(كل شيء من أجل نوتردام ولا شيء للبؤساء).. (والملايين من أجل نوتردام فماذا عنا نحن الفقراء؟).. هذا كان أحد هتافات ولافتات المحتجين يوم السبت الماضي من أصحاب القمصان الصفراء في فرنسا الذين مازالوا مستمرين في احتجاجاتهم للأسبوع الثالث والعشرين.. وهذا الهتاف كان يعبر به المحتجون عن ضيقهم لتحرك أغنياء فرنسا والتبرع بنحو مليار يورو لإعادة بناء كاتدرائية نوتردام التي تعرضت لحريق كبير، بينما لم يتحركوا للتبرع بيورو واحد للبؤساء والفقراء في فرنسا الذين انتفضوا بعد أن زادت الأعباء بشدة عليهم نتيجة السياسات التي يتبناها الرئيس الفرنسي ماكرون، والتي يعتبرونها منحازة للأغنياء ولا تراعي مصالح الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة!. وهكذا يري المحتجون في فرنسا أن تحسين أحوال الفقراء وتخفيف الأعباء عنهم يسبق في ترتيب أوليات المجتمع بناء أو إعادة بناء دور العبادة، حتي ولو كانت دور العبادة هذه أثرية وتاريخية وتعرضت لحريق دمر أجزاء كبيرة منها وفقدت الإنسانية كلها أثرا مهما كان يجتذب لزيارته السائحين من مختلف الأديان، وروع وأثار حريقها أغلب الفرنسيين، وحتي أبناء الدول الأخري، ومن المسلمين، وكان من بينهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.. وذلك انطلاقا من المثل ألشعبي المصري الشهير والقديم: (إللي يعوزه البيت يحرم علي الجامع)!. كما ينتقد المحتجون في فرنسا ليس فقط تبني الإدارة الفرنسية سياسة ضريبية تقدم إعفاءات ومميزات للأثرياء ورجال الأعمال، خاصة الكبار منهم، بينما لا تفعل ذلك مع المواطنين الفرنسيين أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.. وإنما يتسع انتقاد هؤلاء المحتجين من أصحاب القمصان الصفراء، بخل أثرياء فرنسا وعدم قيامهم بمسئوليتهم الاجتماعية، والتي تقتضي منهم أن يسهموا بقدر من أموالهم الغزيرة وثرواتهم في مساعدة الفقراء لتحسين أحوالهم المعيشية! وما يشعر به فقراء فرنسا وعبروا عنه خلال احتجاجاتهم من خلال لافتاتهم وهتافاتهم الأغلب أنه هو ذات إحساس الفقراء في كل مكان في العالم، وإن لم يفصحوا عنه أو تأتي المناسبة للإفصاح عنه.. إنهم ينتظرون من أثرياء مجتمعاتهم أن يمارسوا مسئوليتهم المجتمعية وأن يسهموا بقدر من أموالهم وثرواتهم في تخفيف حدة مشاكل الفقراء وانتشالهم من فقرهم الذي يعانون من وطأته، مثلما ينفقون ببذخ علي أمور أخري، أو مثلما يتبرعون لإعادة بناء أحد دور العبادة الأثرية والتاريخية.. بل لعل الفقراء خارج فرنسا يَرَوْن ذلك أكثر إلحاحا من فقراء فرنسا الذين يحظون بتأمين صحي شامل، ومستوي مناسب من التعليم غير المكلف ماليا، بينما هم لا يحظون بذلك!.. فهل ينصت الأثرياء للفقراء؟!