»إصلاح التعليم« عبارة يُرددها الكثير منا ويطالب بضرورة تنفيذها الجميع، خاصة أنها من أولويات الأهداف التي تُحقق ثمرات ثورة يناير، ولكن كيف السبيل إلي ذلك؟ وقد وصلت المنظومة التعليمية إلي مرحلة خطيرة من التدهور والركود، وتشابكت أزماتها وأصبح المنتفعون من استمرارها في وضع قوي لا يسمح لأي فكرة إصلاحية بأن تري النور، والتساؤل هنا ماهو مصير كتاب المدرسة ؟السؤال الذي وجدنا إجابته لدي بائعي الأطعمة وفي سلة المهملات، في ظل اعتماد المدارس سواء الخاصة أو التجريبية علي الملازم الخارجية حتي صار الكتاب المدرسي بلا فائدة للطالب. مشكلة الكتاب المدرسي الذي يحتاج الي إعادة بناء بصرف النظر عن مصالح "شلة المنتفعين" لأن الكتاب المدرسي بعناصره الثلاثة "الاختيار والتأليف والطبع" عملية شائكة خاصة إذا علمنا ان الطالب يترك الكتاب الحكومي ليحصِّل دروسه من الكتب الخارجية، فلماذا نُهدر الأموال الطائلة علي منتج راكد وغير مفهموم للطلاب. وعلي الرغم من أن الحكومة المصرية هي أكبر مستورد للورق إلا أنها تقوم بفرض أعلي نسبة جمارك علي الورق حتي تسد الطريق علي القطاع الخاص. وقد أكدت شعبة الورق بغرفة القاهرة التجارية أن وزارة التربية والتعليم وفرت حوالي 320 مليون جنيه من خلال طرحها لممارسة عامة لطباعة الكتاب المدرسي بدلا من طرح مناقصة خاصة بالمطابع. ومن جانبه، قال عمرو خضر رئيس شعبة الورق بغرفة القاهرة التجارية ان تكلفة الكتاب المدرسي للموسم الدراسي2014/2013 انخفضت عن مناقصات الأعوام السابقة بمعدل 320 مليون جنيه لتصل إلي 900 مليون جنيه بدلا من مليار و220 مليون جنيه موضحا أن كميات الكتاب المدرسي التي يتم طباعتها ثابتة وتصل إلي 320 مليون كتاب يوميا. أشار خضر إلي أن الانخفاض في تكلفة الكتاب المدرسي يأتي نتيجة طباعة الكتاب المدرسي من خلال ممارسة عامة بدلا من نظام المناقصات وهو ما أدي إلي دخول جميع المطابع الصغيرة والكبيرة في طباعة الكتاب المدرسي. أم أحمد قالت كتاب المدرسة بات ليس له أهمية لأن الطالب لا يلجأ إليه ولا يقوم باستخدامه ، وإنما الاعتماد بشكل كامل علي الملازم والكتب الخارجية . وتضيف : إن الكتاب المدرسي ليس له أهمية فهو مصيره إلي سلة القمامة أو إلي البائعين . والد إبراهيم قال إن ولده لايعتمد علي الكتاب المدرسي ، حتي في الامتحانات ، لا يتم الالتفات إليه ولا يعد في الحسبان ، وإنما نلجأ إلي الدروس الخصوصية التي تعتمد علي الملازم ولا يتم النظر إلي الكتاب المدرسي . أم سعيد طالب ثانوني قالت إن طلاب الثانوية العامة علي وجه التحديد لايعتمدون علي الكتب المدرسية نهائيا وإنما يعتمدون علي ملازم المدرسين والدروس لأنها تشمل كل ما يأتي في الامتحانات . بينما يقول والد هاني طالب بإحدي المدارس التجريبية إنه لافرق بين المدارس التجريبية أو الحكومية فكلاهما يعتمدان علي الملازم والدروس الخصوصية ، بل علي العكس الأمر يزداد في المدارس الخاصة ، وأن مصير الكتاب المدرسي سلة القمامة أو الشارع وليس له أي أهمية ومن الممكن أن يمر العام بدون أن يراه ابني . علي صعيد الخبراء ، في البداية الدكتور حامد عمارشيخ التربويين يري أن أهم قضيتين في التعليم المدرسي قبل الجامعي هما الكتاب الخارجي والدروس الخصوصية، فالكتاب الخارجي عبارة عن تلخيص لكتاب الوزارة وهو للأسف اختزال وتشويه؛ وأي تلخيص يخل بالمضمون والكتب الخارجية من وجهة نظري تُسيء إلي التعليم، فالمطلوب هو الكتاب المفصّل الذي يشرح الموضوع من جميع جوانبه مع بعض الخلفيات والأسباب والنتائج مشيرا إلي أن يكون هناك اتفاق قومي وقانوني لمنع الدروس الخصوصية وطالب عمار كل المسئولين بضرورة وضع خطة لتطوير وتحسين المنظومة التعليمية حتي تختفي الدروس الخصوصية التي ترهق الأسر المصرية بالعديد من استنزاف الأموال سنويا التي تتعدي 8 مليارات سنويا وأوضح شيخ التربويين أن الكتاب الحكومي والذي يأتي كل وزير جديد بخطة تغيير المناهج وتعديلها، وهي طريقة سهلة ومضمونة ولكنها وهمية وبالنظر إلي التعديل الذي حدث منذ عام 1980 وحتي الآن نجد الفروق بسيطة جدا، وليست جريمة أن نجد في أي كتاب غلطة أو اثنتين ولا يستدعي ذلك تشكيل لجنة لإعادة صياغة الكتاب وتجديده، فمن أين يأتي التجديد؟. ويؤكد عمار أن التركيز يكون علي مناهج التعليم الثانوي علي أن تتحمل الوزارة المسئولية كاملة عن الاختيار والتأليف والتوزيع، لأن التعليم الثانوي محتاج لخلفية علمية متجددة، وأساتذة منتقاة من أهل الفكر والاطلاع والمعرفة؛ وحتي نساير العالم ينبغي أن نطلع علي المناهج المختلفة في انجتلرا وفرنسا وأمريكا وحتي سنغافورة حتي لا تكون مناهجنا متخلفة، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي يعد فيها الطالب للجامعة". ويصف د. عمار الكتاب الجامعي بالفضيحة ففي جميع الجامعات المحترمة ليس هناك شيء اسمه كتاب دراسي، وفي زماننا الجميل كان الأساتذة العظام أمثال إبراهيم مدكور وشفيق غبريال يخجلون أن يحثوا الطلبة علي شراء الكتب التي ألفوها، وهل فعل ذلك طه حسين أو أحمد أمين. فهؤلاء العظام كانوا يضعون قائمة بأسماء الكتب والمراجع لمجموعة من الأستاذة دون الإشارة لأسمائهم وعلي الطالب أن يبحث ويستخلص المعلومة التي جاءت في المحاضرة. فيما قال الدكتور حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة الأسبق إن الكتب المدرسية "للأسف يتدخل فيها غير الفنيين ويحتكرها عدد محدود، وينبغي أن نعود إلي نظام المسابقات في اختيار من يقوم علي أمر الكتاب المدرسي وتشكل لجنة من كبار المفكرين الجامعيين بمشاركة عدد من التربويين علي أن نحسن مكافآتهم، مشيرا إلي أن الكتاب المدرسي الآن مليء بالأخطاء القاتلة ومادته سيئة؛ وهناك قصة طريفة توضح طريقة تعامل المسئولين في وزارة التربية والتعليم مع اللجان (انتهينا منذ زمن طويل إلي أن كتاب الأيام لطه حسين لا يصلح تدريسه لطلاب المدارس لأنهم لا يفهمون شيئا من المصطلحات التي جاءت به)؛ وأثني المستشارون في الوزارة علي هذا الرأي ونفذ بالفعل؛ وعندما جاء الوزير الجديد قال إنه لا يصح أن يُمنع كتاب لطه حسين من تدريسه وأمر بإعادة تدريس الكتاب ضاربا عرض الحائط برأي اللجنة ومستشاريها، ولأن اللجنة ومستشاريها موظفون في الوزارة فهم يقولون كلمتهم ويمضون، ولذلك أطالب بضرورة أن يكون لرأي التربويين في الوزارة احترام وأن يكون اختيارهم بالكفاءة وليس بالأقدمية، وألا نسمع لأي كلام يُنشر في الصحف والمجلات المختلفة الصادر عن أناس غير متخصصين، فللأسف العملية التعليمية أصبحت "ملطشة" كل من يُجيد القراءة والكتابة يفتي فيها، فلابد من إعادة النظر في الكتاب وأن يكون مقدسا".