هذا ليس تهديدا أو تحريضا لكنه إحساس! فالقاتل سيُقتَل ولو بعد حين، والقناص سيجد حتما من يقنص عينيه أو عمره كله، إنها عدالة السماء التى وضعت قانون «العين بالعين» قبل أى شىء. لكنى لا أعرف وقتها موقف قادة الداخلية والمجلس العسكرى من قانص القناص، هل يمكن أن يهرب ثم يعود بمزاجه، وهل سيعيش حتى يُحاكَم مدنيا؟ أم وقتها لا بد أن يُحاكَم عسكريا؟، وهل سيتم استثناؤه من وضع الكلابشات فى يده؟ وهل سيحاول أحد التماس العذر له خصوصا إن فعل هذا أحد أقارب الشهداء؟! لا أظن، فالمجلس العسكرى يخشى القتلة ولا يخشى دعاء الأبرياء ونفاد صبرهم، فالمجرم محمد صبحى الشناوى الذى شاهدنا جريمته بالصوت والصورة والإشادة «جدع يا باشا» يسمح له بالذهاب إلى النيابة العامة بملابسه الكاجوال و«طاقيته» الزرقاء، ونظارته السوداء -«التى تشبه أيامه القادمة إن شاء الله»- ودون أن تزين الكلابشات يديه، هذا لأنه ابن ناس وحليوة ومتربى كويس ومش «وش بهدلة»، ولا تصح إهانته حتى لو كان مذنبا. بينما البطل الثائر علاء عبد الفتاح ورفاقه يستحقون الحرق فى نظر السادة الذين أمروا بمحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية، حتى يتم العثور على أدلة إدانتهم التى لن تصل أبدا ويتم معاملتهم كأبناء السبيل وأسرى الحروب. من هنا بدا القناص بملابسه الكاجوال ونظارته السوداء وجبهته المرتفعة وخطواته الواثقة كمن هو ذاهب إلى جنينة الأسماك لا إلى النائب العام، فهو لا يشعر بالندم وإنما يرى أنه «كبش فداء» وأن حظه الأسود أنه تم تصويره، فمن المؤكد أنه يعرف زملاء له كثيرين وبالاسم فعلوا مثله، ولم يتعرضوا لما تعرض له ولم تهاجمهم وسائل الإعلام ولم تتم إحالتهم إلى التحقيق بل ربما أيضا تمت ترقيتهم لإخلاصهم فى تنفيذ الأوامر. كل هذا أنا مؤمن به ومتأكد منه، فهو ليس المجرم الوحيد ولا المذنب الأوحد، فخلفه عشرات القتلة الذين لم يمسهم سوء وهو يعرفهم، وأتمنى أن يدلنا عليهم، حتى نحاول أن نغفر له خطيئته، فهو ليس المقصود بل هو يمكن أن يكون مرشدا لنا فى طريق البحث عن قتلة الثوار وقناصى العيون. فليس مهما محاكمة هذا الملازم وحده، بل إننا نريد رقبة سيادة اللواء الذى كان يقف خلفه وأعطى له التعليمات بالقتل، أو حتى سيادة العميد الذى قال له ولزملائه «افقعوا عيون الثوار» نريد القتلة الحقيقيين والقادة الذين ما زالوا فوق مقاعدهم وخلف مكاتبهم، الذين يثق هذا الضابط بهم ويثق أنهم سيقومون بحمايته عند اللزوم. فليس من المنطقى أن يكون قد سلم نفسه من تلقاء نفسه دون أن يكون قد حصل على وعد قاطع ممن نصحوه بذلك بأنهم سيكونون خلفه ومعه، بل ربما أقنعوه أنهم سيقومون بتهريبه إذا سارت القضية عكس ما خططوا لها، فكله تحت السيطرة والسجون سجونهم. إنها مدرسة حبيب العادلى وهذا عدله! الذى يبدو أن قادة المجلس العسكرى صاروا يؤمنون به ويسيرون على خطاه، فمرة نجدهم يقومون بدور وحش الشاشة الذى لا يمكن أن تزور انتخابات أو تحدث انتهاكات فى الدوائر ما دام حيا، ومرة أخرى نجدهم يرتدون طاقية الإخفاء ويفضلون دور «شاهد ماشافش حاجة»، فنجد الضابط يحاكم مدنيا، والمدنى يحاكم عسكريا والمتهم نلتمس له الأعذار ويتم التعامل معه بمنتهى الرقة والحنية والعذوبة، وفى الوقت نفسه نتعامل بمنتهى القسوة مع البرىء ونسعى لإدانته بكل ما أتيح لعدالة العادلى من قوة ونفوذ. لذلك يجب أن نكون فى حالة استعداد دائم، لأنه قد يخرج المجرم من القضية لعدم كفاية الأدلة، وقد يتم حبس من قام بتصويره ووقتها سنواجه تهمة التشهير والسب والقذف وتخرج علينا جماعة «إحنا آسفين يا ضابط»! لكن كل هذا لا يهم، المهم هو أنه لو خرج من يد القضاء فلن يفلت من يد القضاء والقدر!