لا ينكر أدباء في مصر أنهم يمارسون سلطة علي نصوصهم، يعترفون أن حرية البوح تصطدم بموروثات عاشت بداخلهم وتكونت في بيئة شرقية تقصي في الغالب ما يشكك في المعتقد الديني، وتخشي الاقتراب من عرين الجنس، وتعيد التفكير قبل أن تهدم المسلمات السياسية الراسخة، في الوقت الذي يتمرد فيه البعض علي كل الثوابت باستخدام الرمز أو يخاطر بالوقوع في فخ الفجاجة. يشبّه عبده الزراع لحظة الكتابة بالمخاض عند المرأة، يقول إنها تأتي للمبدع بعد اختمارها فلا يرتاح إلا بعد أن يصبها صبا علي الورق، أو يكتبها مباشرة علي الحاسوب، متخلصا من حمولتها التي هي خليط بين المتعة والعذاب. يضيف: يكتب المبدع وهو منفصل عن كل من حوله ، ورغم ذلك يكون لديه وعي بما يسطر، ناتج عن خبرته الطويلة في الكتابة، وثقافة تحميه من الوقوع في براثن التابو «الجنس/ السياسة/ الدين». يعترف الزراع أن الكاتب ناقد بذاته، ولديه رقيب داخلي يفلتر نصوصه كي تتفق ورؤيته الإبداعية، وإيمانه بقضيته السياسية، أو موقفه الفلسفي من الحياة أو الدين. يؤكد: نعم هو رقيب علي إبداعه، يرجع إلي ما يكتبه مرات ليجوده ، ويضيف ويحذف حتي يراه من وجهة نظره- في أفضل صورة، قبل أن يدفع به للنشر. يأسف رئيس تحرير مجلة قطر الندي من أدباء يأخذون موقف الرقيب علي إبداعات الآخرين، ويتهمونها بالخروج عن السياق الأخلاقي، رغم أن الإبداع لا يخضع للأخلاق بالمعني السطحي، فلو خلا الإبداع من الشطط، يعد إبداعا عقيما وتقريريا يتعب الخيال بالعمق والجوهر للعملية الإبداعية، ويعتقد أن هذا الدور ليس دور المبدع، بقدر ما هو دور ناقد غائب ترك الساحة للأدعياء وأنصاف المواهب، ليمارسوا دور الرقيب، دونما علم أو دراية بالنقد. يبرر حسن أبو بكر ممارسة الأديب رقابة ذاتية علي إبداعه لإحساسه بالمسئولية أمام نفسه والمجتمع، هذه المسئولية التي تجعله حريصا علي جلب المنفعة ودفع الضرر. يشرح أبو بكر أن رقابة المبدع لا تتعارض مع دوره في تطوير مجتمعه وتخليصه من عاداته السيئة، وينفي عن هذه المسئولية تهمة الخنوع للمجتمع والرضوخ لسلطته ، ويري أنها تساعده في القيام بهذا الدور. ويتابع: يراقب الكاتب نفسه أحيانا تحاشيا لخطر مادي أو معنوي قد يتعرض له، وأنا ككاتب أعيش في مجتمع ريفي يفرض عليّ ممارسة رقابة شديدة علي قلمي في كل ما يكتب، لأن هذه المجتمعات مكبلة بعادات وتقاليد لابد أن نكون حريصين علي استمرارها لتحاشي الفجاجة، فليس من المسئولية أن تشعل كتاباتي فتنة قبلية، تهلك أرواحا، وهذا يصعب مهمة الكاتب في مثل هذه المجتمعات لأنه مطالب بأن يحقق معادلة صعبة : تفكيك ما يصيب المجتمع بحرفية جراح يستأصل ورما خبيثا ويحافظ في الوقت نفسه علي سلامة أعضاء الجسم. تشكو سوزان عبد العال: داخلي انفجار يعيقه عيون خمسين مراقبا بداخلي وتراث طويل ومحاذير ومعاناة ست شرقية. تبوح: زوجي اقترن بي وهو يدرك أني شاعرة ومع ذلك لازال يبحث عن الآخر في قصائدي ويشخصن كل جملة لدرجة أنني أضطر لشرح ما أكتب. إنه يسرب لي الهاجس حتي لو كنت في حالة تمرد علي الفكرة. يوضح دسوقي الخطاري أن التابو أو المحاذير الثلاثة (السياسة الجنس الدين) مصطلح عرفناه منذ نعومة أظافرنا، ونبهنا إليه السابقون في مجال الكتابة من أساتذتنا، وكان ثقله علي النفس ككابوس ورغم ذلك كان لابد أن نكتب وإلا فلا معني لحياتنا. ويحرض: لابد أن نخرج ما في داخلنا من نيران تتأجج أيا كان الثمن نتعرض للتحذير أحيانا وبالحرمان من أبسط حقوقنا والتهديد بالفصل من العمل والوعيد بالتشرد أحيانا أخري. يشير رئيس نادي أدب نقادة: يقبض علينا لأتفه الأسباب فيما بعد ، كنا شبابا!.. والشباب دائما هم حملة المشاعل والخطوط الأولي لكل تغيير وتبديل لكل تجديد وتحديث وما أعرنا تابوهاتهم المزعومة نظرة اهتمام واحدة ولو من قبيل الخطأ ، لجأنا للترميز مرة وللإسقاطات أخري فمن الشجاعة أن تجبن ساعة ، تحملنا الكثير والكثير حبا في الكتابة وعشقا للأدب وتضمنت أعمالنا الجم من الموضوعات التي كتبت صريحة وقرئت علنا دون خوف من سلطة حتي أصبحنا لا نري في رؤوسنا خصلة شعر بيضاء وحتي أصبحنا نتمسك بكل مكتسب وحرية نلناها ولو ضحينا من أجل ذلك بكل غال ورخيص لن نسمح بأن يري أبناؤنا ما رأينا من اضطهاد وتعنت. ينظر فتحي حمد الله إلي التابوهات الثلاثة علي أنها مطايا ويقول: المبدع الحقيقي هو الذي يطأهن في رحلته الإبداعية دون أن يسبب حرجاً لدي متلقيه أو الكيانات المختلفة من حوله، ومنهم من يستخدمها بوعي وقناعة ومنهم دون ذلك من يقلد ويركب موجه المختلف، الأول يوظف هذه التابوهات من أجل قضية مؤمن بها والآخر يريد دغدغة مشاعر المتلقي وكسباً للشهرة ولو تأملنا المحرمات: الدين والجنس والسياسة لوجدنا أن بطش الأخير أشد غير أن الأعوام الأخيرة خففت من وطأة هذا البطش مع غياب الدولة. يثق حمد الله أن المبدع الأصيل هو من يصنع لقلمه ضميراً موازيا ً يمكنه من تدقيق ما يكتب ويفرز من إبداع كيلا يتعرض لتجربة الرقابة المفروضة عليه من الآخر . غير أن الاحتراس هذا لا يجب أن يكون بنوع من الصرامة والشدة ، وينصح: لا بد أن يكون سلساً حتي لا يصاب إبداعنا في مقتل ويحوله لمسخ ومجرد مواعظ مباشرة بعيدة عن التحليق والطيران بعيدا ً في سماء الجديد والمختلف والمبهج. يري فتحي أن الوقت كفيل ب«غربلة» الحقيقي والواقعي وفصله عن المزيف الطائش الباحث عن عرش لن يدوم، فقط هو مجرد نجاح وقتي زائل لا محالة. ومسألة إحساس المبدع بفرض رقابة عليه مسألة شائكة ربما لا تنمي فيه الرغبة في تحقيق الرقابة الذاتية تلك، ولا يعضدها سوي إحساسه بأن أحداً لا ينتظره علي باب المطبعة ويأمل في الأيام القادمة ألا نري إعادة لنموذج فترة الستينيات مرة أخري. علي العكس تشعر مني عبد الكريم أن الكتابة بالنسبة لها طريقة في البوح عما يؤرقها، ومساحة للفضفضة، إحساس بالونس. تمتدح الإبداع: المساحات البيضاء للورق هي حيز الخصوصية الذي يمكني من خلق عالمي دون دخلاء، مساحة لسرد تفاصيلي، ولاختيار شخصياتي ورموزي ودلالتي، للتعبير الحر عن ذاتي، دون حاجة للتفسير والتبرير وخلق الأعذار. ترفض «مني» أن تحاول ممارسة رقابة علي ما تكتب فتقول: يخرج في صورة مغايرة في شكل صور أراها داخلي في عالمي الموازي، ربما لأن ما أكتبه ينتمي أكثر لمساحة أدب مناجاة الذات، حين تخرج قصصي لتجمع بين الواقع والخيال بين ما حدث بالفعل وما يحدث داخل أحلامي وأفكاري.