مركز الفتوى الذى أنقل عنه هنا ليس هيئة مغمورة، بل إنه المركز الرسمى تحت إشراف «إدارة الدعوة والإرشاد الدينى بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر». موقع الإنترنت الذى تُنشر عليه هذه الفتاوى، إسلام ويب، زاره خلال عام 2011 سبعون مليون زائر. الفتوى، كما أشرت أمس، تخصّ الجانب الذى يخفيه الإسلامجية عنك من موضوع «زواج القاصرات». وطالِب الفتوى هنا لا يستسيغ «مفاخَذة الصغيرة»، لكن أصحاب الفتوى يصرّون أنه «حكم الشرع». أولًا: السؤال بالنسبة إلى فتوى جواز مفاخَذة الزوجة الصغيرة التى لا تطيق الوطء، فمن الثابت علميًّا أن الفتاة التى لم تبلغ جنسيًّا مجرد مداعبتها جنسيًّا -حتى وإن لم يتناول ذلك الوطء فى الفرج- كالتقبيل بشهوة والمفاخَذة ونحو ذلك يؤدى إلى الإضرار بالفتاة. ولا فرق فى ذلك بين إن كان مَن يداعبها زوجها أو لا. وفى القرآن قد جعل الله وقتا معينا للنكاح بقوله تعالى: «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم...» الآية. قال القرطبى: بلغوا النكاح أى البلوغ. فها هنا ربط النكاح ببلوغ الحُلُم. وبالطبع النكاح ها هنا يتضمن الوطء، ومجرد المداعبة. فهذا يعنى أن مجرد المداعبة لا تجوز قبل البلوغ. وقال القرطبى رحمه الله فى تفسير الآية السابقة: «إلا أن علماءنا على أنه لا دخول بها إلا مع البلوغ». انتهى. والدخول بالطبع يشمل الوطء وحتى مجرد المداعبة. ومن ذلك أيضًا قول النبى -صلى الله عليه وسلم- فى الحديث الذى رواه أحمد فى مسنده: «لئن بَلَغَت بُنَيَّةُ العباس هذه وأنا حىُّ لأتزوجنها». فمن هذا نستنتج أنه لا زواج قبل البلوغ. حتى وإن جاز العقد قبل البلوغ، إلا أن الزوج لا يُمَكَّنُ من الزوجة إلا مع البلوغ، أو تصير صالحة للوطء، كما ذكره العسقلانى فى الفتح. والصلاحية للوطء مقترنة بالبلوغ الجنسى لا قبل ذلك كما يؤكد ذلك الأطباء والمختصون. فما موقف فضيلتكم من جواز إباحة «مداعبة» الزوجة الصغيرة التى لم تبلغ الحُلُم فى ضوء ما سبق؟ ثانيًا: الإجابة ... نريد أولًا أن ننبهك إلى أن الحديث الذى أوردته: «لئن بلغت بُنَيَّة العباس هذه وأنا حى لأتزوجنها»، هو حديث قال فيه الشيخ حسين أسد: إسناده ضعيف جدا. وضعَّفه أيضًا شعيب الأرناؤوط. ولم نجد من أهل الحديث المختصين فيه من قال بصحته. وفى ما يتعلق بموضوع سؤالك، فإنه لا حرج فى تقبيل الزوجة الصغيرة بشهوة و«المفاخَذة» ونحو ذلك، ولو كانت لا تطيق الجماع. وقد بيّن العلماء رحمهم الله تعالى أن الأصل جواز استمتاع الرجل بزوجته كيف شاء إذا لم يكن ضرر. وذكروا فى ذلك استمناءَه بيدها، ومداعبتها، وتقبيلها، وغير ذلك. قال شيخ الإسلام زكريا الأنصارى فى «الغرر البهية»: «والبعل (أى: الزوج)، كل تمتُّعٍ بزوجته جائز له، حتى الاستمناء بيدها، وإن لم يجز بيده (بمعنى يجوز بيد الزوجة ولا يجوز أن يفعله لنفسه) وحتى الإيلاج فى قبلها من جهة دبرها». انتهى، ولك أن تراجع فى هذا الفتوى رقم: 23672. ثم الآية الكريمة التى أوردتها ليس فيها دليل على أن النكاح لا يجوز قبل البلوغ، وإنما هى فى الحجر على اليتيم وأنه مستمر إلى بلوغه. وما نسبته إلى القرطبى من ذِكرِه أن الدخول لا يكون إلا مع البلوغ لم نقف عليه. ولو افتُرِضَ صحتُه فإنه يخالف كلام المالكية الذين ينتمى إليهم هو. يقول الشيخ عليش عند قول خليل: وأمكن وطؤها (أى الزوجة)، وليس له سن معينة لاختلافه باختلاف أحوال البنات من وفور الجسم ونحافته. فلا يشترط بلوغها الحُلُم لكمال اللذة بها بدونه.. ومثل هذا الكلام فى أكثر شروح خليل. انتهت الفتوى. وأنا آسف لنشرها فى صحيفة يومية، لكن لا بد من ذلك لتنبيهك إلى الخطر المحدق بنا كمجتمع، وبقيمنا. فالصمت هنا الجريمة العظمى وليس النشر. والأوْلى أن يستحيى من أنفسهم الذين ينشرون هذا التخلف ويريدون أن يحموه دستوريًّا. من فضلك راجعى، فى نفس الموقع، الفتوى رقم «23672» والأخرى رقم «56312». وهذه الفتوى الأخيرة بالذات تجنبت نشرها لأن فيها من التفاصيل ما يفوق كثيرًا الفتوى المنشورة.. حافظى على أطفالك وأطفالنا، قولى لا لهذا الدستور.