لا أدري هل ألوم المطربة شيرين عبدالوهاب وأعلن تأييدي لقرار رئيس نقابة الموسيقيين بوقفها عن الغناء، وتأييدي أيضا للبلاغ المقدم ضدها في النيابة واتهمها بالمساس بالأمن القومي المصري بعد تصريحاتها في حفلتها الغنائية بالبحرين، أم أن ألتمس لها العذر عملا بالمثل القائل »كل إناء بما فيه ينضح». واذا عدت بالذاكرة إلي عصر الموسيقار العظيم محمد عبدالوهاب وكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، أجد انه لا يمكن تطبيق المثل عليهما رغم العوامل المشتركة التي أسهمت في تكوين وجدان عظماء النصف الأول من القرن العشرين من مطربين وملحنين وممثلين وغيرهم من باقي مجالات الابداع. تشترك شيرين عبدالوهاب مع عمنا عبدالوهاب وستنا أم كلثوم في البيئة البسيطة التي نشأ فيها كل منهم، تشترك أيضا في عدم الالتحاق بأي نوع من التعليم سواء كان الالزامي أو الحر، وتشاركهم في الوقت نفسه في الموهبة الطاغية التي جعلتهم نجوماً في سماء الموسيقي والطرب. إذن لماذا كان عبدالوهاب فيلسوفا في أحاديثه وكذلك أم كلثوم، ولماذا لم يخطئ أحدهما في حق نيله أو وطنه أو جمهوره؟ الاجابة عن السؤال لا تحتاج دراسة أو تمحيصا. عبدالوهاب الذي غادر قريته »بني عياض» بالشرقية في سن الصبا مستهدفا شقيقه المؤذن بمسجد الشعراني، جالس الأئمة والخطباء في المسجد وعلي بعد خطوات منه جالس الفنانين في شارع محمد علي وخطوات أخري في حياته اقترب بعدها من أمير الشعراء أحمد شوقي وكانت »كرمة ابن هانئ» المدرسة التي صقلت الموهبة وكوَّنت الشخصية. أم كلثوم كان أبوها فقيها وكذلك أخوها خالد ومن قرية »طماي الزهايرة» بالدقهلية وعلي الدواب كان الانتقال إلي القري المجاورة حيث المديح في سيدنا النبي والانشاد بالفصحي ومجالسة اعيان البلاد. وبينهم المستنير الذي تعلم في الأزهر أو الوافد من بعثة كانت في أوروبا، أو القارئ النهم كما كان حال كثير من المصريين في هذا العصر. الاناءان عبدالوهاب وأم كلثوم امتلآ بعصير الكلم الطيب ومنذ الصغر وطوال سنوات التكوين والتشكيل للشخصية وكان طبيعيا ان ينضحا بحلو الكلام ومعسوله. واذا جئنا لشيرين فقد نشأت في عصر ثقافة الميكروباص والتوك توك وفي بيئة لم تخرج منها وتعرف الجانب الآخر من الدنيا كما عرفها أمثال أم كلثوم وعبدالوهاب، حظها انها جاءت في عصر يكاد الظلام يغمسه كله، ورغم توافر تكنولوجيا حديثة من بينها الهاتف الذكي مثلا تجعل ممن لم يتعلم ان يتعلم كما يشاء وكما يريد. شيرين أدارت ظهرها لكل ما يمكن أن يضيف لشخصيتها ما يجعلها تدرك متي يكون الصمت ومتي يكون الكلام وما هو الكلام الذي يجب ان يكون. نلوم شيرين عبدالوهاب أم نلتمس لها الأعذار لأنها إبنة عصر بدأ ب»سلامتها أم حسن» مرورا ب»كوز المحبة اتخرم» ولا أحد يدري إلي أين سيصل بنا بعد أن أصبحت حتي عناوين المؤلفات مما يعف اللسان عن ذكره والقلم عن كتابته. الموضوع أكبر من كلمات قالتها مطربة سواء بسبب نقص في الادراك أو القدرة علي التمييز بين الغث والسمين. قبل ان نحاسب شيرين فلنحاسب أنفسنا أو بالاحري نحاسب من أوصلونا إلي هذا الدرك الأسفل من الطباع والأخلاقيات.