الحقائق الجغرافية والتاريخية تقول إن دول جنوب البحر المتوسط وفي مقدمتها مصر بموقعها ومكانتها تمثل الظهير الأمني والاقتصادي لكل دول الشمال الاوروبي الذي يتشكل منه الاتحاد الاوروبي. وفي السنوات الاخيرة أدت الاحداث والتطورات السياسية والاجتماعية إلي مشاكل معيشية واقتصادية وتنموية فيما يتعلق بحياة شعوب دول الجنوب. هذه الظاهرة تمثلت في الهجرة غير الشرعية من الساحل الأفريقي الشمالي علي البحر المتوسط إلي الساحل الأوروبي المواجه بحثا عن فرص حياه وعمل. مع تفاقم الاحوال الاقتصادية والاجتماعية ازدادت وتعاظمت موجات هذه الهجرة التي أصبحت تمثل صداعا اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا لهذه الدول الاوروبية خاصة بعد تصاعد خطر الحركات والتنظيمات الارهابية. هذه الرحلات التهجيرية اتسمت بالمغامرة بأرواح عشرات الآلاف من الباحثين عن أمل للعمل والتربح من أجل حياة كريمة. كما هو معروف فإن هذه الرحلات أصبحت تتخذ من ليبيا خاصة بعد الثورة التي افقرتها وزرعت فيها الفوضي والانفلات الأمني نقاط عبور إلي الساحل الاوروبي المواجه بسفن متهالكة حيث تقوم بتنظيم رحلاتها عصابات الوسطاء. ونتيجة للاخطار التي أصبحت تحيط ببدء هذه الرحلات من ليبيا فقد انتقل هذا النشاط إلي الشواطئ المصرية عند رشيد وبحيرة البرلس علي البحر المتوسط. تم اختيار هذين الموقعين باعتبارهما النقاط الأقرب إلي الساحل الاوروبي بداية من اليونان وإيطاليا. مع اشتعال أزمة الصراعات والحرب الدائرة في سوريا اضطرار مئات الآلاف من السوريين إلي الهرب عبر الحدود التركية إلي الحدود المشتركة مع أوروبا بحثا عن اللجوء. استغلت تركيا تدفق هؤلاء اللاجئين الذين فتحت لهم حدودها إلي أوروبا.. للمساومة وابتزاز دول الاتحاد الاوروبي بقيادة ألمانيا أغني دولة واكثرها جذبا للمهاجرين غير الشرعيين. استطاعت وتحت ضغوط ارتفاع الاعداد التي عبرت الحدود التوصل إلي اتفاق تحصل بمقتضاه علي مليارات اليوروهات في مقابل ضبط حدودها للحد من هذه الهجرة وما سببته من أزمات اقتصادية واجتماعية وانسانية وأمنية. هذا الفكر التجاري الاستغلالي التآمري الذي يسيطر علي أردوغان تركيا ونظام حكمه لم يتوافر لمصر بحكم مبادئها وقيمها وتراثها الحضاري. لم يكن هذا فحسب ان تكون مصر معبرا للمهاجرين إلي أوروبا وإنما زاد من مشاكلها انها نفسها وجهة للمهاجرين من سوريا والعراق والسودان حيث تجاوزت اعدادهم 15 مليون لاجئ. رغم الضغوط التي تعرضت لها مصر وتحملتها إلا إنها لم تلجأ إلي مساومة الاتحاد الاوروبي علي حتمية تقديم المساعدات المادية لها للقيام بما هو مطلوب منها للحد من الهجرة ولمواجهة اعباء استضافتها لملايين المهاجرين. أخيرا وبعد تزايد موجات الهجرة وبالتالي الضحايا الغارقين في مياه البحر المتوسط.. بدأت بعض الاصوات في المفوضية الاوروبية تتحدث عن ضرورة مساعدة مصر لمواجهة أخطار هذه الهجرة محليا وأوروبيا. جرت في هذا الاطار بعض الاتصالات التي لم تأخذ حتي الآن مسارا جديا يدعو إلي تقديم ما يلزم من مساعدات مادية لمصر للقيام بهذه المهمة. هذه المساعدات يمكن استثمارها علي الاقل للحد من هجرة الشباب المصري الذي يعاني من البطالة بإقامة مشروعات تنموية تتيح له فرص العمل والتكسب. تحقيق هذا الهدف يدخل في اطار مسئولية ونشاط وزيرة التعاون الدولي سحر نصر وأجهزة وزارة الخارجية المعنية. إن الاتحاد الاوروبي يمكنه في إطار هذه المساعدة إقامة مراكز تدريب للشباب لاكتساب مهارة الكثير من الاعمال المهنية والصناعية المطلوبة التي تفتح أمامه أبواب العمل والهجرة الشرعية. يمكن لدولة مثل ألمانيا مثلا أن تتبني عمليات التوسع في مشروع مبارك كول للتعليم الفني والذي لم يعد يحظي بالاهتمام والدعم اللازمين رغم فاعلية وأهمية ما حققه وما يمكن أن يحققه للتنمية في مصر. أمامنا أيضا التجربة الرائدة التي قامت بها إيطاليا في محافظة الفيوم من خلال مراكز التدريب والتنمية التي اقامتها هناك. من المؤكد أنه يمكن الاستناد لما أبداه بعض المسئولين في المفوضية الاوروبية حول هذا الشأن لطلب هذه المساعدة التي يجب أن تكون مدروسة لضمان عائدها وفائدتها. هناك فرصة للتواصل من أجل تفعيل هذا التحرك من جانب الاتحاد الاوروبي والذي يشغل باله حاليا أخطار الهجرة غير الشرعية وتداعياتها.