عبدالناصر يكرم أم كلثوم وعبدالوهاب فى عيد العلم علي مدار ثمانية عشر عاما - هي فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر - أحيطت كوكب الشرق أم كلثوم دائما بحصانة منعت علي الدوام تعرض وسائل الإعلام لحياتها الخاصة.. وباستثناء فترات محددة »في البدايات علي وجه الخصوص« كانت الصحافة المصرية خلالها تتناولها بحرية كاملة كما تتناول أي فنانة أخري.. لكن أم كلثوم عوملت كشخصية استثنائية رفيعة المقام إن لم نقل كملكة من الملكات.. أو كامرأة قيصر حسب تقاليد روما القديمة.. وعندما تزوجت من الدكتور حسن الحفناوي تدخل الرئيس عبدالناصر شخصيا لمنع الصحف المصرية من أن تنشر تصريحا أو تلميحا أي خبر عن زواجها. ويذكر البكباشي موفق الحموي الذي كان مديرا للرقابة أنه عندما اتصل به الرئيس عبدالناصر ليبلغه هذا الأمر، سأل الرئيس عما إذا كان الخبر شائعة من الشائعات.. فرد عبدالناصر: »لا .. الخبر صحيح، غير أن أم كلثوم اتصلت بي وأخبرتني عن زواجها ولكنها طلبت مني منع نشر الخبر في الوقت الراهن.. وهذا كل شيء.. وهذا أقل ما أستطيع فعله لها«. وهناك مثال آخر يذكره الكاتب الصحفي رجاء النقاش فيقول: في التحقيق الصحفي الممتاز الذي نشرته جريدة »الأهرام« في ملحقها الصادر يوم الجمعة 28 يناير عام 2000 تحت عنوان: »نغم مصر الجميل« طالعتنا أحاديث متعددة حول شخصية »أم كلثوم« فنانة مصر الأولي وسيدة الغناء العربي الراقي في القرن العشرين.. وقد توقفت في هذا التحقيق الصحفي الممتاز أمام عبارة وردت علي لسان الأستاذ »سمير خالد إبراهيم« ابن الشيخ خالد شقيق أم كلثوم، حيث قال: »لقد نشأت مع أم كلثوم - عمتي - في بيتها بالزمالك، وأذكر أن والدي وافق علي زواجها من أحد كبار الصحفيين، وقد تزوجته لمدة عشر سنوات«.. علي أن الأستاذ سمير لم يذكر اسم الصحفي الكبير الذي يقول إن أم كلثوم قد تزوجته لمدة عشر سنوات، فمن هو هذا الصحفي؟.. ولماذا بقي هذا الزواج في طي الكتمان حتي الآن دون أن يشير إليه أحد، رغم أنه كان زواجا شرعيا، ولم يكن فيه مايسيء إلي أم كلثوم من قريب أو بعيد؟ لقد أعاد كلام الأستاذ سمير خالد إلي ذاكرتي قصة سمعتها من مسئول كبير لم يأذن لي بذكر اسمه، ولم يفصح لي عن الظروف التي ساعدته علي معرفة حقيقة زواج أم كلثوم من الصحفي الكبير، ومع ذلك فأنا لا أجد ما يمنعني من رواية القصة نفسها كما سمعتها من ذلك المسئول الذي أثق بصدقه وأمانته ولعلي قبل أن أروي القصة نفسها أجدني مضطرا للوقوف أمام سؤال يخطر علي البال هو: هل من حق أحد أن يتناول الأسرار الخاصة لشخصية مهمة مثل أم كلثوم تعيش في قلوبنا جميعا، ونعتبرها مثلا أعلي في الفن والأخلاق والوطنية، ونري فيها نموذجا إنسانيا نقيا، لم يصبه أي خدش يمس جماله وعبقريته؟ هل من حقنا أن نفعل ذلك أو أننا لو فعلناه نكون قد تجاوزنا الحدود المقبولة وطنيا وأخلاقيا بالنسبة للشخصيات العامة؟ إن الإجابة علي هذا السؤال الدقيق ليست سهلة ولا ميسورة، ومع ذلك فأنا أري وقد أكون مخطئا أن الشخصية العامة عندما تصبح ملكا للتاريخ فمن حقنا أن نسعي لمعرفة كل ما يتصل بها، خاصة إذا كان من الواضح أن ما كان يمكن اعتباره من الأسرار الخاصة في حياة الشخصية العامة لم يعد من الضروري أن يبقي سرا بعد انتهاء كل الظروف والاعتبارات التي فرضت الإبقاء علي هذا السر في طي الكتمان.. يضاف إلي ذلك أن مثل هذه الأسرار يمكن أن تساعد علي تفسير بعض الأحداث التاريخية التي أحاطت بهذه الشخصية العامة. عقد زواج رسمي وأعود إلي القصة التي سمعتها من المسئول الكبير السابق، حيث روي لي أنه في إحدي المناسبات التي لم يشأ هذا المسئول أن يحددها وقعت في يده بعض الأوراق الخاصة بالكاتب الصحفي الكبير مصطفي أمين (1914 - 1977)، ووجد المسئول الكبير بين هذه الأوراق عقد »زواج رسمي«، وليس »عرفيا« بين مصطفي أمين وأم كلثوم. كما وجد مجموعة من رسائل أم كلثوم إلي مصطفي أمين تخاطبه فيها بقولها: »زوجي العزيز«.. وكان وقوع هذه الأوراق في يد المسئول الكبير السابق وهو من عشاق أم كلثوم سنة 1960. ويواصل المسئول الكبير روايته فيقول: »إنني حملت هذه الأوراق علي الفور وقدمتها كما هي إلي الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وأن عبدالناصر أمسك بها ونظر إليها وابتسم دون أن يعلّق بشيء ثم وضعها في جيبه.. ومن يومها لم تظهر هذه الأوراق علي الإطلاق، ولم يطلع عليها أحد، ثم يقول المسئول الكبير: »ولا أدري ماذا فعل بها عبدالناصر وأغلب الظن أن عبدالناصر أخفاها تماما ولم يتحدث فيها إلي أم كلثوم ولا إلي غيرها، واعتبرها شأنا خاصا لايجوز لأحد أن يتدخل فيه«. ثم علق المسئول الكبير السابق علي هذه القصة بقوله: »إن عبدالناصر كان يحب أم كلثوم ويحترمها ويعتبرها قيمة وطنية عالية، ولم يكن يتهاون في الدفاع عنها وتكريمها وحمايتها من أي محاولة للإساءة إلي مكانتها أو المساس بمشاعرها، ولذلك كما قال المسئول الكبير فإن عبدالناصر يمكن أن يكون طوي هذا الموضوع نهائيا من تفكيره ولم يسمح بتسريبه إلي أحد، مادامت أم كلثوم نفسها كانت لاتحب الإعلان عنه.. ولعل هذه الأوراق الخاصة قد أعيدت إلي صاحبها.. أي إلي الزوج وهو مصطفي أمين، وذلك بعد وصولها إلي عبدالناصر، وذلك هو التصرف السليم اللائق«. هذه هي الرواية التي سمعتها منذ أكثر من ثلاثين سنة، وأعادها إلي ذاكرتي مسلسل »أم كلثوم« الرائع، ثم ما أشار إليه ابن شقيقها »سمير خالد«، مما يؤكد أن الزواج بين أم كلثوم ومصطفي أمين كان حقيقة ولم يكن شائعة كاذبة. مساندة مصطفي أمين ومضت بعد ذلك سنوات طويلة.. وفي اليوم التالي للقبض علي مصطفي أمين، دار حديث بين الرئيس جمال عبدالناصر وبين عبد الوهاب وأم كلثوم في نادي الضباط في ليلة 23 يوليو سنة 1965 فقال عبدالوهاب: »إن المخطئ ينال جزاءه« أما أم كلثوم فقالت: »أنا واثقة أن مصطفي أمين وطني مخلص ولايمكن أن يخون بلده«.. وظلت أم كلثوم تساند مصطفي أمين في محنته حتي النهاية. وقد تعرض مصطفي أمين للمحاكمة والسجن سنة 1965، وتم توجيه اتهامات إليه تمس وطنيته، وهي اتهامات تحتاج إلي مراجعة.. وأنا أميل ميلا شديدا إلي الاعتقاد بأن مصطفي أمين قد تعرض لما تعرض له بسبب اختلافه في الرأي والسياسة مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، مما لم يكن عبدالناصر يستطيع أن يتسامح فيه، وبذلك يكون مصطفي أمين قد دخل السجن بسبب رأيه السياسي، وليس بسبب شيء يمس وطنيته. أم كلثوم وحكام مصر ويرصد الكاتب والباحث سعيد الشحات في كتابه (أم كلثوم وحكام مصر) قصص سبعة حكام لمصر وأثرهم في حياة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، فقد ولدت في عصر عباس حلمي الثاني، وبدأت مسيرتها الفنية طفلة في نهاية عهده، ومن بعده جاء السلطان حسين كامل حاكما لمصر، ثم السلطان أحمد فؤاد، الذي حمل لقب »الملك فؤاد الأول«، وخلال عهده انتقلت أم كلثوم إلي القاهرة، وبعدها جاء ابنه الملك فاروق الأول، وفي عهده تربعت أم كلثوم علي عرش الغناء.. وعندما قامت ثورة يوليو 1952، عاصرت أم كلثوم ثلاثة رؤساء لمصر، هم: محمد نجيب وعبدالناصر والسادات الذي توفيت في عهده عام 1974. ومن المؤكد أن سيرة حياة أم كلثوم، هي سيرة وطن في مراحل تاريخية امتدت لعشرات السنين في القرن العشرين، وشهدت هذه السنوات تحولات هائلة في المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وانتقلت مصر والمنطقة العربية من حال إلي حال، ولم تكن أم كلثوم بعيدة عن كل هذا، بل انغمست انغماسا مباشرا في أحداث وتفاعلات سياسية هامة أكدت علي تمازج الفن بالسياسة. ونحن لن نسرد تاريخا لسيرة أم كلثوم، وإنما نحاول البحث في كيفية تفاعلها مع المرحلة السياسية التي عاشتها، وكيف تعاطفت مع من حكموا الشعب المصري، وهي منه؟.. وكيف نظر إليها هؤلاء الحكام؟.. وكيف انعكست هذه العلاقة علي مشروعها الفني؟ في بيت عبدالناصر ولقد ارتبطت أم كلثوم بالرئيس جمال عبدالناصر ارتباطا قويا، بل امتد هذا الارتباط الوثيق بعائلة الرئيس عبدالناصر. ويحكي خالد عبدالناصر »نجل الرئيس« عن هذه العلاقة قائلا: »كنت أري أم كلثوم في بيتنا منذ أن كنت في الخامسة من عمري، وكانت تحرص علي حضور عيد ميلادي، وأعياد ميلاد أبناء جمال عبدالناصر.. وكانت صداقتها قوية بوالدتي.. وكان الوالد دائما مشغولا، وبالتالي كانت مقابلاته لها حين تأتي إلي البيت في منشية البكري قليلة، رغم حبه الشديد لصوتها، وتقديره واحترامه لشخصها. ويضيف خالد عبدالناصر: »كان الوالد حريصا علي دوام الحضور لحفلاتها، وعندما تلقي نبأ العدوان الثلاثي، كانت أم كلثوم تشاركنا الاحتفال بعيد ميلاد شقيقي عبدالحميد، وبعدها حينما قرر والدي العمل والعيش في مقر مجلس قيادة الثورة في الجزيرة، ذهبنا لزيارة خالتنا في الزمالك، وعندما علمت أم كلثوم أننا بجوارها، حضرت إلينا، وطلبت منا زيارتها.. ولم نختبيء في منزلها كما أشاع البعض«.