المجلد الثامن \ شعراء النهضة العربية . بقلم د فالح الكيلاني ( الشاعر حافظ ابراهيم ) شاعر النيل . هو محمد حافظ بن ابراهيم فهمي المهندس من مصر ولد في مدينة( ديروط ) في يوم 244 شباط عام \1872 وقيل ولد حافظ ابراهيم على متن سفينة كانت راسية على النيل أمام ( ديروط ) وهي مدينة صغيرة تابعة لمحافظة( أسيوط ) من أب مصري وأم تركية. ابوه كان مهندسا و أحد المشرفين على قناطر( ديروط ) بمحافظة أسيوط. وأمه من أسرة كريمة وتاريخ ولادته غير معروف بالضبط حسب الأوراق الرسمية. عندما أريد تعيين حافظ إبراهيم في دار الكتب قدر القومسيون الطبي عمره تسعة وثلاثين عاما وتأسس على هذا أنه ولد في شباط \ 1872. . مات ابوه وعمره اربع سنوات فعادت به أمه من( ديروط) إلى بيت أسرتها في القاهرة. وتولى خاله محمد نيازي الذي كان مهندسا بمصلحة التنظيم أمره. وتوفيت والدته عام \ 1908م. وعندما نقل خاله إلى عمل بمدينة (طنطا ) ذهب حافظ معه وإلتحق بالجامع الأحمدي وهناك أخذ حافظ يدرس في الكتاتيب. أحس حافظ إبراهيم بضيق خاله به مما أثر في نفسه فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها: ثقلت عليك مؤونتي إني أراها واهية فافرح فإني ذاهب متوجه في داهية ويقال انه بعد أن خرج من بيت خاله هام على وجهه في طرقات مدنية طنطا حتى انتهى به الأمر إلى مكتب المحا مي محمد أبو شادي، أحد زعماء ثورة 1919 وعمل معه وهناك اطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر محمود سامي البارودي. وبعد أن عمل بالمحاماة لفترة من الزمن التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية في عام\ 1888 م وتخرج منها ضابطا عام \ 1891 م في الجيش المصري وعين في وزارة الداخلية. وفي عام \1896 م أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية إلا أن الحياة لم تطب له هنالك . فثار مع بعض الضباط. نتيجة لذلك . . وفي عام \ 19111م ، عين رئيسا للقسم الأدبي في دار الكتب المصرية ووصل إلى منصب وكيل دار الكتب أي الرجل الثاني في هذه الدار . وحصل على الباكوية عام \1912. و أطلق عليه لقب ( شاعر النيل) . وكان ملما بالفرنسية وترجم كتاب ( البؤساء) لفيكتور هيجو وإشترك مع الشاعر خليل مطران في ترجمة كتاب (موجز الإقتصاد) وعندما عمل في الشرطة كان ملاحظا لمركز بني سويف ولمركز الإبراهيمية. . حافظ إبراهيم أحد أعاجيب زمانه، حيث كان كثير الحفظ او شديد القوة على الحفظ والتذكر ليس فى جزالة شعره فحسب بل فى قوة ذاكرته التى قاومت السنين ولم يصبها الوهن والضعف على مدى\ 60 سنة هى عمر حافظ إبراهيم فإنها ولا عجب إتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان بإ ستطاعته – بشهادة أصدقائه – أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل فى عد ة دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذالك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن فى بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم او طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه . . يعتبر شعره سجلا للأحداث في زمنه يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة الحديثة فقد كان يتربص بكل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره. . كان حافظ إبراهيم رجل مرح النفس صاحب نكتة وسريع البديهة يملأ كل مجلس ببشاشته و فكاهاته الطريفة التى لا تخطأ مرماها. . و يروى عن حافظ أبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فقد قال عنه صاحبه عباس محمود العقاد ( مرتب سنة فى يد حافظ إبراهيم يساوى مرتب شهر ) . كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة في ايصال فكرته وقصيده الى الناس اذ لم يكن حافظ يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه أستعاض عن ذلك بجزالة الكتابة وترتيب الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة وقيل انه يتمتع بقوة وقدرة حسن في إنشادهً للشعر. ومن أروع المناسبات التى أنشد حافظ فيها شعره بكفاءة هى حفلة تكريم الشاعر أحمد شوقى ومبايعته أميراً للشعر فى دار الأوبرا حيث وقف في دار الاوبرا المصرية وأعلن في هذا الحفل باسمه ونيابة عن كل الشعراء والادباء العرب الحاضرين مبايعتهم لاحمد شوقي بإمارة الشعر قائلاً: بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي بشعر امير الدولتين ورجعي اعيدي الاسماع ماغردت به براعة شوقي في ابتداء ومقطع امير القوافي قد ا تيت مبايعا وهذي وفود الشرق قد بايعت معي وأيضاً القصيدة التى أنشدها في تأبين مصطفى كامل ومما يبرهن ذلك المقال الذى نشرته أحدى الجرائد والذى تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ. وكان عكس الشاعر أحمد شوقى الذي قيل عنه انه لم يلق فى حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه. . وقد تزوج حافظ بعد عودته من السودان من إحدى قريبات زوجة خاله. ولكنها لم تطق طبيعة حياة حافظ المنطلقة وإنتهى الأمر بالفراق بعد بضعة أشهر ولم يتزوج بعدها . وله قصيدة عن لسان صديقه يرثي ولده جاء في مطلعها : ولدي، قد طال سهدي ونحيبي جئت أدعوك فهل أنت مجيبي؟ جئت أروي بدموعي مضجعا فيه أودعت من الدنيا نصيبي . حافظ ابراهيم من الشعراء ا لمصريين والمشهورين ولد يوم كا ن الاستعمار الانكليزي يجثم على بلده ونار الثورة تلتهب بقيادة احمد عرابي باشا نشأ بهذا الخضم الجسيم من الاحداث ولقب بشاعر النيل لانه كان لسان قومه المعبر عما يكنه او يعلنه هذا الشعب العربي بمصر من ثورة عارمة على الاستعمار فكان لا تمر حادثة الا وسجلها في شعره فاصبح شعره تاريخا للفترة التي عايشها هذا الشاعر وقد عين رئيسا لدار الكتب المصرية . . يقول عنه خليل مطران : كان (أشبه بالوعاء يتلقى الوحى من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها فى نفسه, فيمتزج ذلك كله بشعوره و إحساسه فيأتى منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذى يحس كل مواطن أنه صدى لما فى نفسه). . شكلت لجنة يرأسها (أحمد أمين) عميد كلية الآداب جامعة فؤاد الأول وقتذاك. ووعد الوزير اللجنة بجمع قصائد (حافظ إبراهيم) وشرحها وإعداد الديوان لتقوم وزارة المعارف بطباعته على نفقتها. وكتب مقدمة الطبعة الأولى (أحمد أمين) ونشرت الديوان ( دار الكتب ) التي كانت تابعة لوزارة المعارف عام \1937 . وصدرت الطبعة الثانية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام \1980م. كان من ميزات حافظ أنه يحسن إلقاء الشعر ويتولى إلقاء شعره بنفسه ومن اروع شعره هذه الابيات : كم مر بي فيك عيش لست أذكره ومر بي فيك عيش لست أنساه ودعت فيك بقايا ما علقت به من الشباب وما ودعت ذكراه أهفو إليه على ما أقرحت كبدي من التباريج أولاه وأخراه لبسته ودموع العين طيعة والنفس جياشة والقلب أواه فكان عوني على وجد أكابده ومر عيش على العلات ألقاه إن خان ودي صديق كنت أصحبه أو خان عهدي حبيب كنت أهواه قد أرخص الدمع ينبوع الغناء به وا لهفتي ونضوب الشيب أغلاه كم روح الدمع عن قلبي وكم غسلت منه السوابق حزنا في حناياه قالوا تحررت من قيد الملاح فعش حرا ففي الأسر ذلّ كنت تأباه فقلت يا ليته دامت صرامته ما كان أرفقه عندي وأحناه بدلت منه بقيد لست أفلته وكيف أفلت قيدا صاغه الله أسرى الصبابة أحياء وإن جهدوا أما المشيب ففي الأموات أسراه . سافر حافظ إبراهيم إلى سوريا وعند زيارته للمجمع العلمي بدمشق قال هذين البيتين: شكرت جميل صنعكم بدمعي ودمع العين مقياس الشعور لاول مرة قد ذاق جفني – على ما ذاقه – دمع السرور لاحظ الشاعر مدى ظلم المستعمر وتصرفه بخيرات بلاده فنظم قصيدة بعنوان الامتيازات الأجنبية، ومما جاء فيها: سكتُّ فأصغروا أدبي وقلت فاكبروا أربي يقتلنا بلا قود ولا دية ولا رهب ويمشي نحو رايته فنحميه من العطب فقل للفاخرين: أما لهذا الفخر من سبب؟ أروني بينكم رجلا ركينا واضح الحسب أروني نصف مخترع أروني ربع محتسب؟ أروني ناديا حفلا بأهل الفضل والأدب؟ وماذا في مدارسكم من التعليم والكتب؟ وماذا في مساجدكم من التبيان والخطب؟ وماذا في صحائفكم سوى التمويه والكذب؟ حصائد ألسن جرّت إلى الويلات والحرب فهبوا من مراقدكم فإن الوقت من ذهب . توفي الشاعر حافظ إبراهيم في 21 تموز عام \ 19322 في مدينة القاهرة ودفن في مقابر السيدة نفيسة (رضي الله عنها). . ترك حافط ابراهيم اثارا ثقافية وادبية منها : الديوان. ديوان شعره البؤساء: ترجمة عن فكتور هوغو. ليالي سطيح – في النقد الاجتماعي. في التربية الاولية. الموجز في علم الاقتصاد . حافظ ابراهيم مات فقيرا معدما و تمجد بالامة العربية وابطالها ودعى الى ا لتحرر من العادات والتقاليد القديمة التي لا تنسجم اجتماعيا مع التطور الجديد والتحلي بالخلق الكريم . . يتميز شعره بالروح الوطنية الوثابة نحو التحرر سهل المعاني واضح العبارة قوي الاسلوب متين البناء اجاد في كل الاغراض الشعرية المعروفة . وفي الختام ومن قوله في مخاطبة الشباب العربي المصري هذه القصيدة يقول : اهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد اخلقا لاتياءسوا ان تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم ارتقى مدت له الامال كم افلاكها خيط الرجاء الى العلى فتسلقا فتجشموا للمجد لك عظيمة ان رأيت المجد صعب المرتقى من رام وصل الشمس حاك خيوطها سببا الى اماله وتعلقا حملوا عليما بالزمان وصرفه فتأنقوا في سلبنا وتأنقا هزوا مغاربها فهابت باءسهم ياويلك ان لم تهزوا المشرقا فتعلموا فالعلم مفتاح العلا لم يبق بابا للسعادة مغلقا ثم استمدوا منه كل قواكم ان القوي بكل ارض ينتقى وامشوا على حذر فاءن طريقكم وعر اطاف به الهلا ك وحلقا . امير البيان العربي د. فالح نصيف الحجية الكيلاني العراق- ديالى – بلدروز