تفعيل قانون "الغدر" وتشكيل محكمة تحمل نفس الاسم "الغدر" من المطالب الملحة لثوار التحرير في المليونيات الأخيرة ومطلب أيضا للعديد من القوي السياسية.. الجميع يرون حلاً وحيداً لمواجهة الجرائم السياسية والفساد السياسي اللذين سادا عهد مبارك علي مدي ثلاثين عاماً.. وهي الجرائم التي لا ينص عليها قانون العقوبات ولا قانون الإجراءات الجنائية ولا يوجد لها عقوبات محددة في القانونين. وقد وصل الأمر إلي رفع عدد من المحامين دعوي أمام القضاء الإداري تطالب وزير العدل بالإسراع في تشكيل المحكمة لمحاكمة رموز النظام السابق.. مذكرين بأن الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر كان قد أصدر قانون تشكيل المحكمة في أبريل عام 1953 ليقع تحت طائلتها كل موظف عام أو عضو برلمان أو مجلس محلي أو مكلف بخدمة عامة وقام بإفساد الحكم أو الحياة السياسية أو أضر بمصالح البلاد وخالف القوانين واستغل نفوذه للحصول علي ميزات لنفسه أو لغيره.. وكان رد وزارة العدل أنها تدرس بالفعل مواد القانون وكيفية تفعيله. العقوبات في قانون الغدر هي العزل من الوظيفة وسقوط العضوية والحرمان من الترشح والانتخاب لمدة لا تقل عن خمس سنوات.. كذلك الحرمان من تولي الوظائف العامة أو الانتماء للأحزاب.. وتصل إلي سحب الجنسية.. ويجوز الحكم برد ما أفاده المتهم من غدره. القضاء وأساتذة القانون والسياسة وخبراء حقوق الإنسان اعتبروا تفعيل القانون ضرورة لمواجهة فساد العهد السابق.. وحتي من يرفض من حيث المبدأ تفعيل القوانين الاستثنائية. طالب في حالة تطبيقه بضمانات لتحقيق العدالة أهمها عدم تشكيل المحكمة من عسكريين وأن تتشكل من القضاة الطبيعيين مؤكدين أن إحياء القانون يتطلب تعديلات تشريعية وإجرائية. الجرائم السياسية المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق يؤكد أن الجرائم التي ارتكبها الرئيس السابق في 30 سنة مع أعوانه ومساعديه وعائلته تنطوي تحت تعريف "الجرائم السياسية".. حيث قام بتزوير الانتخابات عدة مرات.. كما سيطر علي الإعلام لتضليل الشعب عن حقيقة الأحوال ولنشر عبادة الديكتاتور.. كذلك تم تدمير كيان الدولة فقضي علي استقلال القضاء وتدخل في شئون السلطة القضائية وألغي استقلال الأجهزة الرقابية وجعلها تابعة له وهو رئيس السلطة التنفيذية التي تختص هذه الأجهزة برقابتها مثل جهاز المحاسبات والرقابة الإدارية وأجهزة الأمن العام.. كذلك زور انتخابات المجالس المحلية وعين فيها 40 ألفاً أو أكثر من أتباع وفتيان النظام وترك لهم الحبل علي الغارب للفساد والرشوة والعمولات والاستبداد بمصالح المواطنين. يضيف أن بعض هذه الجرائم يمكن أن تنطوي تحت قانون العقوبات مثل الرشوة والتزوير لكن معظم هذه الجرائم لا يوجد لها تعريف جنائي!!.. والطبيعي في كل ثورة أن يتم اسقاط النظام وأركانه ويتم تطهيره من رأسه وأعوانه ومحاكمة ومحاسبة كل مسئول في النظام عن الجرائم السياسية طبقاً لقانون خاص يعد لهذا الغرض يتضمن تعريف الجرائم السياسية والمسئولين عنها وتحديد المحكمة علي أن يكون التشكيل من قضاة طبيعيين.. كذلك تحديد الإجراءات ووضع عقوبات رادعة سياسية وجنائية. يوضح أن العقوبات يجب أن تشمل الحرمان من شغل الوظائف العامة والترشح البرلماني والنقابي والحزبي وزعامة الأحزاب لمدة قد تكون خمس أو عشر سنوات حسب خطورة الجرائم. يقول إن هذا الكلام يقودنا إلي قانون الغدر الذي صدر في بدايات ثورة يوليو وهو يصلح لكل ذلك بعد تعديل بعض الأحكام الواردة فيه خاصة للفترة التي تشملها الجرائم السياسية لتكون الثلاثين عاماً الماضية.. وهذا القانون يجب تفعيله في أقرب وقت.. فما يجري حالياً من محاكمات لا يحقق الغرض الأساسي للثورة وهو اسقاط النظام المباركي كاملاً ولا يكفي لمواجهة الثورة المضادة التي تشتد يوماً بعد يوم. يقول عبدالله خليل المحامي وخبير حقوق الإنسان: أنا ضد تطبيق القوانين الاستثنائية بما فيها قانون "الغدر".. لكن إذا كنا نتحدث عن الفساد السياسي فهو اعتداء علي الحقوق والحريات العامة وجريمة لا تسقط بالتقادم وإذا كان لابد من تطبيق قانون الغدر فيجب تطبيقه علي كل من أفسد الحياة السياسية منذ صدور القانون عام 1954 وحتي الآن.. وليس معني هذا أنني ضد محاسبة رموز الفساد الحاليين لكنني أري أنهم وصلوا لذلك نتيجة تراكمات للفساد علي مدي سنوات طوال.. بل إن هناك رموزاً في النظام الحالي تمثل نموذجاً للفساد في العهود الثلاثة منذ قيام ثورة يوليو 1952 مثل صفوت الشريف وفتحي سرور وكمال الشاذلي وزكريا عزمي.. وهناك بعض الرموز مازالت تتولي مناصب في أماكن حساسة ومرموقة وبعضها شارك في إصدار قوانين استثنائية ومحاكمات استثنائية. يطالب بمحاسبة من أفسدوا الحياة السياسية بعد ثورة يوليو عندما أصدروا القوانين التي تقيد حرية الرأي والإعلام وتسببت في إقصاء الصحفيين وهي جرائم فساد سياسي.. ويصل الأمر للدور الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي في الحياة السياسية وما تلاه من منابر ثم أحزاب علي رأسها الحزب الوطني. يري أن البداية تكون بتشكيل لجان لكشف الحقيقة في كل مراحل الحكم منذ ثورة يوليو فالفساد السياسي لا يمكن تجزئته ولا يمكن الاكتفاء بفساد ثلاثين عاماً فقط!! يؤكد أنه لابد في هذه الحالة من إدخال تعديلات تشريعية علي القانون فمن غير المقبول أن يشارك العسكريون في أي محاكمات تتم لمدنيين.. والمحاكمة يجب أن تكون أمام القاضي العادي.. مع ملاحظة أن بعض المتهمين سوف يحاكمون وفقاً لقانون العقوبات والذي يفرض أيضا عقوبة تكميلية بالحرمان من تولي الوظائف العامة ما لم يرد إليهم اعتبارهم. يوضح أن اتفاقية مكافحة الفساد في المادة 29 وما بعدها حددت إجراءات محاسبة مرتكبي الفساد بما فيها حرمانهم من ممارسة بعض الحقوق لفترات معينة لأن الحرمان الأبدي يتنافي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.. وهناك جرائم لم ترد في قانون العقوبات ووردت في هذه الاتفاقية لأنها تمثل أفعال فساد سياسي مثل تزوير الانتخابات.. لكن لابد أن يسبق صدور الأحكام إجراء تحقيقات ومواجهات وسماع دفاع وعدم مراعاة ذلك يمثل إهداراً لضمانات المحاكمة العادلة. تأسيس دولة القانون يؤكد الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أيضا أنه ضد أي قانون استثنائي لأن الهدف تأسيس دولة القانون لكن قانون الغدر هناك حاجة ضرورية لتفعيله لحل بعض المشاكل التي تؤدي لتأخير إنجاز القضايا ومحاكمة رموز النظام.. لكن تفعيل هذا القانون يشترط له إعادة تشكيل المحكمة وربما يحتاج لإجراءات قانونية أخري.. لكن السؤال هو هل المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد مستعد لتفعيل هذا القانون؟.. في هذه الحالة لابد من أخذ رأي مجلس القضاء الأعلي ودراسة النتائج المترتبة عليه. يري أن تفعيل قانون الغدر عملية سياسية في المقام الأول تتوقف علي إرادة المجلس العسكري الذي قد يفضل الإجراءات والمحاكمات العادية حتي إن طالت. يطالب في حالة تفعيله بأن يكون تشكيل المحكمة من عناصر قانونية وقضائية بالكامل ليعطي ذلك ضمانة أننا أمام محاكمات قانونية وليست سياسية لكنها في نفس الوقت فعالة وناجزة وعادلة. قانون استثنائي المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض سابقاً يطرح وجهة نظر متكاملة في هذه القضية المثارة.. قائلاً: قانون الغدر قانون استثنائي لا يطال إلا ما لا تطوله القوانين العادية.. فأي شخص له فساد سياسي ومتهم بارتكاب جرائم سياسية ينطبق عليه.. والجرائم السياسية ينطوي تحتها تزوير الانتخابات وحل النقابات وإفساد الحياة الاقتصادية والاجتماعية.. سألناه: * هل المقصود بتلك الجرائم الرئيس السابق حسني مبارك؟ ** حسني مبارك يحاكم الآن علي جرائم أخري من خلال القانون العادي. * علي من ينطبق إذن هذا الإتهام؟ ** الأهم في نظري هو استخدام قانون الغدر لعزل كل من انتمي للحزب الوطني سياسياً وأقول كل من انتمي ولو بمجرد الاشتراك والعضوية وليس القيادات والرموز كما يطالب البعض.. والعزل يهدف لإبعادهم عن الحياة العامة والسياسية لا يعيدوا إفسادها ونحن نؤسس لها بمبادئ جديدة ويكون لمدة معينة خمس سنوات مثلا لا يكون لهم خلال هذه الفترة حق الترشح أو الانتخاب.