لم أستغرب أبدا أننا لم نسمع للرئيس المؤمن محمد مرسى حسا أو خبرا بعد كل ما تم نشره وإذاعته وبثه طيلة الأيام الماضية من وقائع مخزية للإنتهاكات التى ارتكبتها داخليته بحق مواطنين تم تعذيبهم وهتك أعراضهم وإمتهان آدميتهم؟. لا أظن أن مرسى قد شاهد حلقة الثلاثاء الماضى من برنامج (آخر كلام) التى أدمت قلوب المصريين، فالبرنامج يذاع فى وقت متأخر من الليل، والرئيس يحرص على أن ينام مبكرا ليصلى الفجر «حاضر»، كان مرسى حريصا على السهر عندما كان مطلوبا منه أن يلف على برامج الفضائيات ليردد فيها وعودا كاذبة عن أهداف الثورة التى سيحققها وحقوق الشهداء التى سيعيدها وكرامة المواطن التى سيصونها والأموال المنهوبة التى سيستردها، أما الآن فهذه الفضائيات ليست سوى منصات للتآمر عليه، وكل ما يرد فيها كذب صُراح، حتى وإن جاء موثقا بأسماء الضحايا وصور علامات التعذيب على أجسادهم التى تنطق بعار سيلاحق مرسى إلى الأبد، لا أظن مرسى مهتما بمشاهدة كل ذلك، أظنه يفضل أن يتصل قبل نومه بكبير جلاديه محمد إبراهيم ليسأله عن أخبار مخزون قنابل الغاز المسيل للدموع، ثم يوصيه قبل أن يقفلا المكالمة بألا ينسى قراءة أذكار المساء، وربما اتفقا على أن يتعهدا بعضهما بالصحيان للصلاة فى الهزيع الأخير من الليل. لا أدرى إذا كان مرسى لا زال يقرأ الصحف مع قهوة الصباح كما كان يفعل قبل وصوله إلى كرسى الرئاسة، أم أنه يكتفى بقراءة التقارير المختصرة التى تقدم له ما يحب صناعها أن يقرأه، لذلك لا أدرى هل قرأ الوثائق التى نشرها زميلنا محمد الجارحى فى صحيفة (المصرى اليوم) والتى تكشف إستيراد داخليته لشحنة من الولاياتالمتحدة وزنها نحو 57 ألف طن بها 140 ألف قنبلة غاز مسيل للدموع. ولا أدرى هل سيفعل شيئا بعد نشر الوثائق غير البحث عمن قام بتسريبها، أم أنه ربما شعر بالخجل وتأنيب الضمير عندما يقرأ تفاصيل الوثائق التى تقول أن الداخلية عندما اشتكت فى يوم 17 يناير 2013 من أن مخازن ذخيرتها لا يوجد بها سوى «291 قنبلة غاز فقط»، ردت عليها الشركة الموردة بأن سر التأخير هو تعنت الحكومة الأمريكية فى إصدار تصاريح تصدير لقنابل الغاز برغم التعاقد عليها منذ شهر يوليو 2012، وذلك بسبب ضغوط وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، وبالتالى لم يتم الحصول على موافقة التصدير من الحكومة الأمريكية إلا بعد أن تم إزالة إسم الشركة وبلد المنشأ من على العبوة المنتجة، أى أن الإدارة الأمريكية التى عاش محمد مرسى وإخوانه كل سنين عمرهم وهم يهتفون بسقوطها لأنها الطاغوت الأكبر، خجلت بعض الشيئ من عواقب تصدير قنابل غاز تحمل إسم أمريكا، بينما لم يخجل مرسى وإخوانه من إستيراد قنابل الغاز لضرب مواطنيهم به، حتى لو مات بعضهم مختنقين به، أو مرض البعض الآخر بأمراض خطيرة، أو مات لدى الشعب الإحساس بأن هناك شيئا قد تغير فى مصر بعد أن حكمها مدنى منتخب جلس على مقعد العسكرى غير المنتخب، فما خرج عن سياساته القمعية الحمقاء قيد أنملة. لا أظن أن مرسى يتذكر وعوده التى قطعها على نفسه بتحقيق مطالب الثورة وعلى رأسها إعادة هيكلة الداخلية وتطهيرها لكى يتمكن أصلا من تحقيق القصاص للشهداء، لأنه لو فعل لكان قد بدأ حكمه مثلا بدراسة مستفيضة لكتاب (إغراء السلطة المطلقة) للباحثة بسمة عبدالعزيز لعله يتعظ من عرض الكتاب لتجربة فشل الدولة البوليسية التى اعتمد عليها سلفه فلم تنفعه ببصلة من تلك التى كان يستخدمها ثوار يناير لقهر الغاز، ولكان قد قام مثلا بإستدعاء كافة المشاركين فى صنع كتاب (كيف نعيد بناء جهاز الأمن) الصادر عن مركز النيل للدراسات الإقتصادية والإستراتيجية والذى حرره الباحث المتميز عبدالخالق فاروق، ولطلب من الخبراء المحترمين الذين شاركوا فى تحرير الكتاب كل ما لديهم من معلومات وتوصيات، ولكان أول قرار يتخذه عقب ذلك هو تبنى (المبادرة الوطنية لإعادة بناء الشرطة) والتى شارك فى صنعها عدد من أهم وألمع الحقوقيين وخبراء الأمن، لكن مرسى على ما يبدو مشغول بما هو أهم، مشغول بقراءة التقارير التى ترده من الأجهزة الأمنية التى لم يبادر إلى تطهيرها والتى لا يدرك أنها تعيش فى قمة السعادة وهى تراه يجلس سجينا فى قصره لا يجرؤ على مغادرته إلا فى حراسة مشددة كالتى كان يحظى بها سلفه المخلوع، مشغول أيضا بقراءة التقارير الواردة من مكتب الإرشاد التى تنقل له تقارير وحدات الرصد الميدانى الإخوانية فى مختلف المحافظات والتى تؤكد له أن وراءه شبابا مستعدا للموت من أجل الحفاظ على شرعيته حتى لو كان قد داس تلك الشرعية بكذبه وإخلافه للوعود وتسببه فى إراقة دماء الأبرياء وإنتهاك كرامتهم. لا أدرى بماذا يدعو محمد مرسى لنفسه فى صلواته، لكنى لو كنت مكانه لدعوت الله عز وجل أن يلهمنى البصيرة التى تجعلنى لا أمر ببساطة على أخطر معلومة نشرت حول صفقة قنابل الغازات المسيلة للدموع، وهى أن نفس الشركة التى تورد لداخليته قنابل الغاز المسيلة للدموع الآن، هى نفس الشركة التى كانت توردها للداخلية طيلة السنوات العشر الماضية، ولو كان لدى مرسى بصيرة يقظة لأدرك بعد أن يقرأ معلومة كهذه أنه لا سبيل أمامه إلا أن يصلح فورا كل ما أفسده أو أن يرحل غير مأسوف عليه، دون لأن القبضة البوليسية لن تنجح فى حمايته دائما وأبدا، فلو كانت الغازات المسيلة للدموع ستنفع مبارك وطنطاوى، لنفعت مرسى غازاته. ألا لعنة الله على الظالمين.