لست من مستمعى الأستاذ الفنان هشام عباس، ولا أكاد أعرف أغنية واحدة من أغانيه، ولا تستطيع أذنى أن تميز صوته من بين زحام أصوات جيوش المطربين الحاليين، وأظن أن سيرته لم تكن لتعبر أبدا على سطور هذه الزاوية، ولو بقيت أكتبها ألف عام «أمد الله فى عمره وعمر مستمعيه الكرام»، غير أن لضرورات الكوميديا والمسخرة العبثية التى نعيشها الآن أحكاما جعلتنى أهتم جدا بالأستاذ هشام، بعدما تحول اسمه إلى عنوان قضية وطنية ومجتمعية خطيرة. وقبل أن أخوض فى قضية هشام لا بد من شكر واجب لصاحب فضل تفجيرها «القضية» فى وجوه أهالينا، أى فضيلة جناب الأخ الداعية السلفى حازم شومان، الذى كان يمر بسيارته فى أحد شوارع مدينة المنصورة مساء يوم الثلاثاء الماضى، مفتشا ومتفقدا لأوضاع العفة فى المدينة، وباحثا عن أى مظهر فجور أو كفر «والعياذ بالله»، لكى يقوّمه ويقاومه فورا بالوسيلة التى يراها فضيلته مناسبة للوضع، وبينما هو على هذه الحال عينه فى وسط رأسه لئلا تفوته معصية أو فُجر ما قد يكون مستترا بظلمة الليل البهيم «البَهيِم شىء مختلف عن البهائم»، لاحظ فضيلته زحاما وجلبة أمام مبنى أكاديمية النيل، ولما تقصى واستقصى عرف أن هناك فاحشة عظيمة ترتكب داخل هذا المبنى، إذ كانت الأكاديمية غافلت واستغفلت سلطات سلطانية سيادته وأقامت حفلا غنائيا أحياه الفنان هشام عباس بمناسبة تخريج دفعة جديدة من الطلبة! لم يطق جناب سلطان الفضيلة الشومانية صبرا على هذا الفجر والتحدى السافر لسلطانيته واندفع غير هياب إلى ساحة الوغى والجهاد فورا من دون أن ينسى إغلاق سيارة «دورية العفة» التى كان يمتطيها جنابه، متوسلا ب«الريموت كونترول»، أما ساحة الجهاد فقد كانت عبارة عن قاعة تغص بمئات الشباب الأبرياء الذين كانوا يدندنون بأغانى هشام عندما فوجئوا بسلطان النكد يقتحمهم ويعتلى سدة المسرح، ويهتف فيهم عبر الميكروفون، قائلا: يا قوم.. هذا حرام ومنكر وفجور.. «هكذا مرة واحدة»! طبعا القضية التى شاء حظ وقدر هشام عباس أن تستعير اسمه، ليست فى هذه الواقعة «الجهادية» غير النادرة «سبق للسلطان نفسه أن فض قبل أسابيع قليلة حفلا غنائيا مماثلا»، كما أن لا قضية ولا مشكلة فى أن يختار بعض الناس التخلف والجلافة وظلام العقل وتمجيد القبح ومعاداة كل ما يحمل شبهة جمال أو عذوبة تهفو وترق لها قلوب ونفوس أصحاب الفطرة السليمة التى فطر المولى تعالى الإنسان عليها.. القضية ليست هذه، فالتخلف حتى التخلف حق أصيل من حقوق الإنسان ولا يُلام المرء عليه إلا أن يحاول فرضه على الآخرين بالغصب والإرهاب. وقد يكون ما فعله فضيلة سلطان العفة الدقهلاوى المذكور آنفا، نموذجا فجا ومخجلا لسلوك قطعان المتخلفين الذين هم أصلا ضحايا سياسة تعميم البؤس والسحق والتخريب والتجريف العقلى والروحى الممنهجة، التى ظلت تنخر وتنحر فى مجتمعنا عقودا طوالا، لكن هذا النوع من السلوك الشاذ كان يمكن اعتباره ظاهرة فلكلورية عبيطة محدودة الخطر «لها مثيل فى أغلب دول الدنيا»، يتم مواجهتها والتعامل معها بالقانون والبوليس «بالمناسبة أين البوليس وأين القانون؟»، بيد أن واقعنا المزرى الحالى يقول إن التخلف وجماعاته وقطعانه جميعا صعدوا مهرولين إلى مسرح السياسة وصاروا يستمتعون رغم أنف الأخ القانون بتراخيص حزبية قد تمكنهم قريبا من أكل حصة معتبرة من كعكة سلطة التشريع فى البلاد، ما سيمنحهم بدوره فرصة استخدام مؤسسات الحكم فى تنفيذ برامجهم البلهاء، التى يحتل رأس أولوياتها قضايا جهادية خطيرة من نوع إلغاء وتحريم وتجريم حفلات هشام عباس، وربما رجمه وجلده هو شخصيا مع جمهوره وكل من يسمع أغانيه.. الحمد لله أنا لست منهم!!