شيء مذهل أن تكتشف أن المصريين أصبحوا فجأة مهتمين بالانتخابات الأمريكية التي سرقت الأضواء من أزمة الدولار، وأنهت أزمة السكر، وأنستهم ارتفاع سعر البنزين، وبان أن الجميع متفقون علي كون دونالد ترامب قد يبدو مجنوناً (لكن ابن حلال)، عنصريا لكن (هو ده اللي ينفع). لسانه طويل لكن (أحسن عشان يشكمهم)، يكره العرب ويراهم بتوع بترول لا يعرفون أين يوجهون أموالهم لكن ( بيكره الإخوان وهيربيهم). إذا تحدث (هرتل) لكنه (هيبقي تبعنا) كما إن الجميع اكتشف فجأة أنه أفضل من هيلاري كلينتون الحيزبون. حسناً جميعاً.. أنا عرفتكم.. كتبت أسماءكم علي فكرة.. »أبقي اسمع جنس مخلوق يتكلم عن مؤامرة أمريكية ». دعونا نري. ودعونا نشاهد فصلًا غريباً من فصول العالم سيكون من خلاله ترامب (وهذا رهاني) رئيس المدة الواحدة. دعونا نري ونحلل سقوط سطوة الإعلام الأمريكي علي الأمريكيين أنفسهم، وانهيار دولة استطلاعات الرأي، وتغير مزاج الناخب الأمريكي وخروج مظاهرات تصرخ (ترامب ليس رئيسي)، لنذكر الناس بالسؤال اللطيف : عايزين ديمقراطية تاني ؟؟ تاخدوا حبة ديمقراطية كمان ؟؟ جمعتني مناسبة اجتماعية بأحد المسئولين الذي قال لي إن ما يحدث من إنجاز لا يعلم عنه أحد أي شيء من أجل مستقبلنا، يجعل القائمين عليه محبطين من ردود أفعال الناس علي أشياء (ضرورية) و(شر لابد منه) كما وصف، للدرجة التي جعلته، وجعلت كثيرين (ياخدوا علي خاطرهم) لأن أحداً لا يقدر ما يتم، ولا يدرك إن (احنا في حرب يا أستاذ محمد.. عارف يعني إيه حرب ؟؟)، ثم إنه أردف : رغم كل ما نفعله لا أجد إجابة علي سؤال : هي الناس زعلانة ليه ؟؟ حاولت أن أهدئ من روع الرجل قليلاً لكنه ظل يكرر وقد تملكته الجملة فردد مراراً وتكراراً : هي الناس زعلانة ليه ؟؟ ليه الناس زعلانة مش فاهم ؟؟ مش فاهم ليه زعلانة الناس ؟؟ أمسكت نفسي عن استكمال ما يفعل، ومنعت لساني من أن ينطق » زعلانة مش فاهم الناس ليه » و» مش الناس زعلانة فاهم ليه » وتملكتني رغبة شريرة لإكمال التباديل والتوافيق بين الكلمات فوجدت أن أحدها سيعجب الرجل : » الناس مش زعلانة ليه مش فاهم»، لكنني استأذنته في أن أخبره في هذا المقال : الناس زعلانة ليه دعنا نتفق : أنا لست الناس، ولا المتحدث باسمهم جميعاً، لكن هذا رأيي الذي لا ألزمك به. ودعني أبدأ : الناس زعلانة لأنك (عشمتها). رفعت سقف توقعاتها بقناة السويس الجديدة في الإعلام ثم ولا حس ولا خبر عن أرباحها. جعلتهم يشعرون أن العاصمة الإدارية سيجدون فيها شقة أولادهم ومستقبلهم، ثم ضاع الأمر بين الشركات وبين شعور الناس بأن لا شيء يحدث لأنك لا تروجه ولا تشرح ماذا يتم. أخبرتهم أن عوائد المؤتمر الاقتصادي مليارات ثم فوجئوا بأزمة اقتصادية، ولم يعرف أحد أين ذهبت المليارات. علقت كل مصائبنا علي شماعة الإخوان والكلجية والثورجية والمؤامرات الكونية وتركيا وقطر، ثم فوجئوا أن المشكلة من داخلنا. وعدناهم بمستقبل مزهر، وبتغير ملحوظ خلال سنتين ثم نزلوا الشارع فلم يجدوا السكر. هللنا لمنظومة الخبز التي فعّلها وزير التموين ثم أجبرناه علي الاستقالة. صفقنا لحل أزمة الكهرباء ثم صرخنا من ارتفاع الفواتير. أقنعناهم أن العدل يسري علي الجميع، ثم في أول لجنة وجدوا عربات البهوات بدون (نمر) وتمر عادي جداً، ويا ويل الغلابة. أخبرناهم أن تعويم الجنيه ورفع أسعار البنزين عملية لابد منها، لكننا لم نعد المريض لهذه العملية الخطيرة، وبعد أن كان يظن أن علاجه بالحبوب فاجأناه باللبوس، رغم أن من حقه أن يعد لكل ذلك.. كل هذا لا يجعل الناس زعلانة من وجهة نظرك، ويجب أن تصبر، ما يزعجهم ويزعلهم فعلاً أن أبواقاً إعلامية تهاجمهم، وتطالبهم بالهجرة (واللي مش عاجبه يمشي)، ورويبضات علي الفضائيات تظهر لتلومهم ولا ينقصها سوي أن تلطش المواطن قلمين. ما يزعل الناس بخلاف كل ذلك، شعورهم أنه لا حكومة لديهم، وأن مجلس النواب ديكور يكتب ما يملي عليه، ما يزعلهم أن الكل يقول إننا في حرب ولا يخبرونهم متي تنتهي، ولا يخبرونهم كيف يحاربون معهم بعيدًا عن نغمة (استحملوا) و(اصبروا شوية احنا في حرب). تعرف يا فندم. كان هناك رئيس وزراء (عقر) زمان اسمه أحمد ماهر باشا، في سنة 1939، في أوائل الحرب العالمية الثانية كانت مصر هي (ضرع) تحلبه بريطانيا في حربها، حدثت أزمة في التموين، قام علي ماهر باشا بإنشاء (المجلس الأعلي للتموين) جامعاً فيه كل من له علاقة بالأمر وبضبط الأسعار، فرض الرجل تسعيرة جبرية وصادر ممتلكات وبضائع كل من تسول له نفسه اللعب بالأسعار أو احتكار السلع أو حجبها عن الناس. جعلت الداخلية المخبرين ينشطون من أجل هذا الأمر فكانت النتائج مبهرة !! تعرف يا فندم. رئيس الوزراء لم يجد اختيار توقيت عقد مؤتمر صحفي ليبرر ارتفاع الأسعار وتعويم الجنيه وأصبح يقول للصحفيين يا ريت بسرعة عشان الصلاة.. كيف أثق من اختياره لتوقيت قراراته أصلاً ؟ سأتصور نفسي رئيس مجلس الوزراء وأريد ضبط الأسواق. سأكون وحدة إدارة أزمة من الوزراء والمحافظين وأجعلها في حالة انعقاد دائم. سأطلب من المحافظين تفعيل دور المحليات ومراقبة الأسواق وأتلقي منهم تقريرين يوميين صباحاً ومساءً عن الأسعار وماذا تم لخفضها. سأجبر جمعيات المجتمع المدني علي تضافر جهودها في صورة سلع تموينية منخفضة التكلفة مدعومة من ملايين التبرعات التي تصل لهم لأسد عجز بعض السلع. لن أنام حتي أقول : الحمد لله.. الناس مش زعلانة. لكن الأمر لا يزال يتلخص في نفس جملة سواق التاكسي التي أكررها دائماً في الفترة الأخيرة : » هما هيجيبوا إمتي رئيس وزراء بعد محلب» ؟؟