أجمل الساعات هي تلك التي أقضيها مع كتاب جيد يضيف جديدا، أو لوحة معبرة تجبرك علي التأمل في أسرار الحياة، أو قصيدة شعر تشدك إلي عالم من الجمال والجلال. وقد قضيت ساعة مع شاعر النيل حافظ إبراهيم (1872- 1932) مع تحليلات المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي في كتابه الجميل (شعراء الوطنية في مصر).. نقرأ في هذا الكتاب ما ملخصه أن حافظ إبراهيم هو صنو شوقي في إحياء دولة الشعراء ولئن تميز شوقي بالزعامة، وأن حافظا يمتاز عنه بأن نشأته وحياته كانت شعبية في حين نشأة شوقي وحياته أرستقراطية، فكان حافظ أقرب إلي روح الشعب ومشاعره، وأقدر علي تصوير آلامه التي شاركه فيها، واكتوي بلهبها، فكان لذلك أبلغ في التعبير عنها، وكانت عباراته أسهل وأقرب إلي إدراك معانيها من عبارات شوقي، لأنه كان يحس إحساسا قويا أنه يخاطب الشعب في مجموع مثقفيه وقارئيه.. التحق بالمدرسة الحربية بالقاهرة وتخرج فيها سنة 1891 ضابطا برتبة ملازم ثان، وكان إذ ذاك في سن العشرين تقريبا، وانتظم في حملة السودان بقيادة اللورد كتشنر سردار الجيش المصري وقتئذ، ولما انتهت الحملة بانفراد الإنجليز بحكم السودان عافت نفسه البقاء في ربوعه فالتمس إحالته إلي المعاش وأجيب طلبه وعاد إلي مصر.. وتألق في عالم الشعر والأدب وعينه أحمد حشمت، وزير المعارف سنة 1911، رئيسا للقسم الأدبي في دار الكتب وظل بها إلي فبراير سنة 1932 إذ أحيل إلي المعاش لبلوغه السن القانونية وتوفي يوم 21 يوليو سنة 1932.. وحافظ يمتاز شعره بقوة البلاغة وإشراق الديباجة وطلاوة الأسلوب والروح الخطابية.. وقد أنصفه شوقي إذ قال في رثائه: ياحافظ الفصحي وحارس مجدها/وإمام من نجلت من البلغاء إلي أن قال: وغدا سيذكرك الزمان ولم يزل/ للدهر إنصاف وحسن جزاء وقد تعلم الفرنسية علي كبر، واقتبس من الآداب الفرنسية ما استطاع أن يقتبسه، وساعده ذكاؤه وألمعيته علي محاكاة الشعر الغربي أحيانا، وكان يميل إلي التجديد في شعره وفي ذلك يقول: آن ياشعر أن تفك قيودا/قيدتنا بها دعاة المحال /فارفعوا هذه الكمائم عنها/ودعونا نشم ريح الشمال. من أقوالهم: الأم مدرسة إذا أعددتها/أعددت شعبا طيب الأعراق حافظ إبراهيم