أوباما يثير الأزمة لتصدير الغاز الأمريكي لأوروبا أمن الطاقة للقارة العجوز عالق بين الدب الروسي والعم سام بين التهديد بالتصعيد واللجوء إلي التهدئة والسعي في المفاوضات الدبلوماسية، لا تزال الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها علي الساحة الدولية، لتدخل الحرب الباردة الغرب وروسيا مرحلة جديدة، خاصة بعد تصويت سكان شبة جزيرة القرم ذات الأغلبية الروسية بأغلبية ساحقة للانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلي الدب الروسي. ومع قرار إبعاد موسكو عن مجموعة الثمانية وفرض عقوبات اقتصادية عليها قد يصل بعضها بتعليق الدول الأوروبية استيراد الغاز الطبيعي، اهتمت الصحف الأمريكية والبريطانية بإعادة ترتيب أوراق اللعبة مجددًا، لمعرفة من المستفيد من هذا الصراع؟ تصاعد الخلاف بين العم سام والدب الروسي، عقب فرض الأخيرة سيطرتها الكاملة علي القرم، ورفع علمها فوق جميع الوحدات العسكرية في شبه الجزيرة، بعد أقل من أسبوع من توقيع الرئيس فلاديمير بوتين مرسوماً بضم القرم إلي روسيا. ومن ناحية أخري، صادقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي علي مشروع قانون يتضمن دعما لأوكرانيا، ويفرض عقوبات علي موسكو. وينص "قانون دعم أوكرانيا" علي تدعيم سيادة البلاد، ومؤسساتها الديمقراطية، وتطبيق عقوبات علي كل من يريدون النيل من استقرارها واستقلالها. فيما تري صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية خطاب الرئيس باراك أوباما في بروكسل الأسبوع الماضي، وهجومه المباشر علي روسيا ومطالبتها بأن تظهر احتراماً للقانون الدولي، وتأكيده أن ضمها للقرم لن يعترف به الغرب أبداً، ما هو إلا مقدمة لتصعيد وفرض عقوبات عليها، ودعوة واضحة للانضمام إلي مقاومة تحدي الدب الروسي للأعراف الدولية. وحذر من أن عزلة روسيا ستصبح أكثر عمقاً إذا واصلت السير علي النهج الحالي، معتبراً أن الثمن علي اقتصاد روسيا وعلي وضعها في العالم سيزداد كلفة. وقال أوباما أيضاً إن الأزمة الأوكرانية تشكل لحظة اختبار لأوروبا والولاياتالمتحدة والنظام الدولي. وتصف مجلة فورين بوليسي الأمريكية، ضم القرم بالخطوة الطبيعية التي كان لها أن تحدث منذ عام 1991 عندما تفكك الاتحاد السوفيتي، نظراً لانتمائها الجغرافي والعرقي إلي روسيا. فيما تري المجلة أن موسكو تنظر إلي الأزمة علي أنها استمرار لخطة الغرب لتقويض قوتها العسكرية ومن ثم إضعافها حتي لا تعود أمجاد الاتحاد السوفيتي مجدداً. لقد دفع الغرب باستفزازاته لبوتين دفعاً إلي المزيد من التصعيد والردود العدوانية والمتطرفة في أوكرانيا، حتي مهد لموسكو الطريق لضم القرم رسمياً في إطار استفتاء طالب باستقلال شبه الجزيرة عن أوكرانيا وضمها إلي روسيا. فقد عملت الولاياتالمتحدة علي تأجيج الصراع في كييف ودعم المعارضة الأوكرانية التي عزلت الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، لتطويق الدب الروسي ومحاصرته علي الصعيد السياسي والاقتصادي، خاصة أنها من أهم الدول المصدرة للغاز إلي الدول الأوروبية. لذا قرر بوتين القيام بمثل هذه الخطوة لأنه لو لم يفعل ذلك لأصبحت القواعد العسكرية الروسية في منطقة البحر الأسود مهددة بالرحيل، خصوصاً بعد وصول المعارضة الأوكرانية إلي السلطة والعداء الذي تكنه تجاه موسكو. كما لوح باستخدام سلاح الغاز ضد جيرانه الأوروبيين رداً علي احتمال فرض عقوبات اقتصادية. ويري المحللون ب"صحيفة فايننشال تايمز" أن الصراع المشتعل بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةوروسيا حول أوكرانيا، يصب في النهاية لصالح واشنطن أكبر بلد منتج للغاز الصخري في العالم الآن. فالأزمة ليس لها صلة بالحريات والديمقراطية وسيادة الدول، الأمر برمته ما هو إلا صراع علي المصالح حيث تريد أمريكا مد أوروبا بالغاز لتقليل اعتمادها علي الوقود الروسي، ومن ثم فتح أسواق في القارة العجوز للغاز الأمريكي الجديد ومحاولات إحلاله بدلاً من الطاقة الروسية. واستندت الصحيفة إلي خطاب أوباما أثناء قمة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، إذ حث قادة هذه الدول علي تنويع اقتصاداتها المتعلقة بالطاقة لجهة التخفيض التدريجي في الاعتماد علي الطاقة الروسية، والاتجاه في المستقبل نحو تزويد واشنطن لأوروبا مصادر الطاقة المتعددة. وتعتقد الإدارة الأمريكية أن التخلي الأوروبي عن الغاز الروسي سيحرر رقبة الأولي من قبضة بوتين الحديدية، لأن بلاده تصدر أكثر من ثلث إنتاجها من الطاقة إلي أوروبا الغربية. وبهذا تكون الولاياتالمتحدة وجهت صفعة قوية للاقتصاد الروسي، وتمكنت من إعادة رسم خارطة الدول الغربية، معتمدة علي حلف قوي ومتماسك يعززها في مواجهة موسكو. ولكن ستظل مصالح الدول الأوروبية معلقة لحين أن تفي واشنطن بوعودها بتصدير الغاز اللازم لسد احتياجاتها. وطالبت الدول الأوروبية، التي تعتمد علي الغاز الروسي أوباما والكونجرس لتخفيف القيود المفروضة علي تصدير الطاقة. ومن هذه الدول ليتوانيا التي تحصل علي كل غازها الطبيعي من روسيا، وتعمل الآن في بناء محطة لاستيراد الغاز المسال، بعد أن أثبتت الأزمة أوكرانية ضرورة إيجاد البدائل وعدم الاعتماد علي الغاز الروسي. ولقد حث نائبان في مجلس الشيوخ الأمريكي علي الإسراع بالسماح للشركات في الولاياتالمتحدة بتصدير الغاز الصخري للقارة العجوز بأسرع وقت لاحتواء السيطرة الروسية التي تستخدم ورقة ضغط بين الحين والآخر علي الحلفاء الأوروبيين. ومن ناحية أخري، قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن بلاده لا تنوي إرسال جنودها إلي أوكرانيا، موضحاً بعدم وجود النية ولا المصلحة لدي الروس في عبور الحدود إلي الأراضي الأوكرانية. وأضاف لافروف قائلا إن موسكو مستعدة لحماية حقوق الروس والأشخاص الناطقين باللغة الروسية وذلك باستخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية والقانونية المتاحة. ويأتي حديث لافروف في أعقاب مكالمة هاتفية بين أوباما وبوتين، ناقشا خلالها سبل إيجاد حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية. وتدعو الخطة الأمريكية إلي وقف حشود روسيا العسكرية علي الحدود مع أوكرانيا ونشر مراقبين دوليين في القرم وسحب جنودها إلي قواعدهم في شبة الجزيرة كما كان الوضع في السابق.