المخرج :أحمد سرحان صوَّرت مراحل الاستنساخ كاملة استعان بمساعدين من أقاربه لنقل القطع الثقيلة المصنوعة من الذهب تقرير نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، الشهر الماضي، جدلاً في أوساط المعنيين بالتاريخ والآثار، بسبب وصف الملك الفرعوني "توت عنخ آمون" بأنه كان مشوهاً جسدياً وكان ابناً لأخ وأخت، ويبدو أن هذا الجدل لن يكون الوحيد حول الفرعون الأشهر في تاريخ مصر، بعد الانفراد الذي تنشره "آخرساعة" في سياق السطور التالية، ونكشف فيه بالصور أن النسخة المقلدة من مقبرة توت التي تجوب العالم في معارض دولية وتحقق عائداً بالملايين أسبوعياً، صنعها كاملة فنان مصري، واستغرقت عملية استنساخ ونحت المجموعة من خام الذهب حوالي عامين داخل منزل في منطقة المريوطية بالهرم. قبل عدة سنوات وتحديداً في العام 2008 انطلق أول معرض في ألمانيا، لمقبرة الملك "توت عنخ آمون"، وحصد إقبالاً جماهيرياً واسعاً، واحتفاءً من جانب وسائل الإعلام العالمية لتغطية الحدث، حيث ضم المعرض المجموعة الكاملة لمقبرة توت، التي سبق أن تم اكتشاف نسختها الأصلية في وادي الملوك عام 1922 علي يد عالم الآثار البريطاني هاورد كارتر. وفي الوقت الذي يُعد مصير ما تبقي من قطع المقبرة الأصلية غامضاً، حيث إن المعلن أنها تجوب العالم في معارض دولية، فإن مقبرة أخري مطابقة لها تجوب هي الأخري معارض العالم، وتحصد أسبوعياً ثمانية ملايين يورو لصالح ألمانيا التي موَّلت المشروع، بحسب ما يتضح من الموقع الإلكتروني الخاص بالمعرض علي شبكة الإنترنت الذي تتوافر عليه أسعار التذاكر وكيفية الحصول عليها سواء بشرائها عبر الإنترنت أو الهاتف أو من خلال شباك التذاكر مباشرة، مع تخفيض في سعر التذكرة لمجموعات الزائرين. الغريب أن أحداً لا يعرف مَنْ الفنان العبقري الذي أعاد استنساخ هذه المقبرة كاملة بهذه الحرفية الفائقة والدقة المتناهية، والأهم هو أين تمت عملية التصنيع والنحت لتخرج في شكلها النهائي المُبهر لكل زوار المعرض المتجول حول العالم، وهو ما كشفه ل"آخرساعة" مخرج الأفلام التسجيلية الدكتور أحمد سرحان، حيث قام بتصوير مراحل العملية كاملة بالكاميرا الخاصة به، بعدما أقنع صديقه الفنان الدكتور مصطفي العزبي الأستاذ في كلية الفنون الجميلة بتوثيق هذه العملية في فيلم توثيقي قبل عدة سنوات، حفاظاً للحق الأدبي لهذا الفنان، وتأكيداً علي أن الفراعنة هم من شيدوا هذه الحضارة وأنجزوا هذا الإبداع، وليس الجن أو اليهود كما يزعم البعض، والدليل هو هذا الفنان "الفرعون الصغير" الذي استطاع استنساخ مقبرة الملك توت بدقة شديدة.. "الفرعون الصغير" هو عنوان الفيلم الذي لم ينته المخرج أحمد سرحان من مراحله الأخيرة، بهدف المشاركة به في مهرجانات الأفلام التوثيقية الدولية، لكنه خص "آخرساعة" بصور مستقطعة من الفيلم تظهر عملية النحت وتشييد مقبرة توت. قصة اكتشاف هذه المفاجأة وكيفية توثيقها سردها سرحان: أثناء تحضيري رسالة الدكتوارة بعنوان "الأبعاد الثلاثية في المجسمات الفرعونية" وباقترابي من كل من يعمل في هذا المجال، وحيث إن لي بعض الزملاء من أيام الدراسة في الجامعة، كان من بينهم شخص يدعي مصطفي العزبي وهو دكتور في كلية الفنون الجميلة قسم النحت، كل أعماله خاصة بالمنحوتات الفرعونية، وبعد حصولي علي درجة الدكتوراة أنجزت دراسات عليا في الميديا والتصوير والإخراج السينمائي، وتخصصت في السنوات الأخيرة في الأفلام الوثائقية التاريخية، ذات الصلة بإثبات بعض القضايا التي زُيفت تاريخياً، وفي هذا السياق اتفقت مع الدكتور مصطفي لعمل فيلم وثائقي عنه وعن أعماله، وأثناء تصويري لهذا الفيلم فوجئت بحقيقة استوقفتني كثيراً. يتابع: أثناء فترة تصوير الفيلم اكتشفت أنه يقوم بتصنيع ونحت مقبرة الملك توت عنخ آمون الذهبية كاملة، ومن منطلق العلاقة القوية بيننا وعلاقة الزمالة، وبعد إصرار من جانبي عرفت منه أنه يعمل علي استنساخ هذه المقبرة لصالح إحدي الجهات الأجنبية، علي أن يتم نقلها إلي الخارج لتشارك في المهرجانات العالمية بعد عمل الدعاية الكاملة لها، فاقترحت عليه أن أقوم بعمل فيلم عن رحلة تنفيذه لهذه المقبرة، نظراً لما رأيته بعيني من دقة متناهية في تصنيعها، حيث كادت من وجهة نظري أن تفوق روعة النسخة الأصلية. وافق العزبي علي هذا المقترح وبدأ تصوير مشاهد الفيلم، فيما يؤكد سرحان أن تنفيذ المجموعة الكاملة للمقبرة كان يتم في الطابق الأرضي من منزل يملكه العزبي في منطقة المريوطية بالهرم، ويوضح سرحان: "صورت كل قطعة في مراحل تصنيعها من البداية إلي النهاية، وكان هذا يتم في ساعة متأخرة من الليل والدكتور مصطفي يقوم بكل شيء بنفسه فقط يساعده ثلاثة أشخاص في حمل بعض الأغراض أو القطع ثقيلة الوزن لكن لم يكن مسموحاً لأي منهم بلمس أي شيء دون إشارة منه حتي يخرج العمل بشكل دقيق للغاية". ويوضح سرحان: تم استخدام خام الذهب الأصلي في صناعة ونحت القطع المستنسخة حتي تصبح مطابقة تماماً للنسخة الأصلية، وكان التصوير يتم في أجواء من التكتم والسرية التامة، وكنت أقوم بنفسي بدور المصور والمخرج وفني الإضاءة حتي لا يعرف أي شخص حقيقة ما يدور داخل المنزل، لأن هذا المكان لم تكن فيه حراسة لتأمينه ضد السرقة، خصوصاً إذا علم أي لصوص بقيمة الأعمال الموجودة في الداخل، ولم يكن الدكتور مصطفي يسمح لأحد بدخول هذا المنزل. طلبت من الدكتور أحمد سرحان إطلاعي علي الفيلم، فوافق رغم أن المتاح حتي الآن هو مقاطع مصورة لمراحل التصنيع والنحت وليس فيلماً في شكله النهائي فالفيلم لم يدخل بعد مرحلة المونتاج، لكن مشاهدة هذه المقاطع كانت ضرورية للتأكد من صحة ما رواه لي، وبالفعل جلست معه داخل الاستديو الخاص به وداخل وحدة المونتاج قام بتشغيل هذه المقاطع لأشاهد بعيني ما لا عين رأت سوي من شارك في هذا العمل، كانت كل خطوات العمل واضحة وتتم بدقة متناهية، تظهر في بعض المقاطع أنامل النحات السحرية وهي تقيس دقة النقوش وتوافقها مع ما يمسكه بين الحين والآخر في يده من صور وكتالوجات مصورة لقطع المجموعة الأصلية، فالعمل يقتضي خروج النسخة المقلدة في صورة تتطابق مع نظيرتها الأصلية في كل شيء وكل تفصيلة وكل قطعة.. توابيت الدفن والعجلة الحربية والقناع الملكي وكل التماثيل التي تبرق من الذهب الخالص، والأحجار الكريمة بنفس أحجامها وألوانها في القطع الأصلية. وبين كل مقطع مصور يعرضه الدكتور سرحان كان يتوقف للحظات، ليتحدث عنه حين كان يصوره، حيث قال من بين ما قال مثلاً: الإطار الخارجي لكل قطعة مطلي بطبقة سميكة من الذهب عيار 24 والطبقة السفلي من النحاس، لكن في الشكل النهائي للقطعة حين يراها أي شخص يشعر أنها مصنوعة بالكامل من الذهب، ويتذكر أيضاً أن الانتهاء من صناعة ونحت المجموعة كاملة استغرق حوالي عامين، بينما استغرقت عملية التصوير حوالي سبعة أشهر حيث يقول: "كنت أحضر المراحل النهائية من تشطيب القطع". تفاصيل أخري مهمة عرفها الدكتور أحمد سرحان من صديقه الدكتور مصطفي العزبي أثناء جلسات التصوير: "قال لي إنه مضطهد وحورب من جهات مسؤولة في وزارة الآثار حتي لا يعرف أحد عنه شيئاً، وأثناء حديثي معه قال لي إنه علي أتم استعداد لصناعة ونحت تمثال أبوالهول بحجمه الطبيعي علي أن يتم وضعه علي طريق القاهرةالفيوم الصحراوي ليكون مزاراً سياحياً، ليس هذا فحسب بل صناعة ونحت مقبرة نيفرتاري كاملة بقياساتها الأصلية ويهديها لمصر وذلك بالاتفاق مع وزارتي الآثار والسياحة للترويج لنيفرتاري عالمياً". يتابع: اكتشفت أن الدكتور مصطفي العزبي مشهور خارج مصر، بينما لا أحد يعرف عنه شيئاً في بلده، فقد أُلفت عنه كتب ومجلدات في الخارج ووصفوه بأنه "الفرعون المصري الصغير" ولكن في الوقت نفسه لم يُذكر في جميع ما أُلف عنه أنه صانع وناحت مقبرة توت عنخ آمون التي تجوب العالم في معارض دولية كبري. وتذكر الأخبار المتناثرة عن المعرض المتجول لمقبرة توت أن مدينة كولون الألمانية استضافت معرض "توت عنخ آمون - مقبرته وكنوزه" علي مساحة أربعة آلاف متر مربع، وضمت ألف قطعة تمثل كنوز الملك الشاب توت عنخ آمون، وقد افتتح المعرض في 25 سبتمبر 2010 واستمر حتي 20 مارس 2011 أما عن سعر تذكرة الدخول فهو 16 يورو، بينما أقيم المعرض أولاً في مدينة زيوريخ بسويسرا، وحقق نجاحاً كبيراً حيث بلغ عدد زواره 250 ألف زائر، ولذا تقرر بعدها أن يقوم بجولة في المدن الأوروبية، وبحساب تقريبي بسيط يتضح أن المعرض يحقق أرباحاً من تذاكر الزائرين فقط أربعة ملايين يورو (حوالي 36 مليون جنيه مصري) أي ستة ملايين جنيه شهرياً، وذلك بحسب سعر التذكرة لكل زائر في العام 2010، بينما يؤكد الدكتور أحمد سرحان أن إيجار المعرض أسبوعياً في أي مدينة أوروبية يساوي ثمانية ملايين يورو. ويعبر سرحان عن دهشته من عدم الاستفادة من قدرات النحات المصري صانع هذا الإعجاز في بلده مصر، متسائلاً: أين الحق الأدبي لهذه المقبرة المستنسخة الذي تستفيد دول أوروبا ملايين اليورهات سنوياً من ورائه؟ وأين وزارتا الآثار والسياحة من هذا الفنان العبقري الذي يعتبر بحق "فرعوناً صغيراً" وامتداداً طبيعياً لأجدادنا الفراعنة؟ فقد أثبت مصطفي العزبي للعالم أجمع أن مهارة النحات الفرعوني لم تندثر، بل توارثتها الأجيال حتي يومنا هذا، وطالما يوجد العزبي فبكل تأكيد هناك فنانون آخرون مثله خلفاء للفراعنة موجودون في ربوع مصر ولكن لا أحد يعلم عنهم شيئاً.