مَن لا يعرف قيمة الزراعة وأهميتها الحيوية لوجودنا كشعب، ويضع السياسات قريبة ومتوسطة وبعيدة المدي علي أساس هذه الحقيقة، لا يستحق ولا يجب أن يكون مسئولاً في بلد زراعي من »ساسه لراسه» عرف هذه المهنة المقدسة ومارسها وطورها وعلمها لكل البشر.. الزراعة هي النشاط الاقتصادي الأولي بالرعاية الآن وفي كل وقت لأنها كفيلة بالرؤية والإرادة والتخطيط السليم، بانتشالنا في غضون موسم أو موسمين من ذلك المأزق الخطير الذي حشرنا فيه دراويش وأتباع صندوق النقد والبنك الدوليين الذين دمروا العملة الوطنية لينهار الجنيه وتقفز الأسعار إلي مستويات فلكية وتنقلب حياة الناس إلي جحيم لا يُطاق. لا توجد حكومة في العالم تدمر الإنتاج والصناعة والزراعة الوطنية لصالح حفنة من السماسرة والتُجار.. وللأسف الشديد ذلك هو التوجه الرئيس لحكومات ما بعد 30 يونيو.. إذ المُلاحظ أن ما يُطبق في مصر من سياسات »عشوائية» يمليها تجار وسماسرة صاروا يستأثرون بإدارة المجال الاقتصادي، لا شبيه له في العالم الاشتراكي أو الرأسمالي.. والمنطق يقول إنه طالما أننا اخترنا أو فُرض علينا اقتصاد السوق الحر فيتعين أن نطبقه بشروطه ومقتضياته.. الاقتصاد الحر » حزمة أو وصفة » كاملة ومتكاملة تستلزم الانفتاح السياسي وإطلاق الحريات الأساسية بلا حدود والانفتاح الاقتصادي الذي يُعطي الحرية لرأس المال مع تقييده بالقوانين التي تحد من تغوله وتحقق الحماية للصناعة الوطنية.. وهذا هو بالضبط ما تطبقه دول رأسمالية عتيدة مثل أمريكا وفرنسا اللتين تتبعان سياسات حمائية سافرة وتقدمان دعماً بلا حدود للمزارعين رغماً عن اتفاقيات الجات وغيرها. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: »ماذا فعلنا للمزارع المصري»؟.. الإجابة صادمة بالقطع.. ولو قلتُ إننا خربنا بيوت الفلاحين وذبحناهم بسكين »ثالم» فلن أكون مبالغاً. ولو كان لدينا برلمان يمثل الشعب ويشعر بمعاناته.. أو حكومة فيها وزارة للزراعة تتابع أحوال الفلاحين لأدرك الجميع أنهم توقفوا تقريباً عن زراعة الفول والعدس ويوشكون علي التخلي عن زراعة القمح والذرة وقصب السكر.. ومعني ذلك أننا نقتل مصدر الغذاء الوحيد لشعبنا أو بالأحري »نحرق غرفة الخزين» في البيت المصري مما قد يعرضنا لشبح مجاعة خطيرة كتلك التي تحدث عنها الجبرتي وابن إياس!!.. نعم يمكن أن يحدث ذلك، لا قدر الله، ما لم نقضِ علي سطوة التجار والسماسرة وأباطرة الاستيراد، وندعم الزراعة والمزارعين ونسيطر علي الارتفاع الجنوني لأسعار التقاوي والأسمدة والوقود ومستلزمات الإنتاج الأخري.. فنحن عندما ندعم القمح مثلا سنوفر عملات صعبة ونؤمن للمواطنين القمح الأجود في العالم.. وإذا دعمنا زراع القصب والبنجر سنحقق الاكتفاء الذاتي من السكر مع ضمان إنتاج ما يسد حاجتنا من مواد حيوية تُستخرج من قصب السكر مثل العسل الأسود والمولاس والكحول والخشب الحبيبي وغيرها.. فضلاً عن تشغيل مصانع السكر بكامل طاقتها مما يزيد الإنتاج ويرفع مستوي معيشة العاملين في القطاع.. أما القطن الذي كنا نسميه »الذهب الأبيض» فإن دعمه سيعيد هذا المحصول النقدي الحيوي الذي نتمتع فيه بميزة نسبية عالية جدا، إلي عرشه مما سيوفر الغزول اللازمة لمصانع الغزل والنسيج المتوقف معظمها عن العمل حالياً.. الي جانب توفير زيت الطعام و»الكُسب» الذي يستخدم علفاً للبهائم.. وتوفير العلف كفيل بإنقاذ الثروة الحيوانية وإحياء مشروع البتلو مما سيوفر علينا مليارات الدولارات التي ننفقها في شراء لحوم أقل جودة بما لا يقاس!!.. والمؤكد أن إنقاذ زراعة وصناعة القطن يحتاج إلي جهود جبارة وإرادة لا تلين خاصة أننا بعنا آلاف المحالج »بتراب الفلوس»!!.. وأرجو أن يكون المسئولون قد فهموا الآن معني وضرورة دعم الزراعة والمزارعين؟.