ولدت حيث ولد المسيح.. بين طبرية والناصرة.. في قرية الشجرة بالجليل الأعلي.. أخرجونا من هناك وعمري عشر سنوات عام 48 إلي مخيم (عين الحلوة) بلبنان.. أذكر هذه السنوات العشر أكثر مما أذكر بقية عمري.. أعرف العشب والحجر.. والظل والنور هناك.. لاتزال صورها ثابتة في محجر العين كأنها حفرت حفرا. أرسم لا أكتب أحجبة.. لا أحرق البخور.. فقط أرسم .. إذا قيل إن ريشتي تشبه مبضع الجراح أكون قد حققت ما حلمت طويلا بتحقيقه. لست مهرجا.. ولست شاعر قبيلة أي قبيلة.. لست محايدا.. أنا منحاز لمن ينامون في مصر بين قبور الموتي.. ومن يخرجون من حواري الخرطوم يمزقون بأيديهم سلاسلهم.. ولمن يقرأون كتاب الوطن بالمخيمات. أنا ناجي العلي رسام الكاريكاتير العربي الفلسطيني. هكذا يقدم نفسه في بداية الفيلم الذي يحمل اسمه ويقدم سيرته الذاتية.. ومعها حكاية الشعب الفلسطيني الذي أخرجه الراحل المبدع «عاطف الطيب» ويعد من أفضل وأجمل أفلام السيرة الذاتية.. وهو من تأليف «بشير الديك» والإشراف السياسي علي الكتابة وليد الحسيني.. وموسيقي مودي الإمام.. وتصوير (محسن محمد). ناجي العلي الذي عرف حياة المخيمات.. والبعد عن الوطن فكانت رسوماته أقوي من القنابل.. انتقد الأنظمة العربية في سلبيتها وتعاملها مع القضية الفلسطينية.. هاجم الجميع علي تخاذلهم وخذلانهم.. انتقد من باع الأرض وخان ووضع يده في يد العدو الصهيوني.. فكانت النتيجة مطلوبا إسكاته.. «اغتياله».. من قبل «البعض».. (فلسطينيين - أنظمة عربية - إسرائيل). كانت رسوماته وشخصية (حنظلة) الطفل الذي كبر قبل الأوان والذي حفر في ذهنه ووجدانه صورته قبل الرحيل.. وهو يقف علي التل يشهد اغتصاب وطنه وتحوله من مواطن إلي لاجئ، حمل وطنه في قلبه وعقله، سافر به إلي كل مكان (بيروت - الكويت - لندن المحطة الأخيرة التي اغتالوه فيها علي يد «بشار سمارة»). كان شجاعا في الحق لم يخف لم يحاول أن يغير من «عوايده» علي الرغم من التهديدات الكثيرة التي كان يتلقاها.. وكذلك كان نجمنا المبدع الفنان الواعي المثقف الملتزم «نور الشريف» الذي استطاع أن يقبض علي روح الشخصية ويتقمص روح «ناجي» فأعاده للحياة - مؤكدا أنه لم يمت ومازال حيا في قلوب وعقول كل من عرفوه. إيمان «نور» بالقضية الفلسطينية كان وراء موافقته علي القيام بهذا الفيلم حتي أنه شارك في الإنتاج.. وتعرض لخسائر مالية كبيرة.. ولهجوم عنيف حاد.. حتي يقال إن «أبو عمار» كان أحد قادة هذه الهجوم.. وأتي لمصر خصيصا من أجل ذلك. وشنت علي «نور» مؤسسة أخبار اليوم حملة شرسة وكان يرأس مجلس إدارتها في ذلك الوقت.. «إبراهيم سعده».. ومنعت أفلامه في الدول العربية.. ومن العمل نهائيا.. ولعل في ذلك الوقت خرجت «آخر ساعة» من عباءة أخبار اليوم.. ولم تنقد لهذه الحملة بل كانت كاتبة هذه السطور والأستاذة الجليلة «إيريس نظمي» من أكثر المدافعين عن «نور» وعن الفيلم.. وهو ما حافظ علي المودة والاحترام بيننا وبين نور طيلة هذه السنوات. حاربوا «نور» وظلموه «ظلما بيّنا» لإرضاء النظام.. حاولوا اغتياله معنويا كما اغتالوا ناجي العلي.. لكنه كان يعلم أن فنه سيبقي خالدا.. وسيرحلون.. وسوف ينتصر عليهم. تألم «نور» كثيرا .. لكنه لم ينتكس وقاوم.. ووقف النظام السياسي في مصر ضده.. لكنه كان يؤمن بحرية الفن والتعبير.. وأن هناك فرقا بين الخلاف والاختلاف والخيانة. بقي «نور» صلبا مدافعا عن «حنظلة» فتي العاشرة الذي ولد من هزيمة يونيو.. والذي يقول عنه ناجي. «إنه الاستثناء.. سيظل دائما في العاشرة وهي السن التي غادر فيها فلسطين.. وسوف يكبر عندما يعود لوطنه.. وسيظل يعطي ظهره للعالم، وهو مكبل اليدين طالما هناك أنظمة عربية تطبع.. وأخري تخون.. وتدوس علي الثورة. وصدق «ناجي» عندما قال: «اللي بدو يكتب أو يرسم لفلسطين.. بدو يعرف حاله ميت» وبالفعل اغتالوه جسدا.. ورفضوا أن يدفن في مخيم (عين الحلوة) حتي لاتتحول جنازته إلي ثورة شعبية. مات «ناجي» جسدا.. لكن مازالت روحه باقية ورمزا للمقاومة والصمود، تاركا خلفه زوجته وداد وأربعة أبناء (خالد.. أسامة.. ليالي.. وجودي) وأربعين ألف رسم. وترك نور الشريف.. والراحل عاطف الطيب ملايين من المخلصين الشرفاء المحبين والعاشقين لفنه «التمثيل» المهنة التي أحبها.. واختارها وأعطاها حياته.. فكان أن استحق التكريم في الكثير من المهرجانات في مصر والعالم العربي.. وآخرها مهرجان دبي. فتحية لهذا الفنان الكبير العظيم فنا، الشديد التواضع إنسانيا.. المثقف العربي.. صاحب المواقف والمبادئ.. أعطاه الله الصحة.. ليثري حياتنا الفنية ويمتعنا دائما. تكريم «نور» ينعكس أيضا علي كل الشخصيات الإنسانية والسير الذاتية التي أداها باقتدار مثل «ابن رشد» في (المصير) ليوسف شاهين .. ويوسف شاهين نفسه في «حدوتة مصرية». وللأسف الشديد أن «ناجي العلي» الذي اغتيل بسبب رسوماته منتقدا فيها العديد من الحكام والأنظمة العربية.. وإسرائيل ودول العالم الكبري بمختلف القضايا التي قدمها.. مازالت إلي اليوم قائمة وتحتاج من يناضل ويدافع عنها ويكشف فسادها.. فهل يأتي الزمان «بناجي» جديد. أنا نجود بنت العاشرة ومطلقة هذه حكاية من حكايات النساء.. أو بمعني أدق الفتيات الصغيرات اللاتي أوتين من القوة لتغيير أوضاعهن وصياغة حياتهن بشكل أكثر إنسانية.. منذ عدة سنوات اهتمت الصحف العالمية بما كتبته الصحفية والروائية الفرنسية (دلفين مينوي) من تحقيقات تحولت إلي كتاب حول حياة «نجود» اليمنية التي كانت في العاشرة من عمرها.. زوّجها والدها لرجل يكبرها بعشرات السنين.. كان يغتصبها يوميا تحت بند (الحقوق المشروعة).. وفي النهار كانت تقوم بخدمة باقي أفراد أسرته وتعامل كما الخادمة. القهر الشديد أعطي لهذه الفتاة الشابة (قوة) ولم يستطع أحد أن يسلب من روحها (الصمود) والمقاومة.. فكان أن لجأت إلي المحكمة لتطلب الطلاق.. لتكون بذلك أصغر مطلقة وهي في العاشرة من العمر.. وبناء علي هذه الخطوة الجريئة وبعد حصولها علي الطلاق تقدمت فتاتان أخريان في الثامنة.. والثانية عشرة لطلب الطلاق.. وبدأ المجتمع المدني في اليمن محاربة هذه الظاهرة بضراوة.. وقد حولت المخرجة التسجيلية اليمنية (خديجة السلامي) هذه القصة إلي فيلم سينمائي، يعد العمل الأول لها ويعرض بمهرجان دبي السينمائي. «خديجة» تعد نموذجا رائعا للمرأة اليمنية المستنيرة وتعد أول مخرجة يمنية.. قدمت مايقرب من عشرين فيلما تسجيليا ناقدة فيها الوضع في بلدها.. وهي تعمل أيضا مستشارة ثقافية لبلدها في باريس.. ومن المتوقع أن يثير فيلمها ردود فعل عالمية.. وعربية كبيرة.