سوف أكسر القاعدة الجماهيرية الممتدة من أوائل القرن الماضي وحتي الآن وهي تقديس صوت السيدة المحترمة أم كلثوم التي يذكرني أداؤها الرخيم (في أغانيها الأخيرة) بصوت رجل أخطأ طريقه إلي جسد امرأة، وإن كانت كأنثي أيضا لا تشبه ولا تقترب من نعومة النساء المعتادة فكأنها بذلك تمثال رخام حاد القسمات، وكأنها في قولها مثلا: «دوق معايا الحب حبة بحبة» قد دست السم لحبيب جرؤ علي خيانتها. لم أستوعب أغاني أم كلثوم إلا من حنجرة المطربة المعتزلة سوزان عطية التي كانت تدلل الكلام واللحن علي صوتها الأخاذ ثم فيما بعد المطربة الشابة ذات الصوت الماسي آمال ماهر التي قدمت للأجيال الجديدة أغنيات السيدة أم كلثوم بأداء مبهر وعصري وأنثوي مثلها في ذلك مثل المعتزلة سوزان عطية. هذا بالضبط ما كان ينقص أم كلثوم: الأنوثة التي تتطلبها الكلمات التي تغنيها وكذلك النعومة التي كانت تفتقدها تماما فكنت ولازلت أشعر كلما استمعت إليها أنها ناظرة مدرسة تتلو درسا علي تلاميذ بلداء.. هل كانت أم كلثوم فتاة أحلام للشباب علي كثرة ما غنت للحب؟ الإجابة بالطبع: لا، فلا صوتها الضخم الجهوري ولا وقفتها كوتد علي المسرح يؤهلانها لذلك، أما عبدالحليم حافظ والعظيمة فيروز عنوان أبدي للحب والعشق والرومانسية والأحلام وطبعا محمد عبدالوهاب كان في زمنه سيدا للعشق والرقة والرومانسية والإحساس الرفيع. إذن أم كلثوم لا تصلح للحب في رأيي، إلا إذا كان حب الوطن، فقد أحسنت حين غنت «إنا فدائيون» أو «مصر التي في خاطري» أو «طوف وشوف».. فصوتها الضخم لا يصلح لرقة الحب ووهن العشق، وعلي من يريد مراجعة وجهة نظري في أم كلثوم بموضوعية أن يستمع إليها في أغنية عاطفية ليكتشف الجبروت الرهيب في أدائها مقارنة بأداء الشابة الجميلة آمال ماهر لنفس الأغنية.. وبالمناسبة صوت آمال ماهر لا يقل قوة عن صوت أم كلثوم وقد اختبرها الموسيقيون وأكدوا ذلك.. ويبقي ألا ننسي الكلمات والألحان التي صنعت أسطورة أم كلثوم والتي عاشت لتغنيها مطربات مثل آمال ماهر بأسلوبها الآسر.