوات، علي الرغم من أنها تنص علي أن يعاقب كل من أفسد الحياة السياسية بحرمانه من حق الانتخاب أو الترشح لأي مجلس نيابي، لمدة خمس سنوات علي الأقل. الأمل متعلق بإجراءات جادة من حكومة المهندس إبراهيم محلب، لمكافحة الإفساد السياسي، الذي أعلن الأسبوع الماضي عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، خاصة بعدما أعلن المستشار أشرف العشماوي، مساعد وزير العدالة الانتقالية، في تصريحات صحفية، أن الوزارة تعمل حالياً علي إعداد مشروع قانون إنشاء مفوضية للعدالة الانتقالية، علي أن يتضمن نصوصًا لتجريم الإفساد السياسي، ويفرض عقوبات تصل للتغريم المالي، وعقوبات معنوية مثل العزل السياسي أو المنع من الظهور، مشيراً إلي أن الاتهام بالإفساد السياسي سيتم من خلال آلية سيتم وضعها في القانون لتقييم العملية السياسية، والأداء السياسي في ظروف معينة من خلال رصد أي تهور أو تراخ في المسئولية السياسية. حركة "كفاية" الاحتجاجية التي تأسست منذ 10 أعوام في مواجهة نظام مبارك، عادت إلي الواجهة بالدعوة لحملة توقيعات لمحاكمة الرئيس الأسبق وأركان نظامه بعنوان "حاكموهم 30 سنة فساد"، وتتضمن الاستمارة التي يفترض أن يوقع عليها المواطنون، صيغة بلاغ للنائب العام لتحريك دعاوي جنائية ضد مبارك وأسرته وأفراد ورموز نظامه في الجرائم التي ارتكبوها في حق الوطن والمواطنين طوال 30 سنة، وأهمها بحسب الاستمارة- جريمة التعذيب ضد المواطنين، وجرائم تزوير انتخابات مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية حتي عام 2010 وجرائم استغلال النفوذ والرشوة والتربح والاستيلاء علي المال العام، أي محاكمة مبارك علي جرائم إفساده للحياة السياسية والعامة. القوي السياسية المدنية صنعت الأصوات المطالبة بإعادة محاكمة مبارك من جديد علي جميع جرائم الإفساد السياسي التي ظهرت في مصر نتيجة لفساد نظام مبارك ورجاله، ما عبر عنه حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق ومؤسس التيار الشعبي، الذي قال في تصريح صحفي إنه يجدد دعوته بضرورة إعادة محاكمة الرئيس الأسبق علي جميع جرائم نظامه التي ارتكبها في حق الشعب المصري، مؤكدًا أن مبارك نهب ثروات المصريين وأفسد الحياة السياسية، وهو ما تم تفعيله علي الأرض بإعلان حزب "التيار الشعبي- تحت التأسيس" عن اطلاق حملة لجمع توقيعات تطالب بإعادة محاكمة مبارك ورموز نظامه، وطالب البيان في بيان رسمي جميع المصريين بالمساهمة في الحملة للضغط من أجل إمكانية محاسبة مبارك ورموز نظامه علي جرائم الإفساد السياسي. علي الصعيد القانوني، لم يختلف الوضع إذ أجمع خبراء القانون والدستور علي ضرور تجريم الإفساد السياسي، لكنهم اختلفوا حول نقطة ما إذا كانت القوانين الحالية كافية وتحتاج إلي تفعيل فقط، أم أن البلاد في حاجة إلي قوانين جديدة، حيث أكد الدكتور شوقي السيد، المحامي والخبير الدستوري، إمكانية محاسبة أي شخصية سياسية بموجب قانون إفساد الحياة السياسية الذي أصدره المجلس العسكري، والذي يتضمن عقوبات غير نافية للحرية وتنص علي الحرمان من ممارسة السياسة وتولي المناصب العامة، لكنها لا تنص علي الحبس. من جهته، أكد المحامي حامد جبر، القيادي بحزب "الكرامة" الناصري، ل"آخر ساعة" أنه لا حاجة إلي إصدار قوانين جديدة لملاحقة المفسدين سياسيًا لأن هناك قانون الغدر الصادر في سنة 1956 وقانون حماية الثورة الصادر في 2012 وكلاهما يعالج هذه القضية، ولم تعلن الحكومة إلغاء العمل بهما، وهما معا علاج هذه المسألة بشكل حاسم لكن المشكلة الحقيقية تبقي في مدي تفعيل هذه القوانين وتطبيقها علي أرض الواقع لملاحقة من يثبت عليه تهمة الإفساد السياسي. وذهب الدكتور ثروت عبد العال، أستاذ القانون الدستوري بجامعة أسيوط، إلي أن زيادة معدل الفساد السياسي في السنوات الأخيرة لنظام مبارك بدرجة مؤسفة، يدفع المشروع إلي اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة هذه الظاهرة والعمل علي استئصالها، من خلال سن قوانين جديدة تجرم الإفساد السياسي وتعاقب من يقوم بها، خاصة أنه لا موانع في الدستور الحالي تحول دون ذلك، ما يجعل مهمة المشرع سهلة من ناحية الصياغة القانونية. وأضاف عبد العال ل"آخر ساعة": "لابد عند صياغة قانون تجريم الإفساد السياسي، أن يتم وضع تعريف واضح وصريح لما هو الفساد السياسي، وما هي الأفعال التي تندرج تحت هذا المصطلح، وما هي العقوبة التي سينالها المتهم بهذه الجريمة، حتي تكون الأمور واضحة لا لبس فيها حتي لا يجد أي شخص ثغرة في القانون تمكنه من الإفلات، خاصة أن القاعدة القانونية الشهيرة تذهب إلي أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، وأشار إلي أنه في حالة إقرار قانون جديد يحارب الإفساد السياسي فإنه لن يطبق علي مبارك وأركان نظامه لأن القانون لا يطبق بأثر رجعي. في المقابل، رأي المحامي محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أن لا حاجة إلي إقرار قانون الإفساد السياسي لأنها جريمة غير مادية وأدبية، مضيفاً ل"آخر ساعة": "الحديث عن محاكمة أي متهم بجريمة الإفساد السياسي لا أميل له، لأن هناك مجموعة من القوانين التي تدين هذه الظاهرة، لكنها لا تفعل سياسياً، فإذا أردنا محاسبة الفاسدين، فلابد أن نحاكم كل المسئولين وأعضاء مجلسي الشعب والشوري حتي 2010? خاصة أن جرائم الفساد السياسي جماعية تشارك فيها مجموعة، فمثلا مبارك ورجال نظامه اشتركوا في تلك الجريمة، وكذلك محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان الذين حاولوا إفساد الحياة السياسة بالهيمنة عليها". واتفق معه في الرأي، المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، الذي أكد ل"آخر ساعة" أن الإفساد السياسي جريمة معنوية يصعب إثباتها، خاصة أن مفهوم الفساد من أوسع المفاهيم وأكثرها استخداما في الأدبيات المصرية دون تحديد، مشدداً علي أنه لا يجوز تطبيق القوانين العقابية بأثر رجعي، ففي حالة صدور قانون جديد لمقاومة الإفساد السياسي لن يطبق إلا علي الحالات المستقبلية، ولن يتم محاكمة مبارك ورموز نظامه علي أساسه، إلا أنه رأي أن قانون العقوبات يسمح بمعاقبة أي مجرم شريطة وجود أدلة قوية تسمح بإدانته.