أحد الأهداف الرئيسية للإرهاب في مصر هو استنزاف مواردها، والمقصود بالموارد هنا، أولاً : الموارد الاقتصادية، فشراء الأسلحة، وتجنيد عدد كبير من الأفراد، ووقف التنمية في سيناء، والتعويضات التي تدفعها الدولة للأفراد والمؤسسات التي طالتها أيدي الإرهاب، كل هذا يمثل عبئاً اقتصادياً إضافياً علي الدولة، وثانياً : الموارد البشرية، التي تتمثل في الشهداء والمصابين من الجيش والشرطة والشعب، خلال المعارك والتفجيرات. والهدف الأقصي لهذا الاستنزاف هو تحطيم الروح المعنوية للشعب، وبث اليأس والإحباط في النفوس. وهم يستخدمون كل الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف الأقصي، ومنها وسائل الإعلام المعادية، ووسائل الاتصال الاجتماعي، والشائعات وغيرها. لقد فقد أنصار الإسلام السياسي الأمل في حكم مصر، ولذلك فهم يريدون إنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر بها. وحرب الاستنزاف التي يشنونها علي مصر هي السلاح الوحيد المتاح لهم في مواجهتها، لكن هذا السلاح لن يجدي مع المصريين مادامت نفوسهم غير مهيأة للهزيمة، والمعروف من خلال قراءة التاريخ أن مصر لا تنهزم معنوياً أبداً. والدليل القريب علي ذلك هو صمود الشعب في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات في المواجهة الشرسة مع العدو الإسرائيلي، حيث كان الطيران المعادي المنخفض يستبيح سماء مصر، في غيبة أي سلاح يمكنه التصدي له، ورغم الخسائر الجسيمة التي تكبدتها مصر في بحر البقر وأبي زعبل وغيرها فإن المصريين تحملوا حتي امتلكت مصر السلاح القادر علي مواجهة العربدة الإسرائيلية، وحينئذ قال السادات محذراً إسرائيل : العمق بالعمق، والنابالم بالنابالم، فتوقفت فوراً عن انتهاك سماواتنا، وانتصر المصريون بصمودهم. وإحدي حلقات حرب الاستنزاف الحالية علي مصر : معركة الواحات الأخيرة. ولكي نفهم ما حدث في الواحات فهماً صحيحاً فلابد أن نعرف الظروف التي يمر بها الإرهاب في مصر. لقد تلقي الإرهاب ضربات قوية في سيناء، لأنه محاصر في مناطق محددة، والضربات الاستباقية تؤلمه، والمصالحة الفلسطينية أثرت علي حركته عبر الأنفاق، وشلت قدرته علي إدخال الأسلحة والاحتياجات الأخري. كما أن تمويل الإرهاب قد تأثر كثيراً بعد مقاطعة قطر، بدليل أن الإرهابيين قاموا بسرقة بنك منذ أيام لتوفير التمويل اللازم لهم. كل هذا جعلهم يفكرون في فتح جبهة جديدة في غرب مصر، تعتمد علي المتسللين عبر الحدود الليبية. صحيح أن حرس الحدود يقوم بدور رائع في إحباط محاولات التسلل، لكن هذا لا يمنع نجاح أعداد ولو قليلة في التسلل إلي الصحراء الغربية. وأغلب هؤلاء المتسللين قادمون من سوريا والعراق، ولديهم خبرات عالية في القتال، كما أن تسريب الأسلحة إليهم في ليبيا أسهل من إدخالها لهم عبر سيناء، أضف إلي هذا : 1- أن هذه الجبهة ببيئتها الصحراوية الشاسعة يمكن أن توفر لهم مناخاً جيداً للاختباء والتدريب وإخفاء الأسلحة. 2- أنهم حين يفتحون هذه الجبهة لن يكونوا محاصرين في منطقة ضيقة مثل سيناء.. لذلك يحاول الإرهابيون نقل نشاطهم غرباً. لقد حاول الإرهابيون من قبل توجيه ضرباتهم لنا مرتين عبر هذه الجبهة الغربية، مرة حين اعتدوا علي كمين الفرافرة في 2014، وتمكنوا من إنزال خسائر كبيرة بالكمين نتيجة المفاجأة، ومرة أخري حين اعتدوا علي الأشقاء المسيحيين الذين كانوا في رحلة إلي إحدي الكنائس بالمنيا خلال هذا العام. وهاتان المحاولتان أثبتتا لهم أن هذه الجبهة يمكن أن تكون بديلاً لسيناء، ولذلك اختاروها مسرحاً لعملياتهم في حادث الواحات. إن المعركة بيننا وبين الإرهاب لم تنته، وعلينا أن نعي أن أي معركة لها طرفان، ولا يوجد طرف يضرب طول الوقت، أو يتلقي الضربات طول الوقت، بل كل طرف يَضرب حيناً ويتلقي الضربات حيناً آخر، ولهذا فعلينا أن نتوقع بعض الضربات من وقت لآخر، لأن هذه طبيعة الحرب. لكن المهم أن نؤمن إيماناً لا يتزعزع بأن الجماعات الإرهابية لن تهزمنا، فمادامت معنوياتنا قوية فلن ينجح الإرهابيون في هزيمتنا.