هو ثالث ثلاثة كانوا داخل غرفة نوم الرئيس جمال عبدالناصر وقت وفاة الرئيس.. إنه الدكتور الصاوي محمود حبيب.. الطبيب المرافق والملازم للرئيس جمال عبد الناصر في الفترة من يوليو 1967 وحتي وفاته.. وقد ظل الدكتور الصاوي حبيب هو الشاهد الوحيد بعد وفاة الدكتور منصور فايز والدكتور زكي الرملي مبتعدا عن الضجيج وملتزما الصمت لسنوات طويلة بعد وفاة عبدالناصر.. في حين تحدث الكثيرون عبر صفحات الجرائد علي مدي سنوات طويلة عن الوفاة دون أن يكونوا قد حضروها. لقد تناولت أقلام كثيرة الحالة الصحية للرئيس عبدالناصر وسبب وفاته.. فقد ذكر البعض أنه مات بالإهمال أو مات بالسم.. أو نتيجة تآمر.. مما دفع الدكتور الصاوي لأن يتكلم ويكشف الحقائق كاملة حول موت الرئيس عبدالناصر.. قائلا: شعرت بأن الكتابة عما أعرفه ضرورة والسكوت عنه خطأ كبير. أسرار موت عبد الناصر الدكتور الصاوي يحدد الفترة التي لازم فيها الرئيس عبدالناصر كطبيب خاص قائلا: لازمت الرئيس عبدالناصر ثلاث سنوات وأربعة أشهر يوميا، وأحيانا مرتين أو ثلاث مرات في اليوم الواحد.. وسافرت معه جميع سفرياته اعتبارا من يونيو 1967 وحتي اللحظة الأخيرة التي فارق فيها الحياة.. ولم يحدث أن تناول علاجا لم أعرفه أو أجريت له أبحاث معملية أو صور أشعة ولم أكن موجودا.. أليس هذا كافيا لأن أكون شاهد عيان؟! لكن كيف تقرر أن يكون الدكتور الصاوي حبيب طبيب الرئيس الخاص ولم يمض علي تخرجه في كلية الطب بقصر العيني سوي خمسة عشر عاما؟ وما المرة الأولي التي تولي فيها علاج عبدالناصر؟.. وكيف كان يتعامل مع هذه الشخصية التي تتمتع بكل هذا الدوي وتلك المكانة؟ طبيب أطفال.. يعالج الرئيس! وقبل أن يتكلم الدكتور الصاوي حبيب ويكشف الحقائق كاملة.. سنعرض للشائعات التي ملأت الصحف ونالت من كل شيء. لقد وصل الأمر في هذه الشائعات المكتوبة بالصحف والكتب نقلا عن مسئولين كبار بجهاز رئاسة الجمهورية أن ذكرت أن الدكتور الصاوي حبيب كان طبيبا للأطفال! وهو مافرض سؤالا استنكاريا: كيف لطبيب أطفال أن يعالج جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة؟.. وكيف أعطاه حقنة خاطئة كانت سببا في الوفاة؟! يرد الدكتور الصاوي قائلا: قرأت في جريدة الأهرام يوم 1968/9/8 في عمود الأستاذ صلاح منتصر نقلا عن حديث لكبير الأمناء الأسبق برئاسة الجمهورية «صلاح الشاهد» - رحمه الله نشر في إحدي المجلات العربية بتاريخ 1986/7/11 أن عبدالناصر أصيب بغيبوبة في المطار بعد أن ودع أمير الكويت في آخر قمة عربية شهدها في سبتمبر 1970.. وهذا لم يحدث ولم يذكره أحد من عشرات الحاضرين والصحفيين الذين كانوا في المطار، ولم يذكره لي الرئيس عبدالناصر عندما قابلته في منزله. وقال نقلا عن كبير الأمناء أيضا أنني طبيب أطفال.. وأقول: أنا حاصل علي دبلومات في الجراحة العامة وجراحة المسالك البولية والباطنة العامة والقلب والأوعية الدموية ودكتوراه في الباطنة.. ولم أكن يوما طبيب أطفال. وقال كبير الأمناء أيضا إنني أعطيت الرئيس حقنة «أنتستين بريفين».. وهي ليست حقنة ولكن نقط أنف.. وهذا لم يحدث.. وما أخذه الرئيس كان حقنة لعلاج القلب.. وقال كبير الأمناء إنه مات علي الفور عقب الحقنة.. ولم يحدث ذلك، فقد بقي علي قيد الحياة مدة تزيد علي ساعة ونصف الساعة، بعد وصوله إلي منزله.. وذكر أن الحاضرين في غرفة نوم الرئيس لم يكن فيهم طبيب قلب.. والحضور كانوا: الأستاذ الدكتور منصور فايز وهو أستاذ الباطنة التي تشمل القلب.. والأستاذ الدكتور زكي الرملي وهوأستاذ القلب.. وأنا (كنت حاصلا إلي جانب دكتوراه الباطنة علي دبلوم القلب).. والحقيقة أن جميع الصحف تداولت الخبر فرفعت دعوي سب وقذف ظلت متداولة بالمحاكم بما في ذلك محكمة النقض لأكثر من أربعة عشر عاما.. وفي النهاية أنصفني القضاء العادل وحكمت لي المحكمة بتعوض 50 ألف جنيه وإن كنت لم أحصل علي التعويض الذي حكمت به المحكمة نظرا لرحيل الشاهد وصعوبة تنفيذ الحكم في الورثة. حكاية الفريق فوزي ويواصل الدكتور الصاوي حبيب كلامه حول الشائعات التي انتشرت بعد رحيل الرئيس عبدالناصر حول وفاته فيقول: قيل لي يوما إن الفريق محمد فوزي وزير الدفاع وقتها ذكر في إحدي الفضائيات أنه أمسك بي أثناء وفاة الرئيس عبدالناصر طالبا مني أن أستمر في محاولات إنقاذه، وهذا لم يحدث فأنا لم أره ولم أقابله يوم الوفاة.. وهو أيضا لم يكن بجوار الرئيس ساعة الوفاة.. كنا نحن فقط أطباءه الثلاثة الحاضرين حتي أسرته كانت خارج حجرته ساعة الوفاة.. وعندما علمت السيدة قرينته بالخبر حدث لها نفسها اضطراب في ضربات القلب الذي يتسم بالسرعة الشديدة، وكانت هذه النوبات تعاودها بين حين وآخر.. ولقد تابعت حالتها عقب الوفاة فترة لا تقل عن ساعتين أو ثلاث لمتابعة حالتها.. وهي لم تكن مريضة بالقلب، وماحدث وقتها لا يعتبر مرضا. فنوبات سرعة ضربات القلب من الوارد أن تصيب الإنسان أحيانا بصرف النظر عن سببها.. ولقد كان انفعالها الشديد أمام خبر وفاة الرئيس عبدالناصر سببا لتلك النوبة. ويواصل د. الصاوي حبيب حديثه عن الشائعات حول موت الرئيس فيقول: إن إحدي المجلات نشرت حديثا عن الفريق الدكتور رفاعي كامل استشاري القلب ذكرت فيه أنه كان طبيب عبدالناصر وأنه توفي بغيبوبة سكر.. والحقيقة أنه لم يصب بغيبوبة قبل الوفاة ولم يصب بنقص في السكر فأول شيء تناوله الرئيس بعد وصوله من المطار كان كوب عصير برتقال من يد السيدة حرمه، كان معتادا تناوله عند شعوره بالتعب أو إجهاد.. وفوق هذا وذاك لم يكن الدكتور رفاعي كامل طبيبه ولم أره يكشف عليه أو يحضر إلي منزله مرة واحدة طوال فترة عملي. ونشر أكثر من مرة أن عميد كلية العلاج الطبيعي «الدكتور علي العطفي» والذي أهين وسجن بتهمة العمالة لإسرائيل قام بعمل تدليك لساقي الرئيس عبدالناصر بمادة سامة سببت وفاته.. والحقيقة أنه لم يقابل الرئيس عبدالناصر ولم يدخل منزله ولم يدلك ساقيه طوال فترة عمله مع الرئيس، بل إنني حتي الآن لا أعرف عنه شيئا ولم أسمع اسمه أثناء وجود عبدالناصر علي قيد الحياة. مياه تسخالطوبو مسممة! أيضا نشر أن المياه الطبيعية التي عولج الرئيس في مصحة تسخالطوبو بروسيا مسممة وأنها سببت وفاته.. وفي الحقيقة أن نفس الجلسات التي أخذها الرئيس أخذتها أنا أيضا من نفس المياه علي سبيل التجربة وبالتالي فلا مجال للقول إنها مسممة، فضلا عن أنني شاهدت حفاوة الروس بالرئيس عبدالناصر واهتمامهم الكبير بصحته حتي إن وزير الصحة الروسي وكبير أطباء القلب الروس البروفيسيور شازوف أشرفا علي الكشف عليه مع أكبر الأساتذة الروس في مختلف التخصصات حتي إنه تقديرا لاهتمامهم به امتنع عبدالناصر عن التدخين في روسيا في يوليو 1968 ولم يعد إليه بعد ذلك. من غرفة نوم عبدالناصر لكن كيف جرت وقائع اليوم الأخير في حياة الرئيس عبدالناصر.. وماهي تفاصيل الساعات الأخيرة في غرفة نوم الرئيس قبل رحيله.. ومن هم حضور الوفاة؟ الدكتور الصاوي يكشف التفاصيل قائلا: في صباح يوم وفاة الرئيس عبدالناصر كنت قد ذهبت للكشف عليه كما هو المعتاد يوميا.. وكان قد عاد للإقامة في منزله بمنشية البكري بعد أن كان مقيما في فندق النيل هيلتون مع وفود مؤتمر القمة العربية الذي بذل خلاله مجهودا جبارا كما هو معروف عقب الأحداث المؤسفة ضد الفلسطينيين في الأردن. دخلت عليه في الساعة الحادية عشرة والثلث في الصباح حيث كان يستعد للذهاب إلي المطار لتوديع ضيوف مؤتمر القمة.. وكان من المقرر أن يستريح بعد ذلك خلال إجازة يحصل عليها في مكان لم يكن قد تم تحديده بعد. وبالكشف عليه في ذلك الصباح وجدت ضربة عشوائية أو ضربتين في رسم القلب وهذا يؤخذ علي أنه تعب وإرهاق. وأتذكر أن مثل تلك الضربات كانت تظهر في رسم القلب له عندما يكون مرهقا. لذلك فقد قلت له بعد الانتهاء من الكشف أن الإجازة أمر ضروري جدا له من الناحية الصحية. وأتذكر قال لي بالنص أنه في نهاية هذا النهار سيصبح «فاضي» علي حد تعبيره الرئيس عبدالناصر.