الاشتباك سيد الموقف احتلت السياسة حيزا كبيرا من فكر المصريين وأصبحت نقطة مضيئة يدور حولها الجميع آملين في حياة أفضل، فليس بالغريب دخولها أيضا علي الحياة الدراسية للطلاب، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات والاعتراضات بالجامعات والمدارس، فحسب مؤشر الديمقراطية الصادر عن المركز التنموي الدولي، شهد العام الدراسي الجديد والأول للحكومة الانتقالية الحالية، من الأحداث الخطيرة والمتتالية، بشكل دفع المؤشر لرصد وتوثيق تلك الأحداث التي شهدت حراكا طلابيا واسعا أسفر عنه موجات احتجاجية نتج عنها 233 احتجاجا طلابيا بكافة مراحل ومؤسسات التعليم المصرية، و37 اشتباكا بالجامعات والمدارس. كشف »مؤشر الديمقراطية« الصادر عن المركز التنموي الدولي عن اندلاع 233 احتجاجا طلابيا بكافة مراحل ومؤسسات التعليم المصرية وهو ما رصده المؤشر في تقريره الصادر بعنوان "غضب طلابي وسياسات مرتعشة" حول الأحداث التي شهدتها العملية التعليمية في مصر خلال الأيام الماضية. محذرا أن تدخل الأهالي يزيد من حدة الموقف والعنف الذي شهدته المنشآت التعليمية بمختلف أنواعها، متوقعا أن تشهد مصر خلال الأيام القليلة الماضية موجات مد احتجاجي طلابي وأحداث عنف سياسي داخل المنشآت التعليمية بشكل يفاجئ الجميع . وأوضح التقرير مشاركة كافة القطاعات التعليمية في الحراك الاحتجاجي والتي أكسبته طابع الانتشار الواسع، حيث نفذ طلبة الجامعات المصرية 146 احتجاجا بنسبة 62.7٪ من الاحتجاجات الطلابية خلال الشهر، نفذها طلاب 24 جامعة إمتدت من أسوان للإسكندرية بشكل عكس احتجاجات جابت معظم الجامعات المصرية وتصدر المشهد طلبة جامعة القاهرة بعدما قاموا ب22 احتجاجا، تلاهم طلاب جامعة عين شمس ب13 احتجاجا، في حين نظم طلاب السنة الأولي بمختلف الجامعات المصرية 12 احتجاجا بسبب معاناة الالتحاق والنقل والتحويلات. بينما نفذ طلاب التعليم ما قبل الجامعي 73 احتجاجا مثلت 31.3٪ من مجمل الاحتجاجات الطلابية خلال الشهر، وكان طلاب الثانوية العامة هم المحرك الأساسي لاحتجاجات هذا القطاع الطلابي وذلك بعد تنفيذهم ل50 احتجاجا، في حين نظم طلبة التعليم الأساسي 6 احتجاجات، وفي سابقة أولي من نوعها نظم بعض من طلاب مدارس التربية الفكرية مظاهرة بمعاونة أولياء أمورهم، في حين نظم طلبة القطاع الأزهري قبل الجامعي 16 احتجاجا، كما نظم خريجو التعليم الفني وطلاب شهادات المعادلة العربية والإنجليزية 14 احتجاجا مثلت 6٪ من الاحتجاجات الطلابية. واختلفت طرق احتجاج الطلاب ما بين أكثر من 15 وسيلة احتجاجية للتعبير عن مطالبهم واستياءاتهم،جاءت تقليدية في معظمها حيث نظموا 88 تظاهرة، و62 وقفة احتجاجية و44 مسيرة احتجاجية، بالإضافة لتنفيذ 11 سلسلة بشرية و9 حالات اعتصام بينما زادت وتيرة العنف في بعض الوسائل مثل قيام الطلاب ب4 حالات قطع طرق و4 محاولات اقتحام منشأة وحالتي اعتراض موكب مسئول. في حين استخدم الطلاب العروض المسرحية تعبيرا عن احتجاجهم متخذيها كأداة للتعبير السلمي، لكن المؤشر لاحظ أن الطلاب من طرفي الصراع السياسي لا يأبهون بالوسائل المستخدمة لتعبير الآخر عن رأيه ودائما ما يكون مجرد قيام أي طرف بالتعبير عن رأيه هو استفزاز للطرف الآخر قادر علي توليد اشتباكات وعنف في لحظات. واشار التقرير إلي أن الاحتجاجات الطلابية اجتاحت 22 محافظة مصرية ب24 جامعة وعشرات المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والمعاهد الأزهرية، حيث تصدرت محافظة القاهرة المشهد بعدما شهدت 34 احتجاجا طلابيا بنسبة 14.6٪، تلتها محافظة الجيزة ب31 احتجاجا ونسبة تمثيل 13.3٪ في حين تشاركت محافظتا الإسكندرية والشرقية المركز الثالث بعدما شهدت كل منهما 17 احتجاجا بنسبة 7.3٪، في حين شهدت محافظة المنوفية 16 احتجاجا طلابيا ثم تلاهم محافظات الفيوم والمنيا والدقهلية وتباعا حتي ذيل القائمة الاحتجاجية المتمثل في محافظة الوادي الجديد التي شهدت احتجاجا طلابيا واحدا. أما عن أسباب الاحتجاجات فقد أوضح التقرير أن 60٪ منها لمطالب سياسية لتعكس وبشدة التأثير السلبي لأذرع الصراع السياسي داخل البيئة التعليمية المصرية، حيث نفذ الطلاب المنتمين للجماعة 123 احتجاجا، بينما نظم الطلاب العاديون احتجاجات ضد الفعاليات الإخوانية، الأمر الذي قلص من كم الاحتجاجات التي حركتها الأسباب المتعلقة بالبيئة التعليمية نفسها، لتصل ل40٪ من جملة المطالب والتي كانت أهمها تغيير نظام الثانوية العامة الجديد وعملية التحويل الجامعي والمصروفات وغيرها من المطالب التي يجب ألا يتعامل معها المسئولون بصفتها مطالب سياسية. وذكر التقرير عشر ملاحظات حول الأحداث الأخيرة والتي وصفها بالخطيرة والواجبة الدراسة والتدخل السريع والتي تتمثل في وقوع 25 حالة اشتباك داخل 24 جامعة مصرية في حين وقوع 12 واقعة اشتباك داخل المدارس ليشهد التعليم المصري في أول أيامه 36 واقعة اشتباك بين الطلبة وبين المعلمين وهو ما يدعو إلي أهمية الحوار وتهذيب الفكر السياسي. ونبه التقرير علي 3 ملاحظات أساسية تمثلت في اعتداءات الأهالي علي الطلاب والمعلمين في 7 حالات بشكل يعكس خطرا واضحا علي سلامة وأمن المنظومة التعليمية، أما الملاحظة الثالثة في تلك الفترة فهي حول طبيعة اللقاءات والخطابات التي تنظمها بعض المدارس. وتأتي ملاحظة المؤشر النهائية في تساؤلات يطرحها حول قرارات وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم بإعفاء الطلاب من المصروفات المدرسية ورسوم المدن الجامعية وإمكانية تحويل تلك الكلفة نحو خطط استراتيجية تنموية عوضا عن كونها تبدو هبات اقتصادية تعكس تكرارا لسياسات الماضي التي ثار عليها المصريون. في النهاية أشار التقرير إلي عده توصيات للمجتمع المدني ولصناع القرار بالسلطة التنفيذية الحالية تتمثل أهمها في انتهاج سياسة تعتمد علي ثنائية احتواء الحراك الطلابي بشكل حضاري يحرك كافة الطاقات الطلابية لطاقات إبداعية حتي وإن كان إبداعا احتجاجيا، ويخلق أجواء من التعايش مع كافة الأفكار وانتهاج نظام ملزم للجميع باحترام الحق في الحصول علي التعليم ودرء الصراع السياسي وملء الفراغ الناتج عنه بحوار فكري وتوجيه إيجابي للطاقات. وفي سياق متصل أكد الطلاب علي أهمية التعبير عن الرأي والمشاركة في الحياة السياسية التي فجرها الشباب بالمجتمع المصري من جديد، فأكد جمال الدين (19 سنة) طالب جامعي أن الاحتجاجات الطلابية وما يحدث بالمؤسسات التعليمية سواء كانت جامعات أو مدارس هو رد فعل طبيعي لتطور الأحداث علي الساحة السياسية، حيث جاءت الدراسة بعد كثير من المشاحنات والأحداث السياسية، كما أن للشباب الكثير من الآراء التي في حاجة للتعبير عنها وإن كان يجب مراعاة السلمية واحترام الرأي الآخر حتي لا يتخللها أعمال العنف والتخريب وتتلاءم مع فكر شبابي طلابي يريد التغيير للأفضل . وتضيف شيماء محمد (20 سنة) طالبة جامعية أن السياسة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية المصرية، وأصبحت الشغل الشاغل لهم وما أن يفتح حديث في أي مكان كان إلا وتكون السياسة هي الرابح الاكبر، لذلك فمن الطبيعي أن يعبر كل شخص عن رأيه سواء بالتأييد أو الاحتجاج والمعارضة وأن يطالب كل شخص بحقه ولكن باتباع الأساليب المشروعة . ويصف لنا محمد فؤاد (19 سنة) طالب جامعي المشهد الذي يتكرر يوميا بالجامعات ما بين متظاهرين للإخوان ومتظاهرين آخرين مؤيدين للفريق السيسي، فغالبا لا تخلو الجامعة من المظاهرات والاحتجاجات وما أن يتقدم جانب للمظاهرة حتي يتظاهر الجانب الآخر، مستنكرا بعض أعمال العنف والألفاظ الخارجة التي تتخلل المظاهرات، متسائلا إلي متي سنظل في مرحلة سنة أولي سياسة . ومن جانبه يعلق أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي قائلا: إن الشباب هم مستقبل الأمة الواعد، وقادة الغد ورجاله الذين يقع علي عاتقهم تطورالمجتمع في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلي أيديهم تتحقق أهدافه وطموحاته في عالم متطور تسوده تحولات وتحديات سريعة ومتباينة ويعتمد ذلك علي ما يوجه للشباب في رعاية تنمي مهاراتهم القيادية وتدريبهم علي صناعة واتخاذ القرار في الوقت المناسب ، وتفيد البيانات الإحصائية الصادرة عام 2006 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بأن الشباب شريحة تزيد علي نصف عدد السكان في مصر حيث نسبة الشباب بين الخامسة عشرة والخامسة والأربعين تصل إلي48.2٪ وترتفع هذه النسبة إلي 69 ٪ من إجمالي عدد السكان إذا ما أضيفت لها شريحة النشء من سن السادسة وحتي الخامسة عشرة لذلك فهم الفئة التي تمثل القوة الدافعة لحركة المجتمع وتطويرة، لذلك فإن ما يحدث وتطور فكرهم السياسي ومشاركتهم في الحياة السياسية بقوة ووضوح هو في حد ذاته شيء إيجابي ومبشر، وإن كان ما يحدث من بعض أعمال العنف أو الوسائل غير السلمية أو تعطيل للعمل هو ما يحتاج إلي بعض التقويم والإصلاح ومراجعة أفكارهم ووضعها علي النصاب الصحيح ويلزم أيضا العمل علي تحديث السياسات وتنظيم البرامج اللازمة لتنمية مهاراتهم وتزويدهم بمختلف الخبرات والاتجاهات وإعمال العقل في جميع التصرفات. ويتابع: إن علي الشباب واجبات تحتم عليه المشاركه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتصدي لأوجه الفساد والا ستغلال والممارسات السلبية في الحياة العملية، حيث إن المشاركة السياسية هي أحد أنواع المشاركة المجتمعية إذ تتضمن معلومات وخبرات، ومهارات واتجاهات سياسية، لذلك يجب أن تتعاون مؤسسات المجتمع المختلفة وتتفاعل لتنمية هذه المشاركة وتأتي الأسرة في مقدمة هذه المؤسسات نظرا لأنها أكثر المؤسسات تأثيرا وتتكامل معها المدرسة والجامعة والمؤسسات المدنية التي تشارك في هذه المسئولية فتعتبر المدرسة هي المؤسسة التربوية الأولي والمسئولة عن التربية السياسية للطلاب، والجامعة التي تقوم بدور أكثر فاعلية في ممارسة الطلاب للمشاركه السياسية واكتسابهم قيم الولاء والانتماء للوطن، بالإضافة إلي وسائل الإعلام التي تعد ركيزة أساسية في تنمية المشاركة للشباب لأنها تخاطب جميع الفئات وتنمية قيم الولاء والديمقراطية والحرية لديهم.