كتب- أمجد مصطفى : الفنانون خسروا الجولة الأولي من لقاء الرئيس محمد مرسي، هذا هو مضمون أو النتيجة النهائية لهذا اللقاء الذي استمر قرابة الساعتين، والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا خرجت النتيجة هكذا؟.. الإجابة: هناك أسباب كثيرة، أبرزها أن اللقاء لم يجمع الفنانين فقط بل ضم بعض الأدباء، والمثقفين، رغم أن العنوان الرئيسي لهذا اللقاء والذي خرجت به كل الصحف والفضائيات هو "الرئيس يلتقي الفنانين". السبب الثاني حتي الفنانين الذين حضروا أغلبهم من الأسماء الكبيرة مثل: عادل إمام ومحمد صبحي وعزت العلايلي وسهير البابلي وحسين فهمي وخالد يوسف من الممثلين والمخرجين، وعلي الحجار ومحمد منير وإيمان البحر درويش ورضا رجب وحسن شرارة من المطربين والموسيقيين، إلا أن الذين تحدثوا مع الرئيس كان محور حديثهم حول الديمقراطية وأخونة الدولة وأمور أخري ليس لها علاقة بالفن. نعم هذه القضايا محورية، ومهمة لكل طوائف المجتمع، لكن هذه القضايا تطرح ليل نهار علي الفضائيات، والرئيس نفسه تحدث فيها مراراً وتكراراً، ونتيجة لهذا أغفل الفنانون طرح القضايا الرئيسية التي تهم مجتمع الفنانين.. وكما قال المطرب الكبير محمد منير، عقب لقاء الرئيس: كنت أتمني أن يفعل الفنانون ما فعله عمال الغزل والنسيج وغيرهم من فئات المجتمع ممن ألتقوا الرئيس، فهذه الفئات ناقشت قضاياها الأساسية، وهذا هو الأهم.. فليس من المعقول أن نحاول كلما تحدثنا كفنانين أن نحاول استخلاص عبارة الفن حلال أم حرام، نحن تجاوزنا هذا الأمر، لكن هناك مشاكل تهم صناعة الفن، وهذا هو الأهم لنا، وللدولة لكي تسير مصر في طريق نهضتها والخروج من كبوتها.. كلام منير قاله آخرون منهم: علي الحجار الذي أبدي ارتياحه للقاء بصفة عامة، لكنه كان يتمني أن تطرح قضايا الفن الحقيقية التي تهم الوسط، منها التأكيد علي حرية الإبداع.. والمعني هنا واضح ألا وهو ارتفاع سقف الحرية لمناقشة أي قضية سواء في السينما أو في الدراما.. لأن كلام وزير الإعلام «الإخواني» صلاح عبدالمقصود حول منعه لعرض أي أجزاء أخري من مسلسل «الجماعة» الذي كتبه وحيد حامد يمثل قمة قمع الإبداع. من حق أي مصري أن يعرض أعماله علي شاشة الدولة أو شاشة الشعب المصري، ومن حق أي متضرر من هذا ولتكن أسرة أي شخصية عامة يتناولها العمل أن ترفض بعض أو كل ما جاء بالعمل، لكن ليس من حق أي مسئول أن يمنع أي عمل إبداعي لمجرد أنه ضد قناعاته وفكره، فهذا الأمر كان يستحق أن يناقش وننطلق منه لمناقشة السياسة الإعلامية لتليفزيون الدولة خلال المرحلة القادمة، لأن حرية الإبداع ليس الدفاع عن مشاهد للعري فقط. أمر آخر كان لابد أن يطرح بقوة، وهو دعم الغناء الجاد ودعم الأصوات التي ظلمت طوال 30 عاماً وكان هناك نموذجان حاضران هما: علي الحجار ومحمد منير، وهناك آخرون لم يحضروا.. هذه الأسماء تستحق أن تكون صوت مصر، وليس أصحاب الجسد العاري، ولابد للدولة ممثلة في وزارتي الثقافة والإعلام أن تجدا حلولاً لدعم هذه الأسماء بشكل أفضل، فالتليفزيون المصري مثلاً لم يقدم هذه الأسماء في حفلاته منذ فترة طويلة، وتفرغ لعرض أغاني الهلس، والإذاعة لم تكن أفضل حالاً.. واسألوا راديو مصر ماذا يذيع من أغان قبل وبعد الثورة، وما حكاية المطربين العرب الذين يغنون ليل نهار فيها؟ لدرجة أن المطرب الكبير هاني شاكر قال لي في تصريحات سابقة: هذه الإذاعة لابد أن يطلق عليها اسم آخر غير «راديو مصر»، وهذا الكلام نشرناه قبل الثورة، لكن أنس الفقي ورجاله لم يكن يعنيهم المطرب المصري. هناك قضية أشد خطورة علي الوسط الفني «سينما وغناء» وهي القرصنة عن طريق المواقع المنتشرة علي الإنترنت التي أدت إلي إغلاق 99٪ من شركات إنتاج الكاسيت، انهيار هذه الصناعة أدي إلي تشريد عشرات الآلاف من العاملين في هذا المجال من عازفين ومطربين وعمال استوديوهات وعمال بوفيه، بما في ذلك «السايس» المسئول عن الجراج المقابل لأي استوديو صوت، هذه القرصنة جعلت دولة مثل مصر كانت تحتل المكانة الأولي في العالم العربي والشرق الأوسط في عالم صناعة الموسيقي تتراجع وتسبقها في المنطقة دول مثل تركيا وإسرائيل ولبنان وبعض دول الخليج. خسائر مصر من القرصنة تصل إلي مليار دولار سنوياً، وهو رقم ضخم.. وبالمناسبة كانت صناعة الغناء تمثل المرتبة الثانية بعد القطن في الدخل القومي، وما ينطبق علي الغناء ينطبق علي السينما بشكل أو بآخر. الفنانون خسروا أول جولة في لقاء الرئيس، لأنهم انشغلوا بأمور أخري كان من الممكن أن تناقش في حدود ضيقة، وتشكل لجاناً صغيرة لحلها مثل مشكلة إلهام شاهين.. نعم هي مشكلة مهمة ومحورية، لأن إهانة أي إنسان مصري أمر لا يليق، وإلهام تحملت ما لم يتحمله إنسان خلال الفترة الماضية، وأتصور أن معاناتها وأسرتها كانت كبيرة. الفنانون خسروا أول جولة مع الرئيس لأنهم لم يحددوا أهدافهم قبل اللقاء، وكان من المفروض أن يحدث تنسيق أو يفوض شخصيات معينة للحديث، كل فنان في قضية معينة، لكن دائماً عادتنا كمصريين نفقد الفرص بسهولة، ونندم بعد أن يضيع الوقت.. ومن قال إن الرئيس وعدنا بلقاءات أخري ربما يكون واهماً، لأن الرئيس لديه أمور أكثر أهمية من وجهة نظره، وكذلك الناس في الشارع من لقاء الفنانين كل فترة. ما حدث من لقاء هو رسالة تطمين لهم، وامتصاص غضبهم، بسبب بعض القضايا التي أثيرت مؤخراً وشغلت الرأي العام من داخل وخارج الوسط الفني. الفنانون خسروا لأنهم لم يطرحوا قضية بيع التراث المصري إلي شركة عربية، وهذا التراث يمثل كنز هذه الدولة، وتاريخها الذي نفخر به جميعاً، لماذا لم يطرحوا هذا الأمر؟.. وبعض ممن شاركوا في اللقاء مشارك في هذه الأفلام، والأغاني التي تم بيعها في عهد النظام السابق، وهي ملك لمكتبة التليفزيون، وهذه القضية أيضاً أول من فجرتها هي «الوفد». الفنانون نسوا أو تناسوا أوجاعهم الحقيقية، وانساقوا خلف أمور أخري من الممكن مناقشتها في برامج التوك شو، كان من الممكن أن يستغل اللقاء في إصدار موافقات من الرئيس بتكليف وزير الاتصالات بحل مشكلة القرصنة مع شركات الإنتاج وتكليف وزير الإعلام بحل مشكلة بيع التراث، ومتابعتها. لكن ضاع اللقاء في أمور مهمة من وجهة نظر من طرحوها فقط.. لكن في حقيقة الأمر هامشية بالنسبة لقضايا أكبر تهم الوطن.