أجواء الفرح النوبى لم يكن أحد من أهل النوبة يعلم أنه سيأتي يوم يتم فيه تهجيرهم وإبعادهم عن موطنهم الذي عاشوا وترعرعوا فيه وشهد آلامهم وأفراحهم وظلوا يحلمون طيلة نصف قرن بأن يعودوا ذات يوم إلي أمهم ليبكوا في أحضانها ويطلبون منها الصفح والمغفرة علي إثمهم العظيم بأن تركوها لشبح المدنية يسطو عليها ويغيّر معالمها العتيقة ومرت سنوات طويلة وتفرق أهل النوبة ليستقروا في مدن المحروسة ولكن بداخلهم حلم العودة للوطن وعاهدوا أنفسهم أن يعلموا تاريخهم العظيم وتراثهم الثري الي أولادهم ومن ثم إلي أحفادهم حتي لايضيع ويختفي وسط تغيرات المدينة . إلا أن بعضهم استيقظ من تلك الغفوة وقرروا أن يعيدوا سيرة أجدادهم وتراثهم العظيم من خلال الأغاني النوبية والرقصات التي اشتهرت بها بلاد الذهب علي أنغام آلاتهم من الدفوف والطبول ومجموعة آلات موسيقية يصعب علي أي صانع صنعها ويسافروا عبر المدن ليرووا تاريخهم وتراثهم وطقوسهم التي ارتبطت باسمهم وأطلقوا علي فرقتهم الوليدة اسم "نوبة نور"أو النور المتفجر من بلاد النوبة ولم يقتصر نشاطهم وحفلاتهم علي المدن المصرية بل اكتسبوا شهرة أهلتهم لأن يسافروا إلي انجلترا وفرنسا لينشروا ثقافتهم هناك ويحوزوا إعجاب أهلها الذين حلموا أن يسافروا الي تلك البلاد ويشاهدوا عجائبها وخيراتها. "أخرساعة" اقتربت أكثر من هذا الفريق وتعرفت علي تراث النوبة وأهم أغنياتهم التي حازت الإعجاب.. وأهم الصعوبات التي تقابلهم وتعوق طريقهم. تقف الفرقة المكونة من أكثر من سبعة أشخاص يشتركون معا في ملامحهم السمراء الممزوجة بطمي النيل الذي لم تغيره سمات المدينة بل ظلت تلك الملامح محفورة في وجوههم كأنها علامة الجودة أو السمة الأصيلة المميزة لهم إلي يوم مماتهم يستعدون لأن يقدموا إحدي حفلاتهم التي تشهد إقبالا جماهيريا كبيرا علي مسرح مركز المصطبة الذي فتح ذراعيه ليحتضن مواهبهم وتاريخ بلادهم، وتعتبر أغاني ليلة الحنة والأفراح بالإضافة الي أغانيهم في طقوس الزراعة والحصاد أبرز مايتغنون به ناهيك عن أغنيات التهجير التي بثوا فيها كل شجونهم وأحزانهم . يدخل الفنان أسامة بكري مؤسس الفرقة إلي المسرح لتبدأ وصلة الغناء وهو شاب تحمل ملامحه براءة ووداعة أهل النوبة ناهيك عن الابتسامة التي لا تفارق وجهه كأنها سمة من سماته الأصيلة يرتدي جلبابا أبيض يبرز جمال ابتسامته فذلك الجلباب يعد الزي الرسمي لأبناء بلاده وسرعان ماتدخل فتيات الفرقة يرتدين الجرجار النوبي الزي التقليدي لنساء النوبة وهو عبارة عن جلباب أسود طويل مزركش يزيد المرأة فتنة وجمالا ويبرز جمالها البسيط، ثم تبدأ الفرقة عزفها مستعينة بآلاتهم من الدف والطنبور والعود ليتغنوا أغاني الحنة والأفراح مثل" ألا لون يالون لولا يا للونا" بمعني "زفوا العروسة والأهل حواليها"، وكذلك أغنية "جوريدييه أنينيتو" وتعني "افرح يا عريس وارقص". يقول أسامة: جاءت فكرة تأسيس الفرقة بعد أن لاحظنا مدي إهمال شباب النوبة لتراث بلادهم وتناسيهم القسري له فذابوا في عالمهم الخاص وأصبح التراث النوبي مهددا بالضياع والزوال فجاءت فكرة إحياء تراثنا من خلال الأغاني التي تعكس حياتنا الاجتماعية وطقوسنا الحياتية في جميع المناسبات باستخدام الآلات الموسيقية التي صنعناها بأنفسنا كالدف والطنبور بالإضافة للرقصات التي اشتهرنا بها كرقصة "السمكة بري"وهي رقصة مشتركة تعتمد علي الرشاقة والحس الموسيقي المرهف. ويضيف بكري: ومنذ أن بدأنا نشاطنا علي مسرح ساقية الصاوي ومركز المصطبة حتي حزنا إعجاب الكثيرين الذين أثنوا علي تجربتنا ونقلنا تجربتنا إلي مدن مصرية عدة كما ذاعت شهرتنا في الدول الأوربية كبريطانيا وفرنسا والدنمارك وقدمنا أغانينا هناك وشاركنا في مهرجانات ثقافية بإيطاليا ونشرنا تراث بلاد الذهب . أما محمود كمال أحد أعضاء الفرقة فيقول: يشتهر أبناء النوبة بأصوات ملائكية تنتزع القلوب وأهلتهم لأن يتربعوا علي عرش الموسيقي ولعل النجم محمد منير أحد أبرز تلك الأمثلة بالإضافة إلي الفنان النوبي محمد حمام الذي غني "يا بيوت السويس" وسط المقاتلين والفدائيين أثناء حرب الاستنزاف ولا يستطيع أحد أن ينسي "حمزة علاء الدين" الذي ذاعت شهرته في أمريكا واليابان وبريطانيا وسط تجاهل بلاده به وغيرهم الكثيرون وكل هؤلاء مزجوا التراث النوبي بالموسيقي الحديثة فخرجوا بأفضل النتائج ونحاول بقدر المستطاع أن نسير علي دربهم بالإضافة لمهمتنا في الحفاظ علي التراث. وحول أهم تقاليد النوبيين في أفراحهم يقول: هناك بعض الطقوس التي ترتبط في أفراحنا ففي ليلة الحنة يتم الرقص والغناء علي آلة "الأراجيد"وهي آلة تصدر أصواتا جميلة والرقص هو شعار الجميع في تلك الليلة ثم يحضر العريس وعروسه ليلة الحنة.. يشاركان في الرقص مع الحضور.. يستمر الاحتفال بالليلة إلي ساعات متأخرة من الليل يتم إحضار صينية مليئة بالحنة الجاهزة للاستعمال ويوضع بداخلها شموع وتغطي الصينية بحنتها وشموعها بقماش التل ويتم إشعال نار في وسط صينية الحنة ويلتف حولها الشباب وأثناء الغناء يقوم أصحاب العريس وأقاربه من الرجال بالتجمع حول العريس وتخضيب يديه وقدميه بالحنة في جو يسوده الحب والفرح. أما في يوم العرس فيتم تجهيز الطعام علي قدم وساق ومن أهمها الشعرية باللبن تصنع قبل الفرح وتطبخ يوم الصباحية في الصباح الباكر يوميا حتي يوم السبوع. والحمام المحشي واليخني كما يتم ذبح الذبائح أمام منزل العريس، ويقوم أهله بتجهيز العشاء أوالوليمة للمدعوين، ويكون عبارة عن فتة ولحم، وهذا يكون بعد صلاة العصر، ومن المراسم الخاصة بالاحتفال رقصة (الكف) وتبدأ من بداية الوليمة حتي المغرب عند ذلك تكون العروس جاهزة بأحسن زينة وهي ترتدي الزي النوبي ومتزينة بالذهب النوبي.