رئيس اللجنة القانونية في المجلس الأعلي للقبائل الليبية، الدكتور محمد الزبيدي، عن تعرض المصريين في ليبيا لعمليات سلب ونهب، ومقتل العشرات منهم في طرابلس الأسبوع الماضي فقط، ودفن رفاتهم هناك لعدم تمكن زملائهم من نقلهم إلي مصر، بسبب توقف مطار طرابلس وانتشار الميليشيات علي الأرض، ولم يستبعد في حواره مع «آخرساعة» ضلوع ما يُسمي ب»الجيش المصري الحر» في تنفيذ عملية الفرافرة الإرهابية التي استشهد فيها 23 جندياً مصرياً الشهر الماضي، مُطالباً الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالتدخل عسكرياً في ليبيا لفرض الأمن. مع تصاعد حدة التناحر في ليبيا كيف تري دور حكومة بلادك لإنهاء هذه الأوضاع؟ - لا يوجد دور للحكومة الليبية مُطلقاً لحل الأزمة، فالحكومة عاجزة تماماً عن إحداث أي تغيير في المشهد السياسي والأمني، لأنها لا تمتلك السلطة الفعلية علي الأرض، فالسلطة الحقيقية في يد الميليشيات المسلحة، بينما الحكومة عاجزة عن حماية رئيسها وأعضائها الذين تعرضوا للخطف والابتزاز والتنكيل والإهانة. رغم دور اللواء خليفة حفتر في محاربة الإرهابيين لماذا برأيك هاجمه رئيس الوزراء السابق علي زيدان ووصفه ب « المطلوب أمنيا ً» ؟ - تصريح زيدان صدر عنه وقت أن كان رئيساً للحكومة، لكن بعد أن أقدمت إحدي الميلشيات علي اختطافه وإهانته، ثم تمت الإطاحة به من قبل هذه الميلشيات فر خارج البلاد، ليعود بعد ذلك إلي المنطقة الشرقية، التي تخضع لسلطة اللواء حفتر، ويتراجع عن تصريحاته السابقة، معلناً تأييده لما يسمي ب»معركة الكرامة»، تماماً مثل العديد من التصريحات التي أطلقها إبان توليه الحكومة وتراجع عنها بعد عزله. كيف تقرأ المشهد التدميري الدامي في طرابلس والصراع المستمر بين قبائل الزنتان ومصراتة حول مطار العاصمة؟ - المعركة في طرابلس ليست قبلية، بل هذا ما يُصوره الإعلام لعدم إدراكه حقيقة ما يجري في ليبيا، فالمعركة بين الميليشيات المتأسلمة وبقايا الجيش الليبي، والقوة التي تدافع عن المطار وجزء من طرابلس والمسماة «كتائب القعقاع والصواعق» هي بقايا الجيش الليبي الذي تعرض طيلة ثمانية أشهر للقذف الجوي والبري من حلف الناتو وبين ميليشيات ذات الطابع الديني التي تقاتل علي جبهتين: الشرق في مواجهة قوات الكرامة بقيادة حفتر، وغرب ليبيا ذات الأجندة الإسلامية التي يطلقون عليها في شرق ليبيا «أنصار الشريعة»، وفي غرب ليبيا «ثوار ليبيا»، هي المحصلة النهائية ميليشيات ذات توجه إسلامي متطرف، وسبق لها أن أجبرت البرلمان الليبي - في سابقة لم تحدث في أي دولة علي إصدار قرار رقم «7» بالسماح لهذه الميليشيات باقتحام مدينة «بني وليد» وقتل الآلاف وحرق مدينة بكاملها يوم عيد الأضحي عام 2012. إذن ما الحل من وجهة نظرك لإنهاء هذه الأزمة واستعادة الأمن والاستقرار؟ - الأزمة في ليبيا كانت بفعل خارجي، من خلال التدخل المباشر لحلف الأطلسي، وهو الذي أدخل ليبيا في أتون حرب أهلية وأحالها إلي دولة فاشلة، فحل الأزمة كما ابتدأ خارجياً لا يمكن حله الآن إلا بواسطة تدخل خارجي أيضاً، لكن هذه المرة من قبل دول الجوار، التي أصبحت ليبيا تشكل خطراً داهماً علي أمنها واستقرارها، بتحولها إلي ملاذ آمن للمجموعات الإجرامية والتكفيرية، ومعسكر تدريبي للجماعات المتطرفة، وممر للسلاح والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات. هذا يعني إمكانية تدخل حلف الناتو مُجدداً كون ليبيا مازالت تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يسمح باستعمال القوة؟ - التدخل في ليبيا وفق الفصل السابع من الميثاق كان بالمخالفة للقانون الدولي، فالعقوبات في الفصل السابع متدرجة، تبدأ من العقوبات السياسية ثم الاقتصادية، ثم التدخل العسكري أخيراً، وما حدث هو التدخل العسكري دون أن يرد نص بذلك في قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي نص علي فرض منطقة حظر جوي حماية للمدنيين فقط، وبناء عليه لا يجوز التدخل مجدداً، لكن مصر والجزائر تحديداً بحكم أنهما دولتان محوريتان وأمنهما واستقرارهما مهددان حالياً، فإن القانون الدولي يسمح لهما بالتدخل للحيلولة دون وصول خطر جسيم يهدد أمنهما. أستشف من كلامك أنك تطالب مصر صراحة بالتدخل عسكرياً في ليبيا لفرض الأمن؟ - الشعب المصري لا يُعد أجنبياً علي نظيره الليبي، وبالتالي وجود قوات مصرية علي الأرض الليبية هو حماية لإخوتهم وأهلهم هناك، فضلاً عن حماية مصر، فليس ثمة حساسية من هذا التدخل، لذا أطالب الرئيس السيسي بالتدخل عسكرياً في ليبيا لصالح البلدين. لكن وزير الخارجية المصري صرح الأسبوع الماضي بأنه «لا نية لقيام الجيش المصري بالتدخل العسكري في ليبيا.. وجيشنا مهمته حماية الحدود المصرية فقط»؟ - عدم تدخل مصر في ليبيا لإنهاء الأزمة بشكل مباشر سوف تترتب عليه تبعات خطيرة علي كل من البلدين، حيث يجري العمل حالياً وبشكل متسارع علي إعلان المنطقة الشرقية أو إقليم «برقة» إمارة إسلامية، وهذه منطقة محاذية لمصر وحدودها ممتدة لآلاف الكيلومترات، ولا يمكن السيطرة عليها، وبالتوازي فإن ليبيا في طريقها الآن للتقسيم مثلما حدث في السودان والعراق والصومال. وما الآلية التي يمكن من خلالها أن تتدخل مصر لإنهاء الأزمة بالتفاوض بين الأطراف الليبية؟ - ليبيا بلد مُكوَّن من قبائل، فالعامل القبلي هو الرئيسي في بنية المجتمع الليبي، إذ لا وجود لأحزاب ولا منظمات مجتمع مدني، بل الدور الفاعل للقبائل، وقد اجتمعت القبائل الليبية بكاملها في 25 مايو الماضي، وشكلَّت المجلس الأعلي للقبائل الليبية، وفي الثاني من أغسطس الجاري تم تعيين رئيس للقبائل الليبية، ويُمكن لمصر من خلال هذا المجلس أن تجمع الأطراف المتناحرة كافة علي مائدة التفاوض في مصر، كذلك يمكنها التعامل مع البرلمان الجديد الذي تم انتخابه الأسبوع الماضي، ومن خلال المظلة القبلية والبرلمانية التي تمنح شرعية التدخل في حال فشل المفاوضات أن تُقدم القوات المسلحة المصرية علي فرض الأمن والنظام في ليبيا، ومن ثم الدعوة لانتخابات عامة ينتُج عنها برلمان وسلطة تنفيذية. كأكاديمي متخصص في رصد النزاعات الحدودية بين الدول.. إذا استمرت الأوضاع في ليبيا هكذا هل يؤثر ذلك علي شكل الخريطة الليبية وحدودها؟ - الدول التي تدخلت في ليبيا عام 2011 تعمل جاهدة علي إعادة ليبيا إلي ما كانت عليه عام 1951 بتقسيمها إلي ثلاث دول: «برقة» في الشرق وتتبع بريطانيا، و«فزّان» في الجنوب وتتبع فرنسا، و«طرابلس» في الغرب وتتبع أمريكا.. هذا ما كانت عليه ليبيا عام 1951 والعمل جارٍ علي استعادة التاريخ الاستعماري القديم في ليبيا والخرائط جاهزة والعناصر التي تعمل علي تنفيذ هذا المُخطط لا تخفي نواياها ولا مواقفها، وهذا سيُشكل خطراً داهماً أيضاً علي مصر والجزائر تحديداً، ما لم يتم تدارك الأمر قبل استفحاله، وتحوله إلي واقع يصعُب معه إيجاد حل يقي هذه الدولة خطر التشظي، ودول الجوار خطر التهديد. إلي أي مدي ترجح احتمالية ضلوع جماعات إرهابية متواجدة في النطاق الشرقي الليبي في عملية قتل جنود الفرافرة الشهر الماضي؟ - لا شك أن المجموعات المسلحة التي تسمي نفسها «الجيش المصري الحر» في ليبيا، استعرضت قواتها أمام الشاشات، ولذا لا أستبعد وقوفها وراء حادث الفرافرة. كم عدد الليبيين الذين لجأوا إلي مصر منذ سقوط النظام الليبي في أكتوبر2011؟ - بحسب إحدي الجمعيات الليبية المتخصصة، فإن مصر فيها مليون و300 ألف لاجئ ليبي حتي الآن. وهل ثمة رصد لأعداد المصريين المتواجدين في ليبيا حالياً؟ - من الصعب في الوقت الحالي رصد أعداد المصريين في ليبيا، لكن ما أستطيع تأكيده هو أن العديد من المواطنين المصريين تعرضوا لعمليات سلب ونهب هناك، فضلاً عن عشرات القتلي من العمالة المصرية الذين قُتلوا تم دفنهم في ليبيا خلال الأسبوع الماضي فقط، لعدم تمكن زملائهم من إرسال رفاتهم إلي مصر، نظراً لتوقف مطار طرابلس عن العمل واستحالة التحرُك برياً بسبب انتشار الميليشيات، وهذه الوقائع تكررت في عدة مناطق من بينها «سوق الكاريمية» و»أبوسليم» في طرابلس، حتي أن من بينهم عضوا في حزب «الحرية والعدالة» الإخواني. وماذا عن صحة ما تردد عن وفاة بعض المصريين جوعاً ممن لاذوا إلي المنطقة الحدودية بين ليبيا وتونس؟ - بحسب معلوماتنا فإن هناك من قضي نتيجة إطلاق نار، ولم يمت أحد جوعاً، خاصة أن هذه المنطقة الحدودية مأهولة بالسكان، ولا يمكن أن يموت فيها أحد من الجوع، فالجانب الإنساني مازال موجوداً لدي الناس.