حتي وقت قريب كان هذا يتم علي استحياء، محاولة خلق عاصمة أخري للفن بعيدا عن القاهرة، بعد أن أصبحت مدينة طاردة، يصعب التصوير في شوارعها، أو أماكنها الأثرية، أو معالمها السياحية، ويحتاج الأمر إلي عدة إجراءات بالغة التعقيد، للموافقة علي تصوير فيلم أو مسلسل، الرقابة تتدخل والجهات الأمنية تدس أنفها، والمؤسسات الدينية لاتفوت الفرصة، والمنظمات التي من المفترض أن تراعي مشاكل المرأة والطفل في الواقع، تركت هذا الواقع وتفرغت لمطاردة الأعمال الفنيه، بحجة أنها ترصد مشاكل الواقع! باختصار لم يعد التصوير في مصر أمرا مريحا لشركات الإنتاج وظهر البديل من سنوات وهو دبي وأبو ظبي بالإمارات، وبيروتبلبنان، التي تزخر بالمسارح التي تقدم مسرحيات سياسية أو استعراضية، أو يتم فيها تصوير برامج المسابقات الكبري والبحث عن المواهب، وإذا كان فن الغناء، قد ازداد ازدهارا في لبنان، فإن السينما هناك لاتزال تتحرك بصعوبة، وربما يكون عدد الأفلام المنتجة لايزيد علي أصابع اليد الواحدة، ولكنها محاولات يملؤها الطموح والثقة، ومن حين لآخر تفاجأ أن أحد تلك الأفلام القليلة يشارك في المهرجانات الكبري، مثلما حدث مع أفلام نادين لبكي، وطبعا فكرة وجود أفلام، تؤدي بالتالي إلي خلق جيل من النجوم، وإلي محاولة كسب سوق الدراما التليفزيونية أيضا، هذا السوق الذي أصبح ساحة تنافس شرس بين المسلسلات المصرية، والسورية والخليجية، وأضيف لها في الآونة الأخيرة المسلسلات اللبنانية! طبعا يجب أن نعترف أن التاجر اللبناني شاطر وطموح، في البداية كانت النجمة اللبنانية التي تسعي لمزيد من الشهرة، لابد أن تنطلق من القاهرة، مثلما حدث مع نور، نيكول سابا، وسيرين عبدالنور، وهيفاء وهبي، دوللي شاهين، ولكن بدأت شركات الإنتاج اللبنانية، تسائل نفسها، لماذا لايكون جحا أولي بلحم توره، وأن نستخدم نجماتنا لعمل مسلسلات ننافس بها كل من الدراما المصرية والسورية والخليجية أيضا؟ وفي هذا المجال حققت سيرين عبدالنور نجاحا ملحوظا مع مسلسلات سارة، وروبي، ولعبة الموت الذي عرض في رمضان الماضي، ونجحت شركة الإنتاج في تسويق تلك الأعمال بضمان اسم البطلة، ومعها مجموعة من الممثلين من لبنان وسوريا ومصر، ويبدو أن هذا النجاح، التسويقي، دفع شركات الإنتاج في اللعب بمزيد من الورق، أو النجمات اللبنانيات الشهيرات بعمليات التجميل والسليكون، لاحتلال مساحة من التورتة التسويقية، لمسلسلات رمضان، التي كانت الدراما المصرية هي المسيطر الأساسي عليها حتي وقت قريب! تلعب الدراما اللبنانية علي الشكل والإبهار الشديد، دون المضمون، فلاتزال كتابة السيناريو متعثرة ومترنحة، ولذلك يلجأون الي "تيمات" قديمة أو مقتبسة من المسلسلات المكسيكية، أو التركية طويلة التيلة! المسلسل الأول هو اتهام بطولة ميريام فارس وهي من نجمات الغناء الاستعراضي، لكنها ليست بثقل إليسا أو نانسي عجرم أو يارا، لأنها حائرة بين الغناء والرقص، وصعب أن تحفظ لها أغنية، رغم أنها تمتلك صوتا دافئا، وكان لها من ثلاثة أعوام تجربة مع فوازير رمضان، أنتجها طارق نور وعرضها علي قناته القاهرة والناس، ولكنها لم تحقق ما يتناسب مع التكلفة الإنتاجية، ولا الجهد المبذول في تصميم الرقصات والأزياء والاكسسوارات، والموسيقي والأغاني وخلافه، ولكن كل هذه الإمكانيات راحت هباء منثورا، ورغم قدرة ميريام فارس علي الغناء والرقص إلا أنها اكتشفت أن الحكاية مش كده وبس، وكان لازما أن يكون في إطار معقول يقدم من خلاله تلك الرقصات، وجاءت محاولة الدفع بميريام فارس إلي عالم التمثيل مع المخرج السوري حاتم علي، الذي قدمها في فيلم سيلينا مع دريد لحام، ولم يحقق الفيلم نجاحاً علي المستوي الجماهيري أو النقدي، أما مسلسل اتهام الذي تلعب بطولته لأول مرة، فهو من إخراج اللبناني فيليب أسمر ، وسيناريو اللبنانية كلوديا مرشيليان، وكان لابد من الاستعانة بصديق أو عدة أصدقاء من نجوم مصر، لأن اسم ميريام فارس لوحده "مايشلش" ولا يضمن تسويقا، والمطلوب هو تدشين وجودها كنجمة بالاستعانة بنجوم من مصر، منهم عزت أبو عوف، أحمد خليل، حسن الرداد، رشا مهدي، وأضمن حاجة في مثل هذه الظروف هو اللعب ع "الصعبانيات" والميلودراما، وأن يزج بفتاة مسكينة في عدد لا نهائي من الأزمات وتتعرض للظلم والمهانة، وتجد يدا تحنو عليها وتنتشلها وسط كل مصائبها، وهذا فعلا ماحدث،"ريم" أو ميريام فارس فتاة من ضيعة لبنانية، تعمل في مشغل، تسافر إلي مصر للعمل ولكنها تجد نفسها متهمة في قضية دعارة، تصعب علي محام كبير "عزت أبو عوف" يتبرع للدفاع عنها ويتزوجها، متبرع كده، دون أن يقترب منها ليحافظ عليها عذراء" متفهمش ليه"؟ لكن مش ده موضوعنا، يتوفي المحامي الكبير قوي، ويترك لزوجته الشابة ثروة ضخمة، تصبح مطمعا للآخرين، وفي نفس الوقت تعيش ريم قصة حب مع حسن الرداد، ولكن والده يرفض هذه العلاقة، بينما هو غارق في المفاسد وتاجر مخدرات وسلاح وبلاوي أخري، مخفية، ويظهر للناس الجانب المثالي الذي سوف ينكشف بكل تأكيد مع نهاية الحلقات، حكاية أكيد تابعتها مراراً من أيام سينما الأبيض والأسود وأفلام أنا بنت ناس، وظلموني الناس والمتهمة وغيرها، ولكن هل نجحت ميريام فارس في أولي تجاربها التليفزيونية؟ تقدر تقول إنها لم تفشل، المسلسل تم بيعه لأكثر من قناة عربية، ونوع من المشاهدين الذين يعشقون الميلودراما، كان يتابعه، ولكن إذا أخضعناه للتقييم الفني، فلن يزيد مستوي أدائها علي خمسة من عشرة مع الرأفة! أما هيفاء وهبي التي تخوض هي الأخري تجربتها الأولي مع الدراما التليفزيونية، فقد حصلت علي أجر يزيد بشكل واضح عما تقاضته يسرا مثلا، التي قضت ثلاثين عاما أو يزيد مع البطولات التليفزيونية، مسلسل "كلام علي ورق" يبدو أكثر حرفية من اتهام، التأليف لورشة علي رأسها أحمد محمد وائل، ومحمد سيد بشير، مصطفي الجمال، وإخراج محمد سامي، ولكن رغم ذلك فإن القصة المطروحة، تدور أيضا في إطار من الميلودراما، والصعبانيات، وأسهل الطرق وأقربها وأكثرها فاعلية، هو اتهام البطلة بممارسة الدعارة، أو دفعها الي هذا الطريق، بطلة المسلسل "حبيبة" أو هيفاء وهبي، تعيش أيضا في ضيعة، وهي فتاة جميلة ومثيرة وحلمها أن تكون مصممة أزياء، ولكن الأقدار تقذف بها في طريق دودي وهو قواد محترف "حسين الإمام" يمتلك ملهي شهيرا في بيروت، وهنا يجب أن تتمرد الضحية علي القواد، حسب مواصفات هذا النوع، فتتزوج من ثري أشرف زكي، يعشقها ويصرف عليها بسخاء، مما يثير غيرة زوجته "أمل رزق"، فتدبر لها المكائد، وتصورها مع شاب أحبته "خالد" أو أحمد السعدني، وترسل بكليب إلي كل أصدقاء ومعارف حبيبة ومنهم زوجها، الذي لايلقي بالا للحكاية نظرا لفرط حبه لزوجته الفاتنة، ولكن يتم اكتشاف جثة خالد الذي قتله أحدهم في منزله، وتصبح حبيبة هي المتهمة الأولي، ويتولي ضابط البحث الجنائي اللبناني "عمار شلق"، ليكتشف أن حبيبة مدمنة هيروين، وأن لها أكثر من عشيق منهم ناصر الطيار "ماجد المصري" الذي كان يهدد كل من يقترب منها بالقتل، دراما تبدو مشوقة، لكن علي طريقة أجاثا كريستي، حيث يوجد جريمة وقتيل وأكثر من شخص لديهم دافع لارتكاب الجريمة، والأكثر بعدا عن الشبهات يكون هو القاتل، ولكن في هذا النوع من المسلسلات يصعب أن تجد ممثلين لهم مكانة يقبلون المشاركة، لأن كلا منهم يدري أن العمل مصنوع علي مقاس نجمته وبغرض تلميعها وتدشينها، وسوف تجد صعوبة بالغة وأنت تتابع عملا يشارك فيه ماجد المصري وأشرف زكي وروجينا وأمل رزق وحسين الإمام "لاتجوز عليه غير الرحمة"، وفوقهم كمان أحمد السعدني، فهم مجموعة طاردة بكل ماتحمل الكلمة من معان، أما أحمد زاهر فقد اجتهد في تقديم شخصية فرج، وهو مجرد سيكوباتي شبه معتوه، ولكن تركيبة الشخصية مسروقة من المسلسل التركي "إيزيل"، ومع ذلك فالاكتشاف الغريب أن هيفاء وهبي تؤدي بشكل جيد وأفضل كثيرا من ميريام فارس، ولو كانت قد وقعت في يد مجموعة أكثر موهبة يضعونها في قالب أفضل، لكانت النتيجة في صالحها، وتحسب لها، وهي علي أي حال مسلسلها بكل ما فيه أرحم كثيرا من "شمس" الذي تلعب بطولته نجمة مخضرمة مثل ليلي علوي!