اقترب عيد الأم، ولدينا ما يقرب من ثلاثة آلاف أم ثكلى، قُتل حبات قلوبهن غدرا وغيلة، ولم يتم القصاص من فأر ولا حتى صرصار. أقول ثلاثة آلاف أو ما يقرب من هذا العدد، لأننا لدينا فى كل شهر عدد من الشهداء يقدَّم قربانا لمصر التى تأكل أجمل ما فيها، ولا يظل على المداود إلا شر البقر. ليس لدينا حصر دقيق لشهداء العام المنصرم، إذ إن وزارة الصحة والمجلس العسكرى عادة ما يكذبون، والثوار ليس لديهم جهاز إحصاء، وأهالى الشهداء كل مشغول فى مصيبته، إلا أن كلنا يعلم أن عدد القتلى فى أحداث يناير وفبراير ومارس وأبريل ومايو ويونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2011، أكبر من الأعداد المعلن عنها، خصوصا فى ما يخص أحداث 8 أبريل، و8 أكتوبر (ماسبيرو) ونوفمبر (محمد محمود بالقاهرة، والتظاهرات بالإسكندرية والسويس ومحافظات أخرى)، وأحداث مجلس الوزراء فى ديسمبر 2011. أكثر من ألف ونصف الألف استُشهدوا فى يناير 2011، والباقى اتنطروا بقى على بقية السنة. ثم لدينا اثنان من المغتالين فى يناير 2012، محمد جمال وأبو زيد، دول كانوا مسح زور كده، ثم مذبحة الألتراس، وهى المذبحة الوحيدة التى تمكنا من معرفة العدد الحقيقى لشهدائها، 194 شهيدا، بسبب القدرة التنظيمية العالية لروابط المشجعين، وزى ما احنا عارفين الإعلام ووزارة الصحة والمجلس العسكرى مارسوا الكذب كالعادة وقالوا إن القتلى 40 مواطنا، ولما لقوها وسعت منهم قالوا 70... بعدين الألتراس طلع مابيحبش الهزار ولا بيستخفّ دمهم أساسا، فبصّوا فى السقف. هممممممم... سيأتى عيد الأم، وسيذهب الناس إلى أمهات الشهداء، وستُعقد الندوات، وستتناوب القنوات الفضائية عرض صور الشهداء مع الأغانى المؤثرة، وسيبكى الناس، ثم ينشغلون بالانتخابات الرئاسية، وبعرض الأراجوز الذى يقدمه البرلمان بشكل دورى، وبفتاوى محمد حسان وعبد المقصود، اللذين قررا أن يقبل أهالى الشهداء الدية، لا وإيه؟ وتكون الدية من الأموال المنهوبة من النظام السابق، ألا وهى أموال الشعب، يعنى الشعب يدفع لنفسه دية قتل أولاده. طب يا شيخ حسان.. طااااب يا شيخ عبد المقصود، إن شاء الله لما ضنى كل واحد فيكم ينطخّ فى الشارع من الشرطة حنبقى ندفع لكم الدية من أموال صفقات السلاح التى يتربح منها أعضاء المجلس العسكرى. ويقول الشيخ عبمقصود، أصل ده قتل خطأ، فالعسكرى لم يقصد القتل، ربما كان يدافع عن نفسه، وربما يكون القاتل من المندسين... الله، هىّ الشيخة الشريفة ماجدة وصلت؟ هَلبَتّ الشيخ عبد المقصود كان واقف عند البحر فى ميدان عبد المنعم رياض جنب برج القاهرة لما واحد إيرانى طلع من البحر وقال له إحنا أشراف زى بعض واحنا جايين نقتل المتظاهرين! وبالطبع فالعسكرى الذى يطلق الرصاص الحى، ويدهس المتظاهرين بالمدرعة لم يقصد القتل، كان بيلعب بلاى ستيشن وقلبت نكد. حسبى الله ونعم الوكيل... حتطلّعوا الناس من دينها يا شيوخ الطرح. طيب ما العمل الآن؟ أنا لن أذهب إلى أمهات الشهداء فى عيد الأم لأقول لهن: كل سنة وانتى قلبِك محروق وتار ابنك منسى. ولا أحد يعوّل على البرلمان المشغول بالهولز والأذان وحد الحرابة واللغة الإنجليزية واعتذارات نادر بكار وجعير مصطفى بكرى والفواصل الكوميدية المتتالية فى الجلسات، وبالطبع فالمجلس العسكرى هو القاتل، أنَّى له أن يقتص لمن قتلهم من نفسه؟ والناس ستترك كل هذا المقال الطويل العريض وستقبض على سيرة حسان وعبد المقصود، وسيحولون مجرى المناقشة من حق الدماء التى أريقت إلى «التطاول على المشايخ»، وأصنامهم التى يعبدونها من دون الله، لأن ذلك أفضل وأسهل وأيسر، فكما نعلم، الخبؤات ملوا البلد، والخبؤ لا يحب أن يتحدث فى سيرة الشهداء وحقوقهم، لأن ذلك يضطره إلى اتخاذ موقف عملى، أما الخناقة على الشيخ حسان والشيخ عبد المقصود وتغيير الموضوع فهى لا تكلفه سوى ضرب الأبقاق. طيب بص يا كتكوت انت وهو، أنا قليلة الأدب، ومش متربية، وحَوَارتَاجيّة، وشوارعجية، وحضراتكم جميعا، جميعا، جميعا، رِبَاية سرايات، والدادة بتاعتك من ألماينا، والطباخة من فرنسا، واتعلمت الإتيكيت فى إنجلترا، إنت ابن ناس، كلكو ولاد ناس، أنا الوحيدة بنت الكلب فى البلد دى... لا أنا بنت ستين كلب، خلاص؟ حاجة تانى؟ خلصنا الموضوع ده وقفلناه؟ طيب... كلمنى بقى زى ما باكلمك، نداء من بنت الستين كلب إلى كل ولاد الناس: الأمهات سيأتى عيدهن وهن ثكالى، ولم يحاسَب قاتل فلذات قلوبهن، فماذا أنت فاعل يا برنس يا متربى يا مؤدَّب يا أخلاق؟ ولا أقول لك... عيد الأم أصلا بدعة والعياذ بالله.