شىء ما فى التركيبة الإبداعية للمخرج إسماعيل عبد الحافظ يذكّرنى بحسن الإمام، الاثنان تستطيع أن تعتبرهما الأكثر اقترابا لمشاعر الناس والاثنان قدّما روائع.. عبد الحافظ للشاشة الصغيرة، والإمام للكبيرة. شىء من السحر الخاص المطرَّز بالبساطة تلمحه بينهما رغم أنى أتصور أنهما ربما لم يلتقيا فى الحياة، ولكنك مثلا تكتشف أن حسن الإمام كان كثيرا ما يذهب إلى الاستوديو مرتديا الجلباب وإسماعيل أيضا كثيرا ما كان يفعل ذلك، مع ملاحظة أن مفهوم الجلباب أخذ الآن بعدا آخر بينما الإمام وعبد الحافظ كان الجلباب بالنسبة إليهما تعبيرا عن شخصية ابن البلد الذى ظل يسكن أعماق كل منهما. ليس هذا تحديدا ما أردت الحديث عنه، ولكن قدرة كل منهما على تقديم عمل فنى على موجة الناس. إنها الشفافية التى تحيل المبدع إلى مرآة ذات وجهين بقدر ما يرى من خلالها الناس يراه أيضا الناس! آخر مرة رأيت فيها إسماعيل عبد الحافظ كانت فى نقابة الصحفيين قبل ثلاث سنوات عندما أقام زميلى العزيز الأستاذ محمد عبد القدوس ندوة لتأبين أسامة أنور عكاشة ووجهنا الدعوة إلى عديد من النجوم الذين ترك أسامة على مشوارهم بصمات لا تُنسَى ولم يحضر سوى المخرج إسماعيل عبد الحافظ والكاتب بشير الديك. فى الندوة لم يكن إسماعيل يتحدث كثيرا، كانت دموعه تسبقه وتتحدث بالنيابة عنه، فما بينهما توأمة إبداعية وإنسانية.. صحيح أن أسامة كان أغزر وأروع كاتب درامى عرفته الشاشة الصغيرة ودائرته امتدت تخومها إلى محمد فاضل وإنعام محمد على و فخر الدين صلاح وغيرهم، بل هو الذى دفع عددا من المخرجين الجدد إلى الساحة مثل جمال عبد الحميد، ولكن الناس أشارت إلى أسامة بقوة فى البداية من خلال «الشهد والدموع» بجزأيه ووصل إلى ذروة الجماهيرية غير المسبوقة مع «ليالى الحلمية» بأجزائه الخمسة، كانت مصر والعالم العربى تعيش لياليها كلها فى أجواء الحلمية، وبلغ صدق العمل الفنى أن المشاهِد ظل ملتصقا بالشخصية الدرامية وخَفَت تماما بجوارها اسم النجم كأن الجمهور يريد تثبيت اللحظة الزمنية. صلاح السعدنى هو «العمدة سليمان غانم»، والفخرانى «الباشا سليم البدرى»، وصفية العمرى «نازك السلحدار»، وسيد عبد الكريم «المعلم زينهم السماحى»، كل هؤلاء ما عدا الفخرانى لأسباب خاصة، ليس الآن مجال ذكرها، قيّدهم النجاح الأسطورى للحلمية، وصار السعدنى ملتصقا ب«العمدة» وصفية ب«نازك»، حتى عندما رحل سيد عبد الكريم قبل عامين كتبوا فى العنوان «رحيل المعلم زينهم السماحى»! المخرج الذى ينجح فى أن يسكِّن ممثليه فى الدور الذى يطلقون من خلاله إشعاع الموهبة لا شك مخرج استثنائى.. كما أنه يجيد قيادة الممثل والتوجيه واستخدام الموسيقى والأجواء والإيقاع العام.. كلها مفردات يملكها بتفرد إسماعيل عبد الحافظ. كان إسماعيل لديه حاسة نادرة فى اكتشاف المواهب وقدم للشاشة الصغيرة منى زكى فى «العائلة» ثم يدفع بها فى دور أكبر فى «ضد التيار» وبعد ذلك منح أول فرصة لكلّ من كريم عبد العزيز وياسمين عبد العزيز فى «امرأة من زمن الحب» ليصبحوا بعد ذلك هم نجوم الشاشة الكبيرة.. إنه المخرج القادر على أن يلتقط الموهوبين من بين عشرات بل مئات يطرقون الباب. فى مسلسل «حدائق الشيطان» اعتذر عن الدور أكثر من نجم بسبب الأجر، أراد إسماعيل أن يلقنهم درسا فدفع بالممثل السورى جمال سليمان إلى البطولة متصدرا الكادر فى دور «مندور أبو الدهب»، وحقق جمال شهرة عريضة فى مصر والعالم العربى وصار الدور لصيقا به، وعلى مدى سبع سنوات يقدم جمال مسلسلات رمضانية ولا يزال «أبو الدهب» هو قفزة النجاح الجماهيرى التى لم يستطع جمال أن يتجاوزها. أحدثت السنوات الأخيرة قدْرًا من التغيير على الشاشة عانى منه الكثيرون، كتّابًا ومخرجين، بعد أن ازدادت سطوة النجوم على مقدرات العمل الفنى، كما أن الشاشة الصغيرة تغيرت ملامحها وبدأ الجيل الذى لمع منذ الستينيات تتقلص فرص وجوده ولكن عبد الحافظ قاوم وقدم قبل رحيل أسامة «المصراوية» بجزأيه، وهذا العام شاهدنا له «ابن ليل» وكان يصور أيضا «أكتوبر الآخر» ليؤكد أن هذا الجيل لا يزال على خريطة الشاشة الصغيرة الدرامية يتنفس فنا وإبداعا حتى النفس الأخير.