مواطنون مصريون لا يسعهم إلا التفكير في التغيير، ينتظرون ذلك الرجل المنقذ الذي سيخلصهم من الحياة أسفل الكباري وأعلي الأرصفة.. هؤلاء هم ضحايا الفقر والجهل والظلم، هم ميراث عشرات الأعوام لدولة الظلم والفساد البائدة، هم أطفال مصر المشردون.. من ينصفهم؟ من يحمي حقوقهم الضائعة؟ من يعيد لهم كرامتهم التي هانت علي الجميع؟ من يحميهم من الجريمة؟ ومن يحول بينهم وبين الضياع؟ ملايين الأطفال المصريين يعيشون تحت خط الفقر، يعملون ليل نهار كي يحصلوا علي لقمة عيش حتي لا يناموا الليل وبطونهم تعاني آلام الجوع. إن كانت ثورة 25 يناير خرجت لتنادي بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فإن أطفال الشوارع والمشردين هم أكثر فئات المجتمع التي خرجت من أجلها الثورة، يحتاجون العيش فيعملون من أجله، ويطلبون العدالة الاجتماعية التي تضمن لهم الحق في التعليم، والحياة الكريمة، وتوفر لهم العلاج والغذاء والسكن، ويحلمون بالحرية ليتخلصوا من استبداد وتسلط من يعملون تحت ظله، ممن يستغلون كل ما فيهم من قوة بدنية وعقلية ليستثمره لصالحه دون مقابل. أطفال الشوارع كغيرهم من المصريين يطمحون في الرئيس القادم فهو لهم بارقة أمل وطاقة نور لا يمكنهم إغفالها، وهم بالتأكيد سيسعون في التغيير معه، فهؤلاء ظلوا لأكثر من خمسة عشر عاماً - وفق الإحصائيات منذ ظهورهم في الشارع المصري يحلمون بطوق النجاة الذي سيرحمهم من الفقر والجوع والمرض والإدمان. ظروفهم الاجتماعية والأسرية التي أودت بهم لن تتغير بوجود رئيس جديد لكن الأمل سيظل معقودا مع رئيس يحترم الإنسانية ويقدر المواطن ويسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية. لا يمكن لأحد أن يغفل خطورة أطفال الشوارع علي المجتمع، فهؤلاء هم الشرارة التي ستنفجر مستقبلا، يتعرضون للعديد من الانتهاكات ويتم استغلال قدراتهم من قبل المسيطرين عليهم وهم بالتبعية يستغلون الناس أسوأ استغلال فيسرقون وينهبون ويتسولون من أجل لقمة العيش دون رقيب أو حسيب. أزمتهم لن تحل بالأحلام الوردية أو الشعارات بل يحتاجون لدعم حكومي شامل يكفل لهم عيشة كريمة وتعليما جيدا ورعاية طبية حتي لا يتحولوا بمرور الوقت إلي بلطجية يصعب وقتها السيطرة عليهم. حل هذه القضية يعد من أولويات الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبرنامجه الانتخابي يضمن لهؤلاء العيشة الكريمة ويوفر لهم كل سبل الراحة لينعموا بحياة طبيعية مثل غيرهم. تجولت "آخر ساعة" في عدة مناطق يتردد عليها هؤلاء الأطفال المشرودن وبدأت جولتنا بمحطات مترو الأنفاق حيث العديد من الصغار الذين ضلوا طريقهم ولم يجدوا سوي التسول ومد اليد للجميع. كلام عيال تحدثت إلي "كريم" الذي رفض الكلام إلا بعد أخذ مبلغ من المال، لا يعرف هذا الطفل عمره ويقول : " أنا مولود في الشارع ومعرفش بيتي فين ولا مين أهلي ممكن هما كمان أكيد حالهم زي حالي أو يمكن يكونوا أغنياء وأنا معرفش، وكمان ممكن يكون لي إخوة وأنا ماعرفش عنهم حاجة بس الحاجة اللي أنا متأكد منها إني لو فضلت كده لحد ما أكبر أكيد هاضيع أو يمكن أبقي شاطر وأبقي معلم زي المعلم بتاعي - الذي رفض ذكر اسمه خوفاً من بطشه". كريم يبدو علي ملامحه الشقاء والتعب، قدماه متشققتان وملابسه باليه، من ينظر إليه سيعطف عليه ولن يمنع عنه ما في جيبه كله، لكن المظاهر في أغلب الأحيان تخدع، فهذا الطفل جمع في هذا اليوم 160 جنيها من التسول وقال : "أنا مش باخد حاجة لنفسي دول بياخدهم المعلم وبيديني يومية عشرين جنيه ونومتي وأكلي عليه". "نفسي أكون ضابط" أمنية يرجوها هذا الطفل أن تتحقق، يحلم بدولة تسود بها العدالة الاجتماعية وترسو بها أبسط معاني الإنسانية ويأخذ كل ذي حق حقه. وهذه الطفلة هند، التي اعتادت الجلوس يومياً أمام محطة مترو عين شمس، لا تكل ولا تمل من استعطاف المارة، تنجح مرات في أخذ ما يكفيها وتفشل مرات أخري، داومت علي البقاء في هذا المكان لأكثر من شهر دون انقطاع، وتحولت فجأة إلي بائعة للحلي ومستحضرات التجميل علي أرصفة المحطة. نقلة نوعية حدثت في حياة هذه الطفلة التي قررت أن تترك التسول وتبدأ حياة جديدة - حسب قولها-: " عندي 11 سنة وتركت منزل أبي منذ 4 أعوام، كنت أتعرض للضرب المبرح منه وزوجته وكانت تمنع عني الأكل طوال اليوم واشتكيت لأبي كثيراً دون جدوي، قررت أن أعتمد علي نفسي ونزلت الشارع وقررت ألا أعود مرة أخري إلا وأنا أملك ما يكفيني من المال ". ادخرت تلك الطفلة أكثر من ألف جنيه، تمكنت من خلالها البدء في مشروع خاص بها واشترت "بضاعة متنوعة" لتبيعها أمام المحطة، وأقلعت عن التسول نهائياً، ولم يتبق من مشاكلها إلا المسكن فهي تنام في الشارع وما تجنيه من مال لا يمكنها من استئجار منزل . تعجبت تلك الطفلة حينما سألتها تطلبي إيه من الرئيس الجديد؟ حيث قالت: "أطلب منه إيه...!! أنا نفسي في حاجات كتير أوي.. نفسي أرجع المدرسة ونفسي يعاقب أبويا ومراته عشان سابوني أنزل الشارع، ونفسي كل العيال اللي بتشحت في الشوارع تتلم ويبقي لهم مكان تقعد فيه". خطط حكومية المسئولية التي تقع علي عاتق الرئيس عبدالفتاح السيسي ليست هينة، ولابد من بذل جهود عديدة لتجاوز مشكلة أطفال الشوارع، من جانبها تبذل وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية، جهوداً حثيثة في سبيل مواجهة انتشار ظاهرة أطفال الشوارع في مصر، وخصصت الوزارة فريق عمل لمواجهة الظاهرة، وتقول رشا يونس، من فريق عمل الوزارة، إن العمل علي مواجهة تلك الظاهرة يسير باتجاهين، أولهما من خلال الأنظمة والتشريعات التي تجرم ترك الأطفال للتسول، والثاني يكمن في جهود وزارات الدولة المختلفة للقضاء علي ظاهرة أطفال الشوارع الذين يشكلون وقودا لانتشار الجريمة، بالإضافة لحملات التوعية المتعددة. وأشارت يونس، إلي أن أطفال الشوارع ليسوا فقط الأطفال المشردين دون أهل، بل إن منهم من تم الدفع به إلي الشوارع من قبل أهله للحصول علي المال.. وأوضحت، أن وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية، نظمت مؤخراً مؤتمرا وطنيا في القاهرة لمعالجة المشاكل التي تطرحها ظاهرة أطفال الشوارع، وكان من بين الحلول المطروحة خلال المؤتمر إقامة معسكر خارج القاهرة لإعادة تأهيل أطفال الشوارع، مشيرة إلي أن الفريق يجري حالياً دراسة حول الأطفال المستهدفين في المرحلة الأولي. أزمة مجتمعية أطفال الشوارع إحدي الظواهر المرتبطة بالوضع الاقتصادي داخل المجتمع. هذا ما أكدته الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، وقالت: "عندما نتحدث عن تلك الأزمة يجب أن نضع في الاعتبار الحالة الاقتصادية التي يمر بها المجتمع المصري، وكذلك العادات والتقاليد السائدة حول هذه الظاهرة، ولا ننسي أن تلك الظاهرة استمرت لسنوات عديدة ولا يمكن حلها بين ليلة وضحاها. وأكدت خضر أن انتشار بعض الصناعات والحرف التي تعتمد علي الأطفال وكذلك العمل في مترو الانفاق أو في الشارع يدفع كثيرين للخروج من المنزل، علاوة علي إهمال العديد من الأسر الفقيرة للأطفال نتيجة لأميتها في تسجيل أبنائهم في المدارس. ووضعت أستاذة علم الاجتماع، عدداً من المقترحات التي يجب اتباعها لمواجهة تلك الظاهرة، ومنها توسيع الحماية التشريعية للأطفال العاملين لتشمل القطاعات الأكبر في عمالة الأطفال وذلك لحماية وتأمين هؤلاء الأطفال والحد من استغلالهم. "وكذلك خلق آليات فعالة لرصد الظاهرة والوقوف علي حجمها الحقيقي وعمل إحصاءات بتعداد هؤلاء الأطفال وأماكن تواجدهم ، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني كشريك أساسي في عملية الرقابة علي المؤسسات التي يعمل بها الأطفال". ونادت بضرورة الاستماع إلي هؤلاء الأطفال وإشراكهم عند التخطيط للحد من الظاهرة، ورفع وعي المجتمع تجاه مخاطر وجود أطفال الشوارع وتأثيرهم السلبي علي أنفسهم والمجتمع. ومن ناحية أخري أكدت خضر أن تطوير العملية التعليمية وكذلك المناهج، سيعمل علي الحد من انتشار ظاهرة التسرب من التعليم والتي تمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء نمو ظاهرة أطفال الشوارع.