لا أريد أن يقع القلم من يدى فى ما تبقى من أيام قليلة من العمر فأنا أتنفس من قلمى لا من صدرى.. يوم سمعت عن البلطجية والقتلة والسفلة الذين دبروا ومولوا ونفذوا جميع جرائم قتل شبابنا منذ قيام الثورة وأنهم فى المجزرة التى ارتكبوها فى استاد مدينتِى بورسعيد وكان بينها القتل بالبرك على الصدور، لم يعد الأمر كتابة قدر ما هو انتفاضات ونداءات لبقايا من ضمائر أو أخلاق لوقف مواصلة قتل المصريين بالبرك فوق صدورهم وعقولهم وظروفهم المستحيلة خصوصا الملايين التى تجدف فى بحور ظلمات الجهل والمرض والفقر والاحتياج، يقوم بالقتل وبدماء باردة من يتصارعون الآن على اقتسام السلطة والمغانم واختطاف النفوذ والسطوة والوطن كله بينما يتواصل تكشُّف أن كل ما احتملناه لوضع أسس استقرار ودولة مدنية ديمقراطية وتحقيق عدالة ورحمة اجتماعية مطعون على شرعيته.. حتى هُويتنا أصبحت مطعونا عليها! ■ قام المصريون بثورتهم ليوقفوا توريث البلد لولد فأصبح الوريث مجلسا وجماعة يتسابقان لاستنفاد وتجريف الجهد والطاقة والزمن والعقل والأمل فى متاهات الحيرة والشكوك والغموض والمفاجآت والترتيبات التى تزيد المشهد الوطنى اضطرابا وخطورة.. أعترف أن هذا المقال كان للكتابة عن نقاط مضيئة ستظهر فى نهاية النفق المظلم الذى نعبره وكالعادة أسبوعيا تفرض الأحداث نفسها ومؤشرات كثيرة تقول إن ما يبدوه أن صراع ليس إلا جزءا من سيناريو الوصول إلى الرئيس التوافقى الذى يحقق الخروج الآمن لكل من سرقوا ونهبوا ثروات المصريين قبل الثورة وما زالوا بعدها.. وجميع التصريحات تؤكد الترتيبات، وإلا فليقل واحد لنا كيف نفهم تصريحات د.كمال الهلباوى فور استقالته من الجماعة (ترشيح نائب المرشد تم بالاتفاق مع العسكرى)، وماذا عن تصريحات رئيس حزب الوسط حول ما قيل فى كواليس اجتماع المشير والأحزاب («الإخوان» رفضت تغيير تشكيل الجمعية التأسيسية وعنان دعمهم)؟ وكيف نفسر أنه فى توقيت بالغ الخطورة، وفى لحظات مصيرية ترتبط بتأمين ترتيبات إنهاء ما تبقى من الفترة الانتقالية واستكمال انتقال السلطة سلميا وقيام حكم مدنى يتم الدفع بصراع ما يبدو أنه تفجير للمواقف وبما يفرض وقف إنجاز خطوات التحول ويجبر على امتداد الفترة الانتقالية إلى مدى يعلمه الله وحده، ما معنى ما يلوّح به رئيس الوزراء وسط هذا الصراع وهو ووزراؤه إحدى أشكاليات الشعب الذى تتراجع حياته إلى الخلف ولم تتقدم خطوة إلى الأمام؟ ما معنى أن يعلن وسط المشهد السياسى والاقتصادى والاجتماعى البائس أننا فقدنا 80٪ من الاحتياطى النقدى؟ هل الإجهاز على الاحتياطى النقدى ضرورى لاستكمال التسليم لفروض الصراع؟ ولماذا لا توجد إجابات شافية عن عشرات الأسئلة الخطيرة حول حقيقة الإنفاق والدخول ومصير أموال الصناديق الخاصة الذى غضب الوزراء من توجيه اتهامات إليهم بتقاضى أموال منها، وعشرات علامات الاستفهام التى تحيط بالموقف من عدم مبالاة المسؤولين فى مصر بمواقف جادة لاسترداد المليارات المنهوبة التى أُخرِجَت آمنة إلى الخارج والأخبار المدهشة التى تتوالى دون رد عليها.. مثل ما نشرته «الأهرام» 31/3/2012 حول ما أعلنه رئيس المبادرة الشعبية لاسترداد أموال مصر من أن الشرطة الإسبانية تحقق فى محاولات تجرى هذه الأيام لشراء عقارات لصالح أسرة مبارك! ما شاء الله! مصر على وشك إعلان إفلاسها وهم يواصلون إنفاق واستثمار أموال المصريين وشراء العقارات والإنفاق على حمايتهم ورعايتهم والإقامة فى المنتجع الطبى الفاخر! صراع الفرقاء أو الشركاء يجعل الثورة المضادة وأقطابها من النظام القديم لا يقفون وحدهم ويضم إليهم كثيرين ممن قطفوا خيرات ومكاسب ومغانم الثورة بينما الشعب بملايينه المريضة والعاجزة وساكنة العشوائيات بمدارسهم ومستشفياتهم البائسة وغلاء الأسعار الذى يحرقهم، والذين تُضاعِف تفرقهم نتائج الفوضى والفساد والفشل السياسى والاقتصادى والإدارى والاجتماعى لم يقطفوا ثمرة واحدة للثورة حتى الآن -أذكّر برقم واحد لعل من تجرى فى عروقهم مياه عكرة بدلا من الدماء يخجلون: إن البرنامج الذى أعدته الحكومة لتحقيق العدل الاجتماعى يبحث عن زيادة معاشات الضمان إلى 200 جنيه، ووفق المنشور فرئيس مجلس الشعب يحصل على 75 ألف جنيه راتبا شهريا غير بدل حضور الجلسات! أذكّر الفرقاء والشركاء فى محاولات قتل المصريين بالقهر واليأس وظروف الحياة المستحيلة أن المصريين منذ قاموا بثورتهم العبقرية التى أدهشت الدنيا وتحولت إلى فزاعة وكارثة لكل من هدمت ممالك فسادهم وثرواتهم المحرمة. ■ أعتذر عن السطور البائسة السابقة التى طالت منى، بينما القصد الأساسى من المقال أن أدفع بالأمل والثقة من خلال نقاط الضوء التى يجهزها أمناء مصريون يعملون فى صمت من أجل استرداد القوة والعافية لبلدهم وإنهاء مخططات الاجتياح وإبادة المصريين بحروب الإبادة البيولوجية أو بالمجاعات الغذائية والأمراض الخطيرة. بشر وأبحاث ودراسات وخطط وبرامج عمل تذكرنى بفكرة «الخبيئة» التى آمن بها المصريون القدماء، أن يدخروا ويدبروا ويعدوا ما يواجهون به ما يترتب على عصور النهب العظيم والتدمير الذى تعرضوا له منذ فجر تاريخهم. أبحث دائما عن الذين يمثلون خبيئة الأمل والقوة والعافية لمصر الجديدة. فى صمت محترم وعميق تعمل كتيبة مصرية من المقاتلين العظماء من علمائنا فى المركز القومى للبحوث وتقترب بحذر من تجربة أول سلاح محلى ضد فيروس سى («الشروق» 1/4/2012) بعد أن أصبح المصريون من أعلى الدول التى ينتشر بينها المرض، وحسب مسح إحصائى عام 2008 يصيب 10٪ ونحن لا نملك إحصاءات دقيقة فى أى مجال ونسب المرض الحقيقية أعلى من المعلنة بكثير، يعمل الباحثون فى أصعب ظروف وتمويل من مؤسسة «مصر الخير». سؤال متواضع ما ظهر فقط من ملايين تتدفق بلا حساب للفوز بسلطان المجالس والرئاسة، أقول ملايين، والحقيقة أنها مليارات كم أنفق منها على أبحاث مثل هذه الأبحاث لتخفيف محنة أمراض المصريين التى لا تجد مصادر للإنفاق إلا من أموال الزكاة والصدقات؟ ■ مشروع آخر ينضم إلى المشروعات المقاتلة المعلن عنها وغير المعلن من أجل زراعة القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتى والأمن الغذائى من محاصلينا الاستراتيجية وبأيدى الأخيار وشبابنا وبعلم خبرائنا، وقد أشرت فى مقالى قبل الأخير إلى مشروع للمستثمرين المصريين بالخارج ووكيلهم المهندس إمام يوسف، والمشروع بعد سنة كاملة هى عمر الثورة سيُعرض خلال الأسبوع القادم على لجنة الزراعة بمجلس الشعب، ويؤسس لزراعة 5000 فدان بجهود ومشاركات وإسهامات شعبية خالصة لا تشارك فيها الدولة بجنيه واحد.. وأضيف هذا الأسبوع مشروع الأمل من التحرير إلى التعمير الذى ينفذ فى إطار مشروع أكبر يحمل عنوان «الحلم الإفريقى»، وتمتلئ السطور التى كتبها مؤسسه المهندس محمد عبد الهادى حسن بتفاصيل مدهشة أقتطف منها أن دراسة المشروع قام بها 300 عالم ويدعو إلى الاستعانة ب5000 من شباب الثورة ومن جميع الائتلافات والأحزاب، المشروع قدمه صاحبه فى نسخة تفصيلية فى ستة أجزاء لمستشار وزيرة التخطيط والتعاون الدولى فى 7/3/2011، وحتى الآن لم يتحدد موعد مع الوزيرة. ما فهمته أن الأراضى جاهزة والتمويل والدراسات.. ما زال المفتقَد إرادة وإدارة وطنية ومسؤولون يؤمنون بأن هناك ثورة وشعبا أصيلا دُحر بما يكفى وينتظر أن تتحول الثورة إلى حياة وميلاد جديد له. ولنا موعد لتفاصيل أكثر دهشة فى أسبوع قادم بمشيئة الله.