"منع حبيب العادلي الحشيش...الناس صحيت فقامت الثورة"..تلخص تلك الجملة الساخرة والمتداولة علي نطاق واسع بين أوساط المدمنين، حقيقة العلاقة بين المخدرات بأنواعها والسياسة بكواليسها، في سنوات الثورة المضطربة، فالبعض فضل اللجوء إلي عالم الأوهام والهرب من تعقد المشهد السياسي، بعدما تأكد أن لا حل لدي أهل السياسة لمشاكل البطالة وانهيار الاقتصاد وتردي التعليم، وأن المستقبل الفردي والجمعي في محل الغيب، فالأسئلة المطروحة أكثر من أن يقدم لها السياسيون إجابات ناجعة. تجار المخدرات لا ينكرون الأثر الإيجابي للثورة علي تنمية تجارتهم المحرمة، فالمخدرات انتعشت، وتوسع سوقها، والشرطة متعثرة، والربح وفير، فماذا يريد التجار أكثر من ذلك؟!، فوفقاً لتقارير رسمية لا تقل حجم تجارة المخدرات في كل سنة من السنوات التالية علي الثورة عن 12 مليار جنيه، بعدما وصل عدد المدمنين في مصر إلي ما يزيد علي10ملايين، أي نحو 10% من إجمالي السكان، غالبيتهم من الشباب، وهو ما يكشف عن انفراجة في أزمة توفير الحشيش، ففي عام 2010 أطلق المغني الشعبي شعبان عبدالرحيم، أغنية جاءت كلماتها تنعي الحشيش، تقول: "حتي الحشيش بقي فيه أزمة..عامل قلق من غير لازمة..مافيش لاحتة في كم قميص..ولا في الشراب ولا في الجزمة"، ربما يخرج مطرب شعبي الآن للحديث عن وفرة الحشيش وغيره من المخدرات. استغلال تجار المخدرات للأوضاع السياسية بتجلياتها علي الوضع الأمني ومزاج الشعب المصري، لم يكن وحده فالبعض استغل واقعة ضبط نجل الرئيس المعزول محمد مرسي، في واقعة تعاطي "حشيش"، لتتحول إلي قضية سياسية بامتياز، فأنصار مرسي اعتبروا الواقعة ملفقة من الأساس ومحاولة رخيصة لتشويه أسرة المعزول، بينما رأي البعض فيها واقعة صحيحة تثبت انتشار تعاطي الحشيش بين فئات الشباب المختلفة بغض النظر عن الوضع الاجتماعي. التغيرات السياسية التي تمر بها مصر علي مدار السنوات الثلاث المنصرمة، أثرت ولا شك علي طبيعة عالم المخدرات وأعادت تشكيله، وهو ما أكده اللواء طلعت مسلم، الخبير الأمني، قائلاً ل"آخر ساعة" إن التغيرات السياسية التي أعقبت ثورة "25 يناير" والتي استهدفت في جزء منها جهاز الشرطة ثم المواجهات المفتوحة بين فريق من الثوار وقوات الشرطة، ما أدي إلي إضعاف القبضة الأمنية، ثم انتشار العمليات الإرهابية، وانتشار الجماعات الجهادية في سيناء والتي استخدمت الأنفاق مع قطاع غزة في إدخال كميات ضخمة من المخدرات إلي مصر، كما أن الأوضاع السياسية التي جاءت مع تعثر الثورة زادت من نسبة المحبطين وبالتالي نسبة من يتناولون المخدرات. حديث مسلم له صدي علي أرض الواقع فوفقاً للإحصاءات الخاصة بصندوق مكافحة المخدرات وعلاج الإدمان، فإن نسبة متعاطي المخدرات زادت بنسبة 50% بعد الثورة، كما شهدت خريطة المخدرات تغيرات جذرية، فتصدر الترامادول قائمة الممنوعات التي يقبل عليها المصريون بنسبة 45% فيما حل الحشيش ثانياً بنسبة 21% فيما توزعت النسبة الباقية بين أنواع المخدرات المختلفة، في حين أكد مركز البحوث الاجتماعية أن مصر تحتل المرتبة الثانية في الإدمان علي مستوي القارة الأفريقية. من جهته، قال الدكتور إبراهيم عيسي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة "عين شمس"، إن زيادة معدلات الإدمان ربما يرتبط بالأوضاع السياسية في الفترة التالية علي ثورة "25 يناير"، خاصة مع وصول جماعة "الإخوان" الإرهابية إلي الحكم ما تسبب في سعي البعض للهرب من الواقع الكئيب بزيادة جرعات التعاطي لتغييب الوعي، كما أن تعاطي المخدرات يمكن أن يكون أحد الأسباب في تزايد عنف أنصار الإخوان ورغبتهم في قتل الغير خلال مظاهراتهم، خاصة أن المخدرات تذهب العقل وتكسب المرء جراءة وعدم قدرة علي تحديد مسئولية الأفعال. وأشار عيسي إلي أن مصر محاطة بالعديد من الأعداء، الذين يسعون إلي نشر المخدرات في المجتمع المصري، حتي يسقط من داخله دون تدخل خارجي ما يمكن من التلاعب بأقدار المصريين دون تدخل مباشر، من هنا يأتي ارتباط المخدرات بالسياسة، فعلي الرئيس القادم -الذي أعتقد أنه سيكون المشير السيسي- العمل علي محاربة تجارة المخدرات بلا رحمة ولا هوادة، من خلال تغليظ العقوبات وفتح مراكز العلاج وإعدادها وفقاً لآخر ما وصل إليه العلم في العالم. في السياق، أكد الدكتور عبدالمنعم الجميعي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الفيوم، أن المخدرات تم استخدامها سياسياً منذ سنوات خاصة من قبل الدول الاستعمارية الغربية، فعلي سبيل المثال خاضت بريطانيا الحرب علي الصين، بسبب رفض الأخيرة الاستمرار في تجارة الأفيون، لكن بريطانيا التي انتصرت في حرب الأفيون، فتحت الأسواق الصينية لاستقبال المخدرات كخطوة أولي لإسقاط المجتمع الصيني وإجباره علي الخضوع للقوي الاستعمارية في القرن التاسع عشر. وتابع الجميعي: "إسرائيل باعتبارها وريثة الاستعمار الغربي كررت نفس الأسلوب مع الدول العربية، فمن المعروف أن إسرائيل من أهم الدول التي تصدر المواد المخدرة، علي الرغم من أنها لا تنتج إلا كميات صغيرة، إلا أنها تعد من دول الترانزيت، حيث تستورد من الدول المصنعة للمخدرات وتقوم عصابات بتوزيعها بين الدول العربية لتدمير شباب العرب". وأشار الجميعي إلي أن انتشار المخدرات في مصر يرتبط بالأوضاع السياسة وانتشار الظلم السياسي في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهي ظاهرة قديمة في مصر تعود إلي أيام عصر المماليك، فعندما يشعر غالبية الشعب من الشباب بانغلاق أفق التغيير يسعي البعض للاحتجاج بأكثر من وسيلة من بينها المخدرات لنسيان قهر الحاكم.