أعترف علنا، وأجرى على الله، بأننى من زمرة الكارهين جدا لتعبير «النخبة» الذى يلوكه حاليا، عمالا على بطال، قطيع من «النخبويين» أغلبهم مساكين وغلابة وتعبانين جدا فى عقولهم إلى درجة أنهم لا يشعرون بأى خجل أو كسوف من الجهر (حتى لا أقول الفخر) بالجهل والغباوة، إذ يهرفون عادة بما لا يعرفون بثقة وبجاحة تثير الغيظ والحسد، ويمارسون على الخلق نوعًا سخيفًا وشنيعًا من البغبغة (نسبة إلى البغبغان) فتسمعهم يرطنون بألفاظ واصطلاحات ونظريات بائسة يلتقطونها من أفواه بعضهم البعض (بالعامية الفصحى يقال: يبصقون فى أفواه بعضهم) ويرددونها بغير فهم ولا وعى ولا لحظة تأمل أو تدبر، ولا حاجة أبدًا خالص البتة.. فقط ضجيج مزعج وتكرار ممل لكلمات سمعوها عرضا (من سماتهم أنهم لا يقرؤون) وبسرعة يحولونها إلى زجليات ركيكة وأغان هابطة يغنونها صباح مساء حارفين اهتمام الناس عن قضاياهم الأصلية والمشكلات والكوارث الحقيقية، ومحاولة جرهم إلى قضايا وهمية وتفاهات وهواجس عقلية ما أنزل الله بها من سلطان (حكاية «الدولة العميقة» نموذج يغنى عن أى كلام). غير أن موضوع سطور اليوم ليس قطيع التعبانين هؤلاء الذين من فرط غباوتهم يتذاكون ويدعون التواضع والبراءة من صفة النخبة (مع أن أحدًا لم يرمهم بهذه التهمة أصلا)، ومن ثم لا يقصرون فى توجيه شتى أنواع الانتقادات والشتائم لمثقفين وسياسيين لا يشاركونهم السباحة فى بحور التفاهة والترخص والانتهازية.. الموضوع هو تواطؤ هذا القطيع ومجهوده الحربى الجبار لطمس حقيقة أن فضيلة الدكتور محمد مرسى وجماعته صعدا إلى سدة حكم البلاد وهما عاريان ومجردان تماما من أية رؤية أو برنامج للتعامل مع المشكلات والتحديات والمآسى التى يكابدها مجتمع المصريين ووفرت أسباب ثورتهم على نظام مبارك وولده، لقد شغل القطيع المذكور ساحة الجدل السياسى طوال الأسابيع التى مرت على اعتلاء فضيلة الشيخ مرسى كرسى السلطة المطلقة بأشياء من نوع أن الرجل كان حكيما وسوبرمانا عندما خلع المشير وباقى حفنة الغلابة الفاشلين أعضاء المجلس العسكرى، وأن فضيلته فتح عكا واستعاد مجدنا الغابر فى الأندلس عندما زار الصين (على فكرة علاقات مبارك بالصين كانت أكثر من حميمة، فقد تبادل مع قيادات هذا البلد عشرات الزيارات، ووقع معهم 64 اتفاقية غطت كل المجالات توجت جميعًا باتفاقية شراكة استراتيجية سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية بين البلدين جرى إتمامها وبدأ العمل بها فى عام 1999). لا أحد من القطيع المذكور لاحظ أو فتح فمه متحدثا بكلمة عن أن الإشارات والتصرفات التى راكمها فضيلة الشيخ الرئيس طوال الأسابيع الماضية تشى كلها وتقطع بأن خياراته وسياساته وتوجهاته فى الداخل والخارج، هى عين خيارات وسياسات المخلوع أفندى، ولا فرق يذكر سوى أن الكفاءة فى التنفيذ تبدو أقل بدرجة فاحشة، كما تبدو أحيانا أشد تهورا وتطرفا وأكثر اندفاعا نحو اليمين البذىء المعادى للحقوق والحريات الإنسانية عمومًا، وحقوق الفقراء خصوصًا، هذا فضلا عن دعم أواصر التبعية المهينة بحلف شائن يبدأ من واشنطن لكنه يهبط سافلا إلى قطر (لا داعى للحديث عن أنباء التطبيع مع إسرائيل). وأختم بمثالين اثنين فقط، أولهما البيانات التى أذاعتها وزارة المالية قبل أيام كاشفة عن حجم دَين داخلى مهول (تريليون و386 مليار جنيه) هذا الرقم الخرافى أسهم فضيلة الرئيس وحكومته الإخوانية الفلولية المشتركة فى تسمينه (خلال ستة أسابيع فقط) بما يزيد قليلا على 10 فى المئة، تحديدا 136 مليار جنيه (!!) تبددت كلها فى «مسكنات» وعمليات ترقيع رديئة للجسد الاجتماعى البائس المنهك من دون أية إضافة إلى طاقة البلد الإنتاجية. لكن المثال الثانى قد يكون أكثر بلاغة فى التعبير عن حقيقة أننا استبدلنا نظاما طليق اللحية بنظام شقيق ومماثل له تمامًا بيد أنه كان حليق الذقن ومهيض الجناح فحسب، فقد صرح الأخ هشام قنديل رئيس حكومة فضيلة الرئيس مرسى، يوم الأحد الماضى لوكالة أخبار اقتصادية عالمية تدعى «بلومبرج»، بكلام يطمئن صندوق النقد الدولى ويستجيب لطلبات وشروط هذا الأخير حتى يتفضل ويتعطف ويفرج عن القرض المشهور الذى تحول فجأة من كونه ملوثا بالربا الحرام إلى متطهر ب«مصاريف إدارية» حلال.. كيف طمأن الأخ هشام صندوق النكد؟ قال لا فض فوه متبحبحا: إن حكومة جنابه «تخطط (فى السر) لتحرير صناعة وتوزيع الكهرباء»، بحيث ينتهى احتكار الدولة إنتاج هذه السلعة الخطيرة ويدخل رجال الأعمال السوداء فى الموضوع، ومن ثم يقوم هؤلاء بكهربة خلق الله الفقراء. على فكرة، لجنة سياسات المسجون ابن المخلوع كانت هى أيضا «تخطط» وتسعى لتنفيذ الخطة ذاتها، ومن مفارقات القدر الأسود أن الأخ أحمد نظيف صرح قبل أسابيع قليلة من ذهابه مع رئيسه إلى الجحيم، بتصريحات مشابهة لما قاله الأخ هشام، وبثته وقتها وكالة «بلومبرج» نفسها.. هل يعرف أحد لماذا قمنا بالثورة؟!