على مدى 50 عاماً، لم تتوقف الأزمات السياسية والقانونية بين القضاة من جهة، والسلطة ممثلة فى الحكومات والرؤساء، من جهة أخرى، إلا أن تلك الأزمات على اختلافها، لم يغب عنها الخلاف السياسى بين الجانبين، فكانت معظم الأزمات بين القضاة والسلطة سياسية بغطاء «قانونى». وعلى خلفية قرار الدكتور محمد مرسى بإقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، عادت للأذهان الأزمة الشهيرة بين عبدالرزاق السنهورى، رئيس مجلس الدولة الأسبق، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر التى انتهت بالإطاحة بالسنهورى من منصبه وحل مجلس الدولة. «مذبحة القضاة» عام 1968، هى أيضاً إحدى أشهر أزمات القضاة مع السلطة، عندما أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قراره بعزل 128 قاضياً بسبب تقارير كاذبة من أعضاء التنظيم الطليعى تتهم القضاة بالعداء لنظام 23 يوليو. وشهدت هذه الفترة تطاولاً على أحكام القضاة عبر صفحات الجرائد، وخضع عشرات القضاة لعمليات تجسس من قبل الأجهزة الأمنية. ولم تقف أزمات القضاة مع السلطة برحيل «عبدالناصر»، حيث تجددت فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذى دخل فى أزمة مع المستشار ممتاز محمد نصار أحد أبرز السياسيين فى السبعينات، ورأس نادى القضاة فى الستينات وأحد ضحايا مذبحة القضاء الشهيرة فى عام 1969، حينما تصدى لاتفاقية كامب ديفيد التى عقدها الرئيس الراحل أنور السادات مع إسرائيل، ووقف «نصار» فى وجه «السادات» الذى لم يحتمل وجود 13 معارضاً داخل مجلس الشعب لاتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، وأمر بحل المجلس عام 1979، لإسقاط هؤلاء المعارضين، إلا أن دائرة البدارى بأسيوط التى ترشح «نصار» فيها لانتخابات البرلمان، وقفوا بالسلاح مع ابن دائرتهم وحرسوا صناديق الانتخابات ومنعوا تزويرها ورافقوها حتى إتمام عملية الفرز، ونجح «نصار» وانتصر على «السادات»، وكان الفائز الوحيد من المجموعة التى رفضت الاتفاقية وجرى إسقاطهم ولقب وقتها ب«النائب الذى انتصر على الرئيس». ودخل القضاة أيضاً فى أزمة مع الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فى التعديلات الدستورية الأخيرة، حيث جرى تعديل المادة 88 التى كانت تضمن الإشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية، فأصبح الإشراف القضائى مقتصراً على مراكز الاقتراع الرئيسية، بعد أن كان النظام المطبق منذ حكم المحكمة الدستورية عام 2000 هو «إشراف القضاة على كافة لجان الانتخاب، بأن يجرى اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر بين أكثر من مرشح»، حيث طالب القضاة بوضع ضمانات كافية للإشراف على الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلس الشعب. ورداً على هذه الخطوة، قرر وزير العدل تحويل قاضيين من التيار المطالب بالإصلاحات الديمقراطية، هما هشام البسطويسى وأحمد مكى، إلى مجلس تأديب، يترأسه رئيس مجلس القضاء الأعلى التابع لوزارة العدل الذى من سلطته أن يحيلهما إلى التقاعد، أو يحولهما إلى وظائف إدارية، إذا ما قرر أنهما غير مؤهلين لممارسة المهنة، وإزاء هذا الإجراء غير المسبوق، نظم نادى قضاة القاهرة، عدة اعتصامات، تلتها اعتصامات تضامنية فى نوادى القضاة فى الإسكندرية وعدة مدن. وأدى التعاطف الجماهيرى الواسع مع حركة القضاة، وتجدد حركة الديمقراطية -التى كانت قد هدأت بعد انتخابات مجلس الشعب- عبر التضامن مع القضاة، إلى منع الحكومة من معاقبة القاضيين، حيث جرت تبرئة «مكى» وحصل «البسطويسى»، على عقاب شكلى محدود.