نالني من عدوي الجمال نصيب، ففي أيام الحج الماضي كنت أسكن بفندق »هيلتون مكة» المواجه للكعبة المشرفة، وكانت كل غرف النزلاء متصلة بإذاعة الحرم مباشرة، ومع حلول توقيت كل صلاة، يتهادي علي مسامعي صوت ملائكي جميل ينساب كالماء الفرات في الجداول المخملية في جو روحاني بديع يبعث الخشوع في القلوب، فتتمتم الشفاه بأصدق الدعاء في هذه البقعة الطاهرة. إنه صوت سماحة الشيخ عبدالله خوقير مؤذن الحرم الشريف وهو يرفع نداء الحق: (الله أكبر.. حي علي الصلاة)، نفحة نورانية أصابت حنجرته الذهبية الخاشعة، فتستطيع أن تميِّز صوته عن غيره (رغم جمال أصواتهم أيضا)، لكن عطاء الله يتفضل به علي من يشاء من عباده، فيدخل صوته المتفرِّد إلي القلوب بلا استئذان، ويسري في الكيان والوجدان، وتنال البهجة كل من سمعه وردد الأذان معه. وقد تتعجب عندما تعرف أن موهبة صوته هي التي قادته إلي أطهر البقاع المقدسة في قلب الكعبة لتنثر صداها علي ملايين المصلين، فقد درس الثانوي بمدرسة الملك فيصل النموذجية بمكةالمكرمة، ثم التحق بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وتخصص في العلوم السياسية، وكان مؤذن مسجد الشربتلي ما يقارب 20سنة، ثم ذاع جمال صوته بين كل الأوساط الاجتماعية، ليتم اختياره بعد رحلة عطائه إلي المسجد الحرام. الشيخ عبدالله خوقير نموذج محترم للداعية المثقف، وهو فنان شامل يملك حسا مرهفا، وأهم هواياته »الديكور» وهو الذي صمّم بيته بنفسه، وينطق بالذوق الراقي الرفيع، وأرجاؤه صورة »بانورامية» من تلك المتاحف التي نشاهدها في الأفلام.