من الطبيعي وعلي ضوء الطفرة الاقتصادية الهائلة التي حققتها دول النمور الآسيوية أن يثور التساؤل عن أسباب هذا التطور المثير.. ما يجب أن نعرفه وندركه ونتدارسه هو أن هناك أربعة عناصر رئيسية كانت وراء هذا الانجاز بعيدا عن أي نظريات اقتصادية.. هذه العناصر تتركز في تعاظم روح الانتماء الوطني والتحدي مدعومان بالانضباط والعمل. يضاف إلي ذلك وجود قيادة سياسية ارتضت علي نفسها الخضوع لنفس الصفات كقدوة للشعب. هذه القيادة وفي إطار مسئوليتها وضعت برامج صارمة للتعليم والتدريب والحصول علي التكنولوجيا بأي شكل ومن أي مكان وتوظيفهما لخدمة مخططات التنمية.. لم يكن من سبيل لنجاح هذه السياسات دون توافر التشريعات التي تقدس العمل والإنتاج لتسهيل الوصول إلي الاهداف المحددة. هذا الذي أقوله ينطبق علي الصين والهند وكوريا الجنوبية وتايلاند وتايوان وسنغافورة وكذلك بنجلادش التي كانت تعد من أفقر الدول الآسيوية. إذن فإن تقدم ونهضة هذه الدول لم يتم اعتباطا أو بالفهلوة أو بالتصريحات البراقة الفشنك.. ولكنها جرت بالتوافق بين قياداتها الوطنية الواعية وبين الشعب المدفوع بالحماس والرغبة في بلوغ غايته وطموحاته في حياة كريمة. كل الابحاث والدراسات والمتابعات تشير إلي أن الالتزام بالانضباط كان المحور الاساسي لتفعيل العناصر الثلاثة الاخري. هذا الانضباط كان الاساس الذي حكم العمل والانتاج والالتزام بالتجويد الذي جعله صالحا للتصدير إلي الخارج بأعلي المعدلات. أن حتمية الالتزام بهذا الانضباط بلغت الحد الذي حولت العمال في كل موقع انتاج إلي كتيبة أو فرقة في الجيش تتعامل مع قواعد العمل وكأنها تعليمات عسكرية. في هذا الاطار فإنه يذكر اعتماد دولة كوريا الجنوبية في بداية نهضتها علي استخدام التجنيد لتوفير العمالة اللازمة في المهن المختلفة لتنفيذ المشروعات في الخارج للحصول علي الموارد المالية والعملات الأجنبية. الحديث عن التقدم الحلم لهذه الدول والتي قام الرئيس السيسي بزيارتها.. يجرنا للحديث عن دولة فيتنام. هذه الدولة النموذج في النمو والتنمية. هذه الدولة عانت من الحرب علي مدي سنوات طويلة ولكنها نجحت بالعزيمة والتحدي والاصرار علي التصدي لمحاولات تقسيمها من خلال تدخلات القوي الخارجية. كان هذا طريقها إلي الانتصار والحفاظ علي وحدة أرضها وشعبها. تمكنت بعد هذه الحرب الطاحنة »لملمة» جراحها وخطت طريقها بشجاعة وجسارة لبدء مسيرة النهوض والتقدم. انها واستنادا إلي معدلات النمو العالية التي حققتها اقتصاديا تعد مثالا حيا للشعوب التي أصرت علي الانسلاخ من طابور الدول المتخلفة والانضمام إلي الدول المتقدمة الناهضة اقتصاديا. من المؤكد أن لا سبيل للسير علي هذا الدرب المأمول الذي يحل كل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. سوي بجدية تفعيل العناصر الأربعة التي استندت إليها هذه الدول لتحقيق ما وصلت إليه إلي جانب سن التشريعات المطلوبة لتفعيلها.