بالفعل انتشرت في السنوات الأخيرة أشكال غنائية شعبية علي الساحة يعتبرها عشاق الطرب الأصيل مجرد هامش.. والغريب أنها أصبحت مسيطرة والأكثر مبيعا وهذا يرجع لتميزها بالقرب من ذائقة نوع معين من الجمهور الذي يحب الأغاني السريعة والكلمات البسيطة ويراها تنحاز إلي القضايا البسيطة التي يمر بها المواطن العادي ولذلك نجد انتشارا ملحوظا لأغاني شعبان عبدالرحيم.. سعد الصغير.. شيبة وغيرهم الأكثر جماهيرية لكون هذه الأصوات ذات خامة صوتية جيدة، وإن لم تكن دارسة للموسيقي.. إلا أن الممارسة أكسبتهم خبرة في التعامل مع الجمهور الذي ينحاز بطبيعته إلي هذا اللون الشعبي وهذا ليس وليد اللحظة، بدليل أنه كان عندنا في الماضي نماذج متعددة من هذا اللون ولاقت قبولا جماهيريا كبيرا مثل محمد طه.. خضرة محمد خضر.. أنور العسكري.. فايد محمد فايد.. بدرية السيد.. ومحمد رشدي الذي غير شكل الأغنية بشكل عام وليس الشعبية فقط مستندا علي كلمات عبدالرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي الذي كان من أكثر الملحنين انحيازا للبيئة الشعبية والشخصية المصرية بشكل عام ويذكر أن العندليب عبدالحليم حافظ خاف وقتها علي مكانته الغنائية فطلب من الأبنودي أن يكتب له كلمات من نفس اللون الشعبي.. فكتب له د.علي حسب وداد قلبي.. ولحن له بليغ مثل هذه الأغنيات.. وبالرغم من أن غناء الهامش الشعبي أشبه بتنويعات لحنية تعد عامل جذب للمستمعين، بالإضافة إلي أن صانعيها يقرأون الواقع جيدا.. ويدركون أن الحياة طبيعتها التجديد والاستمرارية وفي وقت يعرفون قيمة الموسيقي الكلاسيكية ويوظفونها في إطار حديث.. إلا أن المسألة تبقي في النهاية متعلقة بفكرة التسويق الفني.. ولذا أود القول لكوني من عشاق الطرب الأصيل أن الغناء التقليدي الراقي هو الأبقي في ذاكرة الملايين بدليل أننا نتذكر أغنيات أنتجت منذ سبعين عاما ومازلنا نرددها في مناسبات حياتية مثل أفراحنا ونجاحنا وفي لحظات الحب.. ويتضح من ذلك أن التسويق في حد ذاته ليس معيارا لجودة الفن الغنائي.. ولكن مع وجود حالة من الفوضي يتم من خلالها الترويج للتافه والسطحي من الفن.. مازلنا نؤكد أن الشيء الجيد تبقي له قيمته ووضعيته الأدبية والتاريخية.. ونؤكد أيضا علي أن هناك دورا علي دعاة الأصالة والفن الجيد والإعلام الرسمي في الارتقاء بالذوق العام، وإعادة الأصوات الغنائية المتميزة إلي ميكروفونات الإذاعة وإعادة حفلات ليالي التليفزيون لتقديم الأصوات الأصيلة الجميلة.