ارتبط أحمد رجب في أذهان القراء علي اختلاف المشارب والانتماءات، ب"نص كلمة" و"فهامة أخبار اليوم" كتب عقداً غير مكتوب مع القارئ، ينتظره صباح كل يوم، لم يخذل القارئ يوماً صال وجال في دنيا الصحافة، فظل مع محمود السعدني ومحمد عفيفي أعمدة الكتابة الساخرة، لكن الكتابة اليومية ربما تكون الوجه الذي يعرفه القارئ من وجوه أحمد رجب المتعددة وارتبط به بشكل حميمي، لكن هناك رجب الآخر الذي ترك آثاره في الرواية والمسرح والقصة، زارعاً البهجة، حاصداً الضحكات، مجبراً الجميع علي التفكير في قضايا الوطن وهموم الحياة اليومية. كتب رجب الرواية، يشرّح المجتمع ويكشف أمراضه الاجتماعية، بمبضع جراح ماهر يعرف كيف ينتزع المرض من الجسد دون أن يعرض حياة المريض للخطر، في بداياته كتب أعمال السيرة الذاتية في مسلسلات إذاعية، فكتب مسلسل "حياتي" الإذاعي في 1962، والذي عرض قصة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وشارك الأخير في العمل الإذاعي بالحديث عن ملخص كل حلقة، وهو المسلسل الإذاعي الذي عكس علاقة الصداقة العميقة التي ربطت بين الساخر والموسيقار حتي رحيل الأخير في مايو 1991. كرر "رجب" تجربة الكتابة للإذاعة في عملين رصد فيهما سيرة الفنانة والكاتبة الصحفية «روزاليوسف»، والمطربة «منيرة المهدية»، لكن رغم النجاح الجماهيري الذي حققته تلك الحلقات بعدما استطاع "رجب" تقديم صورة درامية لمشاهير الحياة العامة، إلا أن الساخر الشاب فضل الابتعاد، ربما لأنه لا يحب التنميط. بالفعل غيّر «رجب» من جلده الفني وقدم عملا ساخرا إلي الإذاعة بعنوان «شنبو في المصيدة»، بطولة فؤاد المهندس، الذي حقق نجاحاً كبيراً خاصة أنه عرض في أعقاب هزيمة 1967، ففتح الباب أمام المصريين لاستعادة البهجة واختلاس ضحكات من قلب مرارة الانكسار، وهو ما دفع القائمين علي العمل الإذاعي لتحويله إلي عمل سينمائي بنفس الاسم، وحقق الكثير من النجاح. استغل «رجب» تمكنه من الكتابة الساخرة في عرض قضايا اجتماعية شديدة التعقيد في أعمال سينمائية، بالتزامن مع التحولات التي عانت منها مصر في السبعينيات ومطلع الثمانينات من مجتمع يؤمن بالعدالة الاجتماعية إلي مجتمع الانفتاح وانتشار الفساد، فتصدي "رجب" لتلك المظاهر، بدأها بفيلم "محاكمة علي بابا" 1984. وكرر "رجب" التجربة في فيلم "فوزية البرجوازية"، الذي لعب فيه علي تناقضات المجتمع المصري في الثمانينات من خلال أزمة حارة شعبية تضم بين أبنائها من ينتمون إلي مذاهب وأفكار متباينة. ووصل "رجب" إلي قمة نقد المجتمع من خلال فيلم "صاحب العمارة" 1989 الذي عرض أزمة مجموعة من الباحثين عن سكن، فيقنعهم صاحب العمارة بالعمل في بنائها ثم يخدعهم بعد انتهاء عمليات البناء، تجربة قاسية لكنها واقعية تكشف أزمة السكن التي لا تزال تؤرق ملايين الشباب حتي يومنا هذا، فضلا عن كشفه للرأسمالية المشوهة التي بدأت في التشكل في تلك الفترة حتي وصلت إلي ذروة فسادها في مطلع الألفية الثانية ما أدي إلي ثورة 25 يناير. ولم يترك رجب المسرح دون أن يترك أثره، فكان له وجهة نظر، أراد كشف عبث الحياة الأدبية في مصر، أحرج الجميع بحيلة بسيطة تضمنت كتابته لمسرحية «الهواء الأسود» التي نشرها في مارس 1963، علي أن مؤلفها هو المسرحي السويسري «فردريك دورنيمات»، وأن دور «رجب» اقتصر علي الترجمة، داعياً كبار النقاد للتعليق عليها باعتبارها أحدث إبداعات مسرح "اللا معقول"، ليتباري النقاد في الإشادة بالعمل وعبقرية مؤلفه وبالدلالات العميقة للعمل الذي يكشف معاناة الإنسان. لكن سرعان ما كشف "رجب" عن الحقيقة كاملة في مقال، قال فيه: «أنا الموقع أدناه أحمد رجب أقر واعترف بأنني كاتب مسرحية "الهواء الأسود"، وأنني مؤلفها الأوحد، وأن الخواجة فردريك دورنيمات الكاتب المسرحي السويسري لا علاقة له إطلاقاً بهذه المسرحية، وأنه ليس له أي إنتاج مسرحي بهذا الاسم.. وأنا الموقع أدناه أحمد ابن رجب أقر وأعترف أنني كتبت هذه المسرحية في مكتبي بالغرفة رقم (406) بمبني دار الهلال بالسيدة زينب، وأن هذه المسرحية لم تكتب إطلاقا في لوزان ولا جنيف ولا زيورخ».