٫ ماذا يحدث في تركيا؟ وهل هو بداية ربيع تركي لم تشهده بلاد الخلافة من قبل؟ أ هو عدوي انتشرت في بلد دس أنفه فيما له وفيما ما عليه في بلدان الربيع العربي وبالذات في تونس ومصر؟ وهل هو بداية خريف لأردوجان تركيا الذي كان يخطط لبقاء حزبه لعقود في كرسي الحكم؟ ويمهد لإعادة الخلافة مرة أخري بقيادته ومن ورائه حزبه؟ أم أن الحكاية لاتعدو مجرد زوبعة في فنجان.. سرعان ما تنقشع سحاباتها؟! والقصة.. أن فضيحة كبري للفساد والرشوة قد تفجرت وتورط فيها أبناء وزراء بالحكومة ومقربون من حزب أردوجان الحاكم. والقضية هزت تركيا كلها خاصة أنها ارتبطت بسوء استخدام السلطة من المتورطين فيها، بل وطالت بعض قيادات الشرطة وبعض العاملين في المحليات بالعاصمة وبعض المدن التركية. ووفقا لما ذكرته صحيفة (حريات) واسعة الانتشار فإن عدد المتورطين بلغ حتي أوائل الأسبوع الماضي نحو 84 شخصا، تورطوا في مناقصات عامة مستغلين في ذلك صلاتهم كأبناء وأقرباء لوزراء بالحكومة التركية الحالية كان من أبرزهم وزراء: الداخلية والاقتصاد والبيئة والتجارة. وأضيف إليهم آخرون ينتمون لجهات أمنية عليا.. ورجال أعمال معروفون بالأسم في طول البلاد وعرضها. وشخصيات سياسية واقتصادية معروفة. والمهم هنا أن كل هؤلاء من المقربين لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يرأسه طيب أردوجان.. ويقود تركيا في الوقت الراهن. وإلي جانب كل هؤلاء.. كان هناك ضحايا للقبض عليهم.. سيقوا إلي التحقيقات بدعوي الفساد من نوع آخر يتعلق بالأمن.. وهم قادة أمنيون وشرطيون متخصصون في جرائم الأموال العامة والمنظمة المحلية والدولية وغسيل الأموال والتهريب بكافة انواعه داخل وخارج تركيا.. وبالأمن العام.. وكلهم كانت لهم صلاحيات في مداهمة والقبض علي رؤوس الفساد في القضية الأشهر في تاريخ تركيا منذ عهد العسكر في سبعينات القرن الماضي وحتي الآن. والقصة الأوضح هنا.. أن ماحدث ومازال يحدث. هو جزء من تصفية حسابات بين عدة أجنحة للسلطة في تركيا.. ممثلها الأول: الفاسدون في القضية المذكورة والذين ينتمون بشكل أو بآخر للحزب الحاكم.. وبين رجال الأمن الذين قبضوا عليهم متلبسين وهؤلاء ينتمي معظمهم إلي حركة (فتح الله كولن) وهي حركة مناوئة للحزب الحاكم وبين يديها تقع مسئولية تعيين معظم رجال القضاء والشرطة والأمن بوجه عام في تركيا. وهو ما فسره البعض لصراع (سيب وأنا أسيب) حسب المثل الشعب المصري الدارج.. وبمعني أن الإفراج عن هؤلاء الأمنيين المتورطين حسب مصادر حكومية لن يكون إلا بإغلاق قضية الفساد والرشوة وإبراء ذمة من تم القبض عليهم من مساندي ومناصري الحزب الحاكم والذي رأي في القضية مجرد تصفية حسابات من بعض معارضيه الذين مازالوا يتحكمون في بعض مفاصل الدولة التركية.. ويمثلون طابورا خامسا ضد كل إنجازات حزب العدالة والتنمية وأردوجان ذاته. كما يصفونه بأنه خطوة حكومية لمنع شق الصف داخل الحزب الحاكم.. وكدليل علي أن تركيا قوية ودولة مؤسسات راسخة وليست مثل دول الموز أو دولة من الدرجة الثالثة علي حد وصف أردوجان. وما يحدث في تركيا.. يتواكب مع أحداث عدة شهدتها البلاد خلال الشهور القليلة الماضية.. ولم تعد مقصورة علي صراع بين الحزب الحاكم وحركة كولن التي كانت تشكل معه تحالفا انهار منذ شهور قليلة.. وهو ما دعا الحزب الحاكم للانتقام وإغلاق العديد من المدارس التابعة للحركة.. ولكن الأحداث شملت انقساما سياسيا حادا في جسد الأمة التركية.. وتجسيدا لصراع بين الإسلام السياسي والعلمانية. في بلد يمثل همزة وصل بين قارتي: آسيا وأوروبا.. ورغم ذلك مازال يبحث إما عن انتمائه للإسلام أو أوروبا أو آسيا.. حتي الآن. بل إن في بلد واحد هو تركيا تجد القومي واليساري واليميني المعتدل والمتطرف والمسيحي.. وقلة من اليهود الذين أخذوا علي عاتقهم محاربة الإسلام بوجه مكشوف فيما يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا.. أو الخوف والحذر والتحذير من كل ما هو إسلامي. وهناك احتجاجات بدأت منذ شهور عديدة.. وأصبحت موجودة في كل المدن التركية انطلاقا من ميدان تقسيم الشهير.. وهي احتجاجات تشارك فيها كل الأطياف التركية غير المتجانسة من شيوعيين وقوميين وكماليين أي منتسبي كمال الدين أتاتورك مؤسس تركيا الجديدة كما يطلقون عليها وأبو الأتراك جميعا. والقصة.. مرشحة للتطور وليست مجرد قضية عرقيات أو دين أو حتي فساد ورشوة ورغبة في الإطاحة بالنظام.. بل قضية بلد مازال يبجث عن هويته؟